– ألم يحن الوقت لسحب القوات السودانية من حرب اليمن التى قلبت حياة الشعب اليمنى الشقيق الى جحيم، ولم تحقق اى هدف سوى قتل وترويع الابرياء وتمزيق الوطن اليمنى الى اشلاء، وتحويل الشعب اليمنى الى بقايا اشباح من الماضى السحيق قابعا تحت ظروف مأساوية لا يمكن ان يرضاها وحش بلا رحمة ولا ضمير دعك من إنسان له قلب وعاطفة، ومن المؤسف أن نكون أحد المشاركين فيها، بدون أدنى سبب سوى الإرادة الضعيفة التى رهناها لغيرنا، خوفا أو تسولا لحفنة دولارات لا تغنى ولا تسمن من جوع، ولا ينتفع منها سوى الفسدة والفاسدين!!
– لقد بلغ عدد الضحايا من الشعب اليمنى الشقيق حتى الآن ما يقارب الخمسين ألف بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، عدا ملايين النازحين واللاجئين الذى يعيشون فى ظروف قاسية، ويعانون الأوبئة والمجاعات، ولقد حذر بيان صادر من الأمم المتحدة قبل يومين أن (13 مليون) يمنى مهددون بالموت جوعا، إذا استمرت الحرب دون وصول المساعدات الى المحتاجين، وقد يتحول الوضع الى أكبر مأساة إنسانية يشهدها العالم منذ أكثر من قرن، فلماذا نضع انفسنا موقع المجرم، بدلا عن إدانة ما يحدث، والمشاركة فى انقاذ الشعب اليمنى الشقيق من المأساة المرتقبة، على الأقل بالإمتناع عن المشاركة فى صنعها!!
– لقد ظللت منذ الوهلة الأولى للحرب، اطالب الحكومة السودانية بالامتناع عن المشاركة فيها، وتكهنت ــ وهو ما سخر منه كثيرون ــ بأن يطول أمد الحرب لأسباب عديدة، الأمر الذى سيتسبب فى معاناة المدنيين، لا أكثر !!
– قلت فى مقال قبل ثلاثة أعوام ونصف، “ان تحقيق الإنتصار فى الحرب أمر مستحيل بدون التدخل البرى (وكانت وقتذاك قاصرة على القصف الجوى)، بل ان احتمال انتصار الحلف السعودى حتى فى حالة شنه حربا برية، يبدو ضئيلا للغاية لأسباب كثيرة منها طبيعة الأرض الجبلية، بالإضافة الى أن الحوثيين أو (أنصار الله) كما تطلق عليهم أجهزة الاعلام، هم مواطنون يمنيون ينتمون لمجموعة قبائل، ويصل عددهم الى حوالى ( 5 .1 مليون)، أى حوالى (5 %) من مجموع سكان اليمن الذين يبلغ تعدادهم حوالى (30 مليون)، وليسوا مجرد حركة سياسية أو طائفية ــ كما يعتقد الكثيرون ــ يُقضى عليها بحرب خاطفة، وحتى لو حدث ذلك، فكيف يمكن، أخلاقيا وقانونيا، تبريرالقضاء على مواطنين لهم حق العيش فى بلادهم والتمتع بكل المزايا التى يتمتع بها الآخرون بغض النظر عن المذهب الدينى الذى يعتنقونه، إلا كان القانون والاخلاق والضمير الانسانى يبيح قتل الشعوب وتطهيرها وإبادتها على أساس عرقى ودينى ومذهبى وفكرى !!
– إسم الحوثيين، الذى تطلقه بعض الجهات عمدا على جزء من الشعب اليمنى لإخفاء هويته اليمنية، يعود فى الأساس الى (حسين الحوثى) الذى اسس مع آخرين (جماعة الشباب المؤمن) الدينية، و(حركة أنصار الله) السياسية العسكرية فى أوائل تسعينيات القرن الماضى بغرض الوقوف أمام سياسة التهميش الذى تعانيه الكثير من القبائل اليمنية .. ولكنه ليس الإسم الذى يعبِّر فى الحقيقة عن مكنون تلك القبائل التى لا يمكن تجزأتها وفصلها من الشعب اليمنى بأى حال من الأحوال، وحسين هو إبن الفقيه اليمنى الشيعى المعروف بدرالدين الحوثى الذى كتب عدة مؤلفات ينتقد فيها المذهب السنى الحنبلى الذى يعتنقه عدد من اليمنيين. وعندما قتل حسين فى عام 2004 فى احدى المعارك ضد الجيش اليمنى فى عهد الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، تولى القيادة من بعده اخوه عبدالملك الحوثى.
– شارك (الحوثيون) مثل غيرهم من الشعب اليمنى فى الثورة الشعبية ضد الرئيس اليمنى السابق (على عبدالله صالح)، إلا أن لعبة الموزانات السياسية العسكرية قادتهم الى التحالف مع (صالح) قبل التخلص منه لاحقا لمحاولته الانقلاب عليهم، واستقطابهم للقبائل الموالية له الى جانبهم، وهو ما يوضح مدى قوتهم وإتساع نفوذهم، ويؤكد إستحالة هزيمتهم والقضاء عليهم، وإقصائهم من معادلة السلطة فى بلادهم، ولقد أثبتت سنوات الحرب الطويلة ذلك، بل إنهم يتقدمون كل يوم من انتصار الى انتصار، بينما لا تدمر الحرب التى تقودها السعودية ويشارك فيها السودان، إلا إنسان اليمن وشعب اليمن وأرض اليمن!!
– لقد حان وقت الخروج من اليمن، إن لم يكن إشفاقا على شعب اليمن، فلعبثية الحرب التى لا جدوى ورائها غير تحقيق الثراء لتجار السلاح المتاجرين بدماء الأبرياء ومعاناتهم وتدمير اليمن وشعبه … أخرجوا من اليمن، قبل أن تخرجوا منها مهزومين صاغرين مذلولين مكروهين ملطخين بالدماء والعار!!
*كاتب سوداني