ما زال الشعب الفلسطيني والعالم ينتظر يوم الأول من تموز لكي يسمع إعلان نتنياهو عن تنفيذ وعده “بضم” مستوطنات غور الأردن بل بقية مستوطنات في الضفة الغربية لكيانه.
والسؤال هو: هل هذا يعني أننا لن نتحرك ضد هذا العدوان الغاصب إلا بعد إعلانه، وهل إذا تراجع عن الإعلان سنكون قد استعدنا الأرض أو أننا بصمتنا ستنتظرنا لاستعادتها من الغاصبين المستوطنين؟
إن التاريخ خير أستاذ ومعلم يحمل لنا الدروس والعبر في كل زمان. وتاريخنا القريب وليس البعيد يعلمنا أن شارون أشرس رئيس حكومة في تاريخ الكيان الصهيوني، نزع 21 مستوطنة من قطاع غزة، وأخلى منها أكثر من ثمانية آلاف مستوطن مسلح بل مدجج بالسلاح في شهر آب 2005، ليس لأن واشنطن أو الأمم المتحدة طلبت منه الانسحاب ونزع المستوطنات فانصاع، بل لأن المقاومة الفلسطينية تصاعدت من دون توقف في قطاع غزة منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 ولم تترك لشارون خياراً سوى الانسحاب من مواقعه وسحب قواته الاحتلالية والمستوطنين ونزع مستوطناته بيده من قطاع غزة وهو الذي اعتاد على الإعلان في كل مناسبة قبل ذلك بأن «من ينسحب من مستوطنة نيتساريم داخل قطاع غزة هو مثل الذي ينسحب من تل أبيب».
نعم إنها مقاومة الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة في قطاع غزة والضفة الغربية التي فرضت نزع المستوطنات وعدم الاستيطان نهائياً في قطاع غزة وليس التفاوض مع خمس حكومات صهيونية منذ اتفاق أوسلو عام 1993 الذي فرض على السلطة الفلسطينية منع المقاومة بتنسيق “أمني” مع قوات الاحتلال مقابل أوهام وخيال.
وإذا كانت المقاومة اللبنانية قد دحرت على أرض لبنان -بدعم سوري وإيراني وفلسطيني- جيش الاحتلال الصهيوني وألحقت الهزيمة النكراء به وأجبرته على سحب قواته وعملائه المدججين بالسلاح من جنوب لبنان عام 2000 من دون قيد أو شرط أو تفاوض للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني، فإن المقاومة الفلسطينية أجبرت العدو الصهيوني بمقاومتها على نزع مستوطناته لأول مرة في تاريخ هذا الصراع ومن دون قيد أو شرط, ومثلما عملت المقاومة اللبنانية على زيادة قدراتها العسكرية بعد تحرير الجنوب عملت المقاومة الفلسطينية بعد دحر الاحتلال ونزع مستوطناته من القطاع على زيادة قدراتها الصاروخية والقتالية رغم الحصار غير المسبوق في تاريخ العالم.
وتبلغ المأساة أوجها حين نرى أن مستوطنات غور الأردن التي يُراد ضمها للكيان الصهيوني يبلغ عددها 21 أي عدد المستوطنات نفسه التي فرض الشعب الفلسطيني نزعها بمقاومته وتضحياته ودونما حاجة للتوسل لترامب وغيره بثني نتنياهو عن تنفيذ هذا القرار الآن والدعوة إلى إرجائه لظرف أو وقت مناسب كما يُعلن الكثيرون من السياسيين العرب والفلسطينيين.
فالتاريخ يثبت للجميع أن 21 مستوطنة في غور الأردن لن يُجبر الاحتلال على نزعها إلا المقاومة ولن يُجبر المستوطنين على التخلي عنها والهروب منها غير مقاومة الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة وهي التي تلعب الدور الحاسم في تغيير الظروف وتحويلها إلى مصلحة أهداف الشعب الفلسطيني فالتراكم المتدرج ومهما كانت سرعته وطول زمنه يولد تغييراً يتسع وتتوافر عبره وسائل الدعم وتتزايد ولو استمرت المقاومة في داخل الضفة الغربية مهما كان شكلها لما بقي المستوطنون آمنين في مستوطنات غور الأردن ولما تجرأ نتنياهو على إنشاء المزيد من المستوطنات وزيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية وزيادة تسليحهم لقتل الفلسطينيين أصحاب الأرض تمهيداً لترحيلهم.
فالجزء الثاني من مرحلة استكمال المشروع الصهيوني بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بدأ بالاستيطان وسينتقل إلى تهجير وإبعاد ملايين الفلسطينيين من أراضيهم في الضفة الغربية.
والسؤال الأخير: هل ننتظر إعلان نتنياهو عن ضم مستوطنات الغور في بداية تموز لكي نثور على الاحتلال، أم يتعين علينا من هذه اللحظة إعلان الثورة الشاملة على الاحتلال.
كاتب من فلسطين