قبل عام تقريباً، أي في أيار (ماي) 2018 أجرت مجلة «فاثوم Fathom» التي تصدر عن المركز الإسرائيلي البريطاني للاتصالات والأبحاث (بيكوم-Bicom) مقابلة طلبت فيها من رئيس الموساد سابقاً أفرايم هاليفي- وهو من كان رئيساً لما يُسمى «مجلس الأمن القومي» الإسرائيلي سنتين عام 2002 في عهد حكومة شارون- أن يعرض وجهة نظره بشأن الوضع الاستراتيجي لـ«إسرائيل» في ذلك الوقت، فحدد هاليفي ثلاثة تطورات تحمل أكبر الأخطار على «إسرائيل» ومستقبلها هي:
1-احتمال أن تفقد «إسرائيل» بعض حلفائها المُهمين على الساحة الدولية أو أن يضعف الدور الأمريكي في المنطقة.
2-ازدياد قوة اللاعبين من غير الدول، والمقصود منظمات المقاومة مثل حزب الله والمنظمات الفلسطينية أو العربية التي تصطف مع محور المقاومة.
3- ازدياد الدور الروسي وقدرة الدول والقوى المتحالفة معه في المنطقة.
وفي تحليله لهذه الأخطار يقترح هاليفي على القيادة الصهيونية أن تبذل جهودها وقدراتها على إزالة هذه الأخطار الثلاثة أو بعضها أو تخفيض ما تحمله من إمكانات تهدد الكيان الصهيوني.
ويركز هاليفي على خطر العلاقات الروسية- السورية- الإيرانية، ويعده غير مسبوق في درجة الأضرار التي يتسبب بها للاستراتيجية الإسرائيلية ويصف هذه العلاقات بأحد الثوابت التي لن تتخلى عنها القيادة الروسية في المنطقة، ويقر بأن تل أبيب وحدها لا يمكن أن تكون قادرة على «إبعاد روسيا عن المنطقة» بعد أن تعززت علاقاتها مع سورية وإيران بشكل غير مسبوق في تاريخ الدولتين، ولذلك يرى أن حاجة الكيان الصهيوني للولايات المتحدة في هذه الظروف، ومن أجل هذه المهمة، لا يمكن الاستغناء عنها بل إنها ازدادت إلى حدود كبيرة جداً وغير مسبوقة.
وهو يؤكد هنا أن هذا الكيان ما زال يستند في استمرار وجوده إلى القوة الكبرى الاستعمارية الإمبريالية التي تقدم له أسباب البقاء في هذه المنطقة، وأن أي ضعف يُصيب هذه القوة سيؤدي إلى زعزعة الثقة باستمرار وجوده، وتحديداً عندما يعجز عن إيقاف تطور قوة إقليمية في المنطقة قادرة على تغيير ميزان القوى لمصلحتها على المستوى الإقليمي والدولي، وهي محور المقاومة. وفي المقابل يشير الجنرال المتقاعد عاموس غيلعاد- مسؤول القسم السياسي والأمني السابق في وزارة الحرب الإسرائيلية- إلى حاجة القيادة في تل أبيب إلى العمل على تفكيك هذا التحالف من أحد أطرافه أو من كلا طرفيه: سورية وإيران، وإلى تصعيد دور وسيطرة واشنطن وحلفائها في المنطقة.. ويقر بأن تحقيق هذا الهدف يحتاج جهود الغرب، إلى جانب جهود ودور تل أبيب.
وبلغة واضحة، من الطبيعي أن تؤكد هذه الحقائق أن القيادة الصهيونية ستلجأ إلى تصعيد حملتها العسكرية والتحريضية على الدعم الإيراني لسورية، وعلى الدعم الروسي لكل منهما، ففي ندوة سياسية عقدها مركز «هيرتسيليا» للدراسات في الكيان الصهيوني في شباط الماضي يقول معدّ الندوة- التي شارك فيها الجنرال غيلعاد وايتامار رابينوفيتش الذي كان مسؤولاً عن المفاوضات مع سورية في عهد اسحاق رابين: إنه سأل نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف عن موقف روسيا من «الوجود الإيراني في سورية» فأجابه بأن «وجود إيران في سورية ودعمها لها قانوني بموجب العلاقات الثنائية بينهما في حين أن الغارات التي تشنها «إسرائيل» فوق الأراضي السورية تشكل انتهاكاً سافراً لسيادة سورية وأراضيها وللقانون الدولي».
وإذا استعرضنا ما ذكره هاليفي عن أخطار هذا التحالف على الكيان الصهيوني وسياساته العدوانية التوسعية منذ تحديده هذه الأخطار الثلاثة، فإننا سنجد بشكل موضوعي أن القيادة الصهيونية لم تستطع خلال العام الماضي والحالي أن تحقق أي تقدم في مواجهتها لهذه الأخطار الثلاثة، وتحديداً في مخططها لزعزعة علاقات الثقة المتينة بين أطراف التحالف الثلاثي السوري- الإيراني- الروسي، وإلى جانبه منظمات المقاومة، بل إن هذا التحالف يعزز تدعيم علاقاته وقدراته في كل وقت من دون أن يكون بمقدور واشنطن وتل أبيب وكل من يتحالف معهما إيقاف عجلات تطوره وتقدمه في تحقيق أهدافه المشتركة في مجابهة الإرهاب والدول والأطراف التي تدعمه. ولا أحد يشك في أن الانتصارات والنتائج الإيجابية التي ولدها هذا التحالف على الأرض لأطرافه ستظل تستقطب المزيد من علاقات التعاون بينه وبين دول أخرى من معسكر الدول الصديقة للولايات المتحدة نفسه، وهذا ما يشكل المزيد من منعة القوة والحصانة في حماية أهدافه واتساع دوره في المستقبل مقابل تدهور وانحسار الدور الأمريكي في سعيه للسيطرة على هذه المنطقة.
فتل أبيب تعد كل نجاح يحققه هذا التحالف في هذا الميدان هزيمةً لها وتفتيتاً لقدراتها وزيادة عجزها.