بقلم: الناشط_السياسي محمد البراهمي |
يبدو أن البلاد قد وصلت إلى مأزق سياسي وأزمة اقتصادية و اجتماعية ستظهر ملامحها أكثر خلال الفترة القادمة ،هذا الإنسداد ينذر بالخطر نظرا إلى الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق، والتي ستضيف طبقة من التعقيد إلى الوضع المعقد أصلا ، و أعتقد انه لا يوجد خيار آخر سوى العودة الى طاولة الحوار والتفاهم بين القوى السياسية للخروج بالبلاد من محنتها..
عرف المشهد السياسي في الآونة الأخيرة الكثير من التوتر والشد والجذب حتى أنه لم يستقر بعد، أزمة سياسية تعري وتفضح عمق هوة مسار الانتقال الديمقراطي بِرُمَّتِه، طغت عليه الحسابات الشخصية والرغبة في البروز لتكشف مشاكل الطبقة السياسية المنكوبة وممارستها لكل أنواع البطش دون رادع.. حدة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي في إطار هذه الأزمة وتسارع أحداثها المتلاحقة وصعوبة التكهن بمسار تطوراتها، المواطن التونسي العادي، الذي كان قد علق آماله على التجربة الديمقراطية الجديدة وراهن على طبقة سياسية تحقق له مطالبه ، لم يعد واثقا تماما من خياراته، فبعد أن إستحال تحقيق الإصلاحات الاجتماعية المنشودة واستحال ترسيخ ممارسة سياسية ديمقراطية في أجواء الفوضى السائدة و المكايدات و الإبتزاز السياسي ،ربما لم يعد الكثيرون اليوم يطمحون إلى أكثر من وضع طبيعي يأمن فيه الشعب على نفسه و أهله ويطمئن على استقرار بلاده، بغض النظر عمن ينتصر ومن ينهزم في المعركة السياسية الدائرة رحاها الآن، هذا الشعب المسكين الذي أصبح لا يعرف من يحكم و من يعارض..في ظل تحديات صحية واقتصادية واجتماعية استثنائية تتطلب توحيد الجهود ، لا بد ان يدركوا اهل السياسة بأن الواقع السياسي الحالي يتطلب التعايش والتوافق بين القوى السياسية المختلفة، للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة المتعفنة..
لا تكاد البلاد تخرج من أزمة سياسية حتى تشتعل أخرى،وضع سياسي دقيق ومعقد ومأزوم والشيء الوحيد الواضح فيه هو الطريق الى التهلكة ، فجميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حمراء ومتهاوية ومتهالكة وقد دقت جميع نواقيس الخطرِ ولا مجيب !! ..أمام تفاقم الأزمات في البلاد و جميع المؤشرات الراهنة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن تونس تتجه تدريجيا إلى خريف اقتصادي واجتماعي صعب وساخن جدا ، أدعو إلى إقامة حوار وطني شامل، لتجميع مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في تونس، في ظل وجود وضع سياسي مأزوم،و استفحال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، في ظل أزمة وبائية شديدة الخطورة ، مقابل الفشل في إدارتها وتضارب المسؤوليات والأدوار ، لا بد ان يدركوا اهل السياسة بأن البلاد ستواجه أزمة اقتصادية و إجتماعية عاصفة ،وما لم يدرك الجميع هذه الحقيقة فإن شعبنا التونسي العظيم لا يمكن أن يكون لعبة شطرنج بيد هذا أو ذاك يحركها كيف ما شاء ومتى أراد ! وهو من أوصل الجميع إلى السلطة .. لقد صنع الشعب العظيم التغيير من خلال ثورة الحرية و الكرامة ، وفي مقدمته الشباب ، وقدم الغالي والنفيس من أجل الإنعتاق من الإستبداد و الظلم في النظام السابق الساقط ، الشعب التونسي يستحق أن يحظى بحياة أفضل من هذه التي يعيشها اليوم، و لن تتحقق في ظل التجاذبات التي تفرق القوى السياسية وتدفعها إلى التكالب خلف مصالحها وتتناسى مصالح الشعب الذي يستحق أن يقطف ثمار ثورته التي خرج من أجلها قبل ” عشر سنوات “بهدف التغيير، و الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية..
اليوم البلاد في أحوج الظروف من أي وقت مضى للتضامن و الحوار بين كل الأطراف على قاعدة تغليب المصلحة الوطنية والترفع عن الحسابات السياسية الضيقة وإيجاد حلول جذرية كفيلة بتفكيك عناصر الأزمة الراهنة، اليوم نحن أمام وضع استثنائي ومعقد ، و يتطلب مشاركة جميع المكونات، كالمنظمات الوطنية والأحزاب في حوار وطني تسخر له كل القدرات والجهود والامكانيات متكاتفة لتنفيذه للخروج من هذا المأزق و التجرد من كل المصالح الشخصية والمطامع الزائلة ، وأن تكون المصالح العليا فوق كل اعتبار ، وأيضا التنصل من لغة الاستعلاء والتلويح بالهيمنة بأسلوب أو بآخر ، ودخول في حوار وطني شامل بنية صادقة وبقطع النظر عن الأيدلوجيات الفكرية والانتماءات السياسية لهذا أو ذاك، و بذلك سيتحقق الكثير من التطلعات لهذا الشعب الزوالي المهمش و المفقر و لهذا الوطن الحبيب ، وبالشراكة الحقيقية ترسى دعائم الحرية والعدل والمواطنة المتساوية في دولة القانون و المؤسسات ، وهو ما يعني حينئذ وجود دولة مدنية حديثة تحترم القانون وتعلي من شأنه، فيعرف كل فرد في ظلها ماله من حقوق ، وما عليه من واجبات و في ذلك الوقت نستطيع أن نتحدث عن دولة قوية وعادلة .. اذ لابد من مراجعة عميقة وشاملة والتكامل والتعاون لخدمة هذا الشعب و لإخراج البلاد من وضع اقتصادي واجتماعي كارثي ينذر بانهيارات مدوية..، فحذار من الإنهيار فإذا إنهار السقف فسينهار على رؤوسنا جميعا ولن ينجو أحد..!!
في خضم هذه المتاهة السياسية المعقدة لا خيار سوى الدعوة إلى أخلقة الحياة السياسية ووضع هدنة سياسية من خلال حوار وطني شامل بين كل الأطراف على قاعدة تغليب المصلحة الوطنية والترفع عن الحسابات الشخصية الضيقة ، قبل فوات الأوان..!! لابد من الدعوة لحوار وطني للخروج برؤية اقتصادية شاملة، و الإتفاق على تنضيج ومناقشة هذا الأمر مع الأحزاب والقوى الفاعلة والنقابات والهيئات، خصوصا ان وضع البلاد الحالي يحتاج إلى اشتراك الجميع في وضع حلول للخروج من الوضع الاقتصادي المأزوم.. اذ لابد من الحوار ثم الحوار قبل الإنهيار !!