يسعى العثمانيون الجدد الذين ربطوا مصالحهم بمصالح حلف شمال الأطلسي إلى نهش الأراضي العربية السورية في شمال محافظة حلب، إلى جانب مناطق أخرى في محافظة إدلب، وقد أشار الدكتور بشار الجعفري- مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة ورئيس وفد الجمهورية العربية السورية في محادثات أستانا، في تاريخ 26 نيسان الماضي إلى أن «تركيا تحتل نحو 6 آلاف كلم2 من الأراضي السورية، وتقوم بإنشاء جدار بطول 70 كلم جنوب منبج لفصلها عن حلب» كما أوضح أن «تركيا اليوم تحتل 4 أضعاف مساحة الجولان الذي تحتله إسرائيل».
.. لم يكن حزب «العدالة والتنمية» التركي ليتمكن من ذلك لولا أن التنظيمات الإرهابية المدعومة غربياً (من الجيش الحر إلى جبهة النصرة إلى جيش المجاهدين إلى جيش إدلب الحر إلى جبهة ثوار سورية.. إلخ) هي تنظيمات عميلة لهذا الحزب وتخدم مشروعه، بل وتؤمن أيديولوجياً بأن «عثمنة وتتريك» تلك المنطقة «من الفروض والواجبات الدينية»!!.. وذلك حسب الخرافات التي غرسها فيهم الإخونج (خدّام القومية التركية) منذ ظهورهم على الساحة خنجراً مسموماً في الظهر العربي، وقد أدّت الدعاية «الإخوانية» السامّة مهمتها، مع الأسف، وبرّدت من رد فعل الشارع العربي إزاء التوسع الأردوغاني حتى بين البعض من أهل البلد الذين نظروا للتوسع على أنه تمدد عثماني «مشروع»!.. وأنكروا أنه احتلال وعدوان ويأتي بضوء أخضر أمريكياً، ومتسقاً مع مصالح القوى الإمبريالية.
لقد دخلت تركيا إلى شمال سورية بذريعة «القضاء على خطر بعض الميليشيات الانفصالية»، وبزعم منع عدوى الانفصال من أن تصل إلى أرضها، وجاء التدخل ومن ثم التوسع عبر عمليتين الأولى هي ما سمته «درع الفرات» التي بدأت صيف 2016، والثانية الهجوم على عفرين أو ما سمته عملية «غصن الزيتون» التي بدأت في 2018 ومستمرة إلى اليوم.. وقد وصل الأمر إلى بناء جدران لعزل المناطق تماماً عن الجغرافيا العربية السورية، وفرض اللغة التركية على الشوارع والمؤسسات العامة، والعمل على تتريك المدارس السورية، إضافة إلى استمرار نهب المزارع والمصانع! المؤكد أنه لم يكن لأي قوى من أي نوع أن تحلم بالاعتداء على أرضنا العربية وسلب أجزاء منها، لو كانت «جمهوريتنا العربية المتحدة» قد عاشت إلى اليوم في الواقع مثلما تعيش نجمتاها على العلم السوري، وأطبقت كالكمّاشة على الكيان الصهيوني، علماً بأن التهديد التركي لسورية من الأساس في عام 1957 كان أحد أهم محفزات تحقيق تلك التجربة الوحدويّة بعدها بعام، أو لو كان الجاران الشقيقان العراقي والسوري قد اتحدا كما كان مخططاً وقريباً من الحدوث في أواخر السبعينيات.. لكن عندما تفتت العرب سياسياً، خارت قواهم، وصاروا فريسة سهلة، وتالياً يطمع ذلك العثماني الناتاوي في أن يسلب أرضاً جديدة من سورية، وأخرى من العراق، ولكي نتمكن من صدّه هو أو غيره لابدّ من أن نتحد ونتكاتف، ولا يمكن لهذا أن يحصل إلا بعد أن تستفيق مصر، بكل ثقلها، من غيبوبة «كامب ديفيد» التي هي أشد سمّ تم حقنه في الجسد العربي. الآن، كلنا ثقة في أن سورية ستقاوم ولن تستسلم وستسعى لاسترداد المسلوب من الأرض العربية، ولنا عند الدولة التركية الكثير (الأقاليم السورية الشمالية).. وستستمر المقاومة برغم الحصار الاقتصادي الأمريكي المرير الذي يستهدف الروح المعنوية كما يستهدف الأبدان، وبرغم عدوان الطيران الصهيوني الذي يحدث من وقت لآخر وتتصدى له وسائط الدفاع الجوية السورية، وبرغم ممارسات ميلشيا «قسد» التي تتم تغذيتها أمريكياً وفرنسياً للانفصال وتفتيت البلد، والتي تطل برأسها العميلة لتربك المشهد أكثر، وبرغم 8 سنوات من الحرب ضد القوى «السلفية الجهادية» التي تم حشدها من شتى بقاع الأرض (ألم تلاحظوا في الأخبار التي تناولت تفجير الكنائس والفنادق في سريلانكا أن عشرات السيريلانكيين من الإخوان المتسلّفين كانوا قد انضموا للحرب ضد سورية وجيشها، وضد العراق؟!).
*كاتب من مصر