منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، اظهرت تركيا إهتماماً خاصاً بالقارة السمراء , وشكلت أحد الأولويات الرئيسية لسياسة الرئيس أردوغان الخارجية , الذي حرص على القيام بجولاتٍ سنوية دون انقطاع , وقد قام بـ “50 زيارة إلى 30 دولة أفريقية” – بحسب الوزير جاويش أوغلو – , كان من أبرزها الجزائر والسنغال والصومال وجنوب إفريقيا.
مؤخراً في اسطنبول , وبحضور250 وفداً من 41 دولة وأكثر من ثلاثين رئيس دولة أفريقية , اختتم المنتدى الإقتصادي والتجاري الأفريقي التركي الثالث ، أعماله في 23 أكتوبر/ تشرين الأول , والذي اعتُبر مقدمة للقمة الثالثة للشراكة التركية الأفريقية التي عقدت قبل أيام ، والتي أرادتها أنقرة لإظهار نجاح “التعاون الإستراتيجي الجديد بين تركيا ودول القارة السوداء”.
في السنوات الأخيرة ، كثفت تركيا نشاطاتها التجارية مع الدول الأفريقية , وتجاوز حجم تبادلها التجاري معها 25,3 مليار دولار منذ العام 2020, وارتفعت الاستثمارات التركية إلى 7 مليارات دولار , كما زادت عدد بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا من 12 إلى 43 بعثة ، تم افتتاح 31 منها بعد عام 2009 والعديد منها لا يزال قيد التنفيذ , بالإضافة إلى تحويل اسطنبول عبر الخطوط الجوية التركية , ومن خلال أكثر من 60 وجهة , إلى مركز لوجستي يربط أفريقيا بالقارات الأخرى.
إن نشاط تركيا على خط القارة الاّسيوية والأوروبية , لم يمنع تحركها بإتجاه أفريقيا , وقد يكون للسياسات الداخلية والخارجية الرعناء , وسلوك الرئيس التركي تجاه أوروبا وتعليقها مؤخراً إنضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي , أسباباً إضافية تدفعها نحو أفريقيا أكثر فأكثر, وتسعى لحصولها على مقعد دائم في مجلس الأمن , كما جاء على لسان الرئيس التركي في خطاب القمة قبل أيام , بأن: “النضال الذي نخوضه تحت شعار “العالم أكبر من خمسة” ليس من أجلنا فحسب، بل لصالح إخواننا الأفارقة أيضاً”, و”إنه لإجحاف كبير أن لا يكون هناك كلمة ودور في صنع القرارات بمجلس الأمن , لقارة إفريقيا التي يعيش فيها 1.3 مليار نسمة”..
حتى وقت قريب ، كان النفوذ التركي ينمو بسرعة في شرق إفريقيا والجزء الغربي من ساحل القرن الأفريقي والصومال ، لكنه امتد الآن نحو غرب أفريقيا أيضاً , فالإهتمام التركي يتخطى التعاون التجاري والإقتصادي , ويعتمد على التعاون والمبيعات العسكرية , إلى جانب الوجود العسكري التركي الفعلي في ليبيا والصومال وتشاد , وباتت تركيا تتحدث عن شراكتها الإستراتيجية مع الإتحاد الأفريقي , وأنها تسعى نحو: “تحقيق الربح المشترك , وعلاقاتٍ “استراتيجية وطويلة الأمد” – بحسب الوزير جاويش أوغلو في القمة مؤخراً – , كذلك بتأكيد وزير الدفاع خلوصي أكار لنظيره النيجيري على: “ضرورة تطوير الدفاع الإقليمي والأمن والصناعات الدفاعية”.
بالإضافة إلى اهتمام تركيا بالثروات الأفريقية ,وبتوفر الأيدي العاملة والأجور المنخفضة , ناهيك عن العزف التوسعي العثماني , المستند إلى إعتبار شمال أفريقيا جزءاً من الإمبراطورية العثمانية , الأمر الذي يمنح تركيا نفوذاً إضافياً لمنافسة الوجود الأمريكي والفرنسي والصيني والهندي وغيرهم في أفريقيا.
وفي هذا السياق , ترافقت زيارة الرئيس أردوغان إلى نيجيريا الشهر الماضي , حملة إعلامية ركزت جهودها على إعادة إحياء الصداقة “المنسية” بين السلاطين العثمانيين وامبراطورية “كانم برنو” , التي احتلت أجزاءاً من ليبيا وتشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون , والتي إعتُبرت يوماً جزءاً من العالم الإسلامي ، وانتهت في بداية القرن العشرين بعدما تم تقسيمها بين بريطانيا وفرنسا.
إن سعي تركيا لإقامة عديد القواعد العسكرية في أفريقيا , يؤكد حرصها على إيجاد موطئ قدم ثابت لحماية مصالحها هناك , على غرار الزيارات التي قام بها أردوغان مؤخراً إلى أنغولا ونيجيريا وتوغو, قبيل منتدى اسطنبول للأعمال ، بهدف الترويج للصناعات الدفاعية التركية.
وقد نجحت تركيا بالتوقيع مؤخراً على إتفاقيات ثنائية للتعاون في إنتاج وشراء وصيانة المعدات العسكرية والدعم اللوجستي وتبادل المعلومات , مع كل من تانزانيا والسودان وأوغندا وبنين وساحل العاج.
أخيراً , باتت التحركات التركية تجاه القارة الأفريقية تثير حفيظة دولٍ عدة , كالصين وفرنسا , إذ تتوجس الأولى من تفوق الصناعات العسكرية التركية مقارنة بأسعارها , بالإضافة إلى القروض والتسهيلات التي تقدمها أنقرة , فيما تتخوف الثانية وسط تراجع هيمنتها , وتخبط سياساتها في أفريقيا , وتنامي المعارضة الإفريقية للوجود الفرنسي في غالبية الدول الأفريقية , بالتوازي مع المد والتوسع التركي هناك.
الوسومميشيل كلاغاصي
شاهد أيضاً
72 ساعة لولادة الشيطان الجديد.. أمريكا بلا مساحيق التجميل…بقلم م. ميشال كلاغاصي
ساعات قليلة تفصل العالم عن متابعة الحدث الكبير, ألا وهو الإنتخابات الرئاسية الأمريكية, و”العرس الديمقراطي” …