قد لا نختلف في القول -عندما نخرج بمحصّل من متابعاتنا الإعلامية اليومية خصوصا منها ما هو متعلّق بالسياسة الخارجية العالمية – بأن الإعلام الغربي منافق وكذّاب، إلى أبعد الحدود التي من أجلها تأسس، وهدفه العام واضح من خلال التحاليل الإخبارية، التي يتلقاها من مراسليه المنتشرين في أنحاء العالم، والتي غالبا ما تكون غير دقيقة في نقلها، باعتمادهم على أشخاص غير موثوقين، ومتحيّزين إلى جهة أو فكرة، يُراد نشرها بأسلوب المغالطات الخبريّة، وقد يكون هؤلاء المعتمدون مصنّفون عملاء- أجهزة الإعلام هي الأكثر اختراقا – يعملون لحساب المؤسسات الإعلامية الغربية، المرتبطة أساسا بأجهزة مخابرات دولِها خصوصا أمريكا وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني.
ركوب الدعاية الإعلامية الغربية على أحداث الدّول – أو حتى صناعة وفبركة الأحداث – هو من ضمن البرمجيات التي تُهيّؤها من أجل التأثير على الشعوب المستهدفة سلبا، باستغلال أيّ شبهة أو حادث لتجعل منه حصان طروادة، فتحشر فيها سيل أكاذيبها، ليكون مدخلا لتغيير سياسي قد يحصل، من جرّاء ذلك في هذه البلاد أو تلك، فقد استُغل انتحار المواطن التونسي (محمد البوعزيزي) لتحول من قاتل نفسه إلى رمز وشهيد ومضحّ من أجل تونس، لإشعال ثورة شعبية، بتحريض الجماهير على نظام بن علي، رغم أن بن علي كان عميلا طيّعا خادما، ومحافظا لمصالح فرنسا والغرب، فضحّوا به وكان الهدف من وراء ذلك استسهال العملية الثورية، وجعل تونس مجرّد طعم للشعب السوري، ليسقط في شراك الثورات العربية المزيفة، ومن طبع السياسة الغربية تغيير أشرعة الدّول، لتناسب رياح من ينفخ فيها، في دلالة أن العميل مهما أخلص في عمله نحو أسياده يبقى في نهاية المطاف بلا قيمة، ورقة قابلة للسقوط في أي وقت، حسب رؤية وتصوّر مشغّليه، ولنا هنا أيضا أن نستحضر ما حصل لشاه إيران شرطي أمريكا في الشرق، كيف وقع تجاهله من مشغّليه ( أمريكا وبريطانيا) وقضى في مصر هاربا، بعدما رفضوا ايواءه عندهم ودفن هناك.
ويدرك الغرب جيّدا هناك إرادة إذا ما اكتملت عناصرها، فإنها ستكون عسيرة النّقض عليه بحيث لا يمكنه قهرها، وهي إرادة الشعوب، وليس بمقدوره أن يفعل شيئا أمام زخمها الوطنيّ، إذا ما التقت على رأي رجل واحد، وسياسة إعلامه ترتكز بشكل كبير، على قضم الإرادات الوطنية لدى الدّول، وخصوصا تلك الدّول التي أعلنت براءتها من اتباع سياساته، وقررت شق طريق ثوريّ مناهض لها، على المستويين الداخلي والخارجي، وتأتي إيران في مقدّمة الدول التي خرجت من طوْع المنظومة الغربية، وقالت كلمتها النهائية، في عدم الإنضواء تحت جناحها مهما كانت المغريات، وسياسة إيران بعد قيام نظامها الإسلامي، هي سياسة مستقلة، مبنية على أساس شعار (لا شرقية ولا غربية).
طريقان لدول الغرب من أجل الحط من عزائم الشعوب المصنّفة معادية وتفتيت إرادتها، بزرع العملاء من أفرادها، ونشر الأخبار الزائفة في أوساطها – وإنّ كلّفهم ذلك تخصيص قنوات فضائية عديدة من أمثال قناة الحرّة الأمريكية والانفاق عليها بسخاء، والأموال في أغلبها خليجية – فليس أقسى على أهل الحق، من أن يتخطّفهم أدعياء الباطل في أثواب الحقوق المزيفة، مثلما حصل في إيران باستغلال حالة فتاة كانت وفاتها طبيعية، باتهام السلطات بقتلها، وهو إتهام سخيف أصرّ عليه الغرب، لاستغلاله على أمل زعزعة الأمن الداخلي في إيران، وبقدر ما كان الأمل ضعيفا في استخلاص شيء من خلال اضطراباته الموجّهة، يخدم مخططه في إسقاط النظام الإسلامي، بقدر ما مُنِي هذا الغرب بخيبة أمل كمحاولاته السابقة، لعل أقربها لأمانيه التّاعسة تكرار فشل دول الغرب في إصابة النظام الإسلامي في مقتل، بإثارة المنحرفين عن نهجه عليه، كما حصل عندما استغلت نتائج انتخابات سنة 2009، التي أطلق عليها اسم الثورة الخضراء، التي فاز فيها محمود أحمدي نجاد على منافسه (مير حسين موسوي)، بفارق 11 مليون صوت، ورفض مجلس صيانة الدستور ما قُدّم إليه من شكاوى المرشحين، على أساس أنّها غير معلّلة بما يثبت حصول تزوير، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور صرّح حينها: “لم نشهد لحسن الحظ في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة أي عمليات تزوير أو مخالفات كبرى، وبالتالي ليس هناك إمكانية لإلغاء نتائجها.”(1) وقد تجنّدت دول الغرب بوسائلها الإعلامية الضخمة، والممتدّة أذرعها في بلدان العالم، للتشويش على نتائج الإنتخابات الرئاسية، واستغلال احتجاجات بعض المرشحين وأنصارهم، لتكون قاعدة انطلاق لضرب مصداقية النظام في إيران، وكانت النتيجة الفشل تلو الفشل والخيبة تلو الأخرى، وقد يسأل المرء هل يقلِعُ الشيطان عن غيِّهِ وينتهي من غوايته؟ أبدا ويستمرّ الصراع متخفيا حينا وظاهرا حينا آخر، الى أن تسقط جميع أقنعة الزيف والدعاية الإعلامية الغربية الباطلة.
مجلة ايكونوميست The Economist البريطانية في تقرير لها، طارت في حلم غرْبِها بعيدا عن واقع إيران، لتحلّق في فضاءات يصعب الوصول إليها على أرض الواقع، بل يستحيل على أيّ قوّة بشرية مهما بلغ حجمها، أن يؤثّر في مجريات الحياة السياسية هناك، فعنونت التقرير بعنوان سخيف ” آيات الله يرتعدون .. هل يمكن ان يسقط النظام في إيران؟”(2) تلك أمانيّهم، يكشفونها عندما تخدعهم التقارير الخبرية المزيفة، بل لعلهم يدركون أنها مزيّفة، لكنهم يسوقونها لبقية العالم مغالطة منهم، لعلها تأتي بشيء طالما انتظروه ولم يأتي إلى اليوم، والنظام الإسلامي في إيران هو من الشعبية وحواضنها القوية جدا، بحيث يستحيل على الناتو نفسه بأمريكا زعيمته، أن يغير منها شيئا، ولو بلغ بهم اليأس باستعمال القنابل النووية، من أجل الخلاص من كابوسه الجاثم في رؤوسهم، فليهنأ أهل الولاية بالا في هذا المجال، إيران بعين الله تنمو وتتقدّم، ومن أراد ان يكون خصما لله فليجرّب، لقد كان الإمام الخميني الراحل صامدا كالجبل، في وجه مخططات الغرب التدميرية، وها هو اليوم وريث نهجه الإمام الخامنئي على نفس النهج ثابتا، يرعى شعبا ونظاما قال نعم للإسلام كنظام حكم أبديّ.
الوعي الثقافي والبصيرة الدينية، عاملان رئيسيان لكشف مخططات هذا الغرب المعادي، واستشراف أهدافه المخفيّة تحت عناوين: الحضارة، والمدنية، ومواكبة العصر، والثقافة الغربية التنويرية، والحريّات العامة والخاصة، وحقوق الانسان، جُعِلت بهدف ضرب أي نفس أو مشروع إسلامي، ومحاربة الغرب لإيران بالدعاية المغرضة، يندرج في هذا الإطار الخبيث، فلا يجب أن تقع مغالطتنا، فنظلم إيران ونظلم أنفسنا، بتصديق فسّاق هذا العالم وأهل السوء فيه، أعداء الأديان والإنسانية.
المصادر
1 – مجلس صيانة الدستور يرفض الغاء الانتخابات الرئاسية
2 –“آيات الله يرتعدون”.. هل يمكن أن يسقط النظام في إيران؟
https://www.alhurra.com/iran/