لم يعد هناك اليوم في أغلب الشعوب، من يُكبر أمريكا كقوّة عسكرية واقتصادية، ويعتبرها حامية للسلم والأمن العالميين، فقد تعرّت منظومتها الساعية الى السيطرة والهيمنة على العالم بأسره، ولم يعد هناك ما يستر حقيقتها، كقطب متعجرف لم تُقم يوما وزنا لقيمة إنسانية، ولا وضعت في اعتبارها ميثاقا دوليا هي طرف فيه، بعدما برهنت بالأدلّة الملموسة والشواهد المرئية، إنّها رأس منظومة سياسية غربية معادية للقيم خبيثة الطبع، راعية الشذوذ صاحبة باع في صناعة المشاكل والأزمات في العالم، وصدق من لقّبها بالشيطان الأكبر، وأمريكا في تاريخها ووضعها الحالي تستحق أن تكون بذلك القدر من السقوط والانحطاط الإنساني، وليس أشرّ من الاسنان عندما يخرج من طبعه ليتحوّل إلى شيطان.
أمريكا بانتمائها الغربي – وهي وريثة أصول غربية تمييزية – تاريخها يشهد على أنها بتعاقب رؤسائها، لا تقيم اعتبارا لحقّ من حقوق الشعوب الأخرى، المستهدفة من سياساتها التمييزية المستكبرة، وتعريتها وفضحها اليوم أصبح ضرورة ملحّة، لتوعية من بقي من أفراد الشعوب الواقعة تحت تأثير دعاياتها الكاذبة، لعلّها تستفيق من غفلتها، وتتحرر من تبعيّة عمياء صمّاء، لا تبصر شيئا من عيوب أمريكا، التي لم يعد بإمكان أمريكا نفسها أن تخفيها.
دافعان ابقيا على اعتبار أمريكا قوّة عالمية، هما الخوف منها والطمع فيها، وهو ما دعا الجبناء والعملاء من حكام العرب – صنائع أمريكا والغرب – إلى اللجوء إليها، والإحتماء بها من شعوبهم، طلبا لدعمها المالي والعسكري، وهو فتات لا يقارن، أمام دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، والمتحدّي لجميع الشعوب العربية التي ترغب في تحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، أما الحكام العرب، فأمنياتهم أن يتخلصوا من القضية من أساسها، بأيّ حل كان ولو بالتطبيع والتخلي عن فلسطين.
وباستعراض سريع لتمركز قواتها العسكرية في العالم، تتضح الصورة الأخرى لأمريكا، كنظام موغل في استكباره، قد نشر جحافله في مناطق بعينها ليسهل عليه التدخل عسكريا في أي دولة تراها الإدارة الأمريكية خطرا على مصالحها، ومخططها في الهيمنة والسيطرة على العالم، تعمل على نشره وتثبيته كل عام، بأموال ومقدّرات أشباه دول في الخليج الفارسي، وهؤلاء لا قدرة لهم على ردّ أي طلب أمريكي، وقد أعرب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن سعادته ورضاه بأولئك الحكام معتبرا إياهم بقرات حلوبات، يدررن على أمريكا بما تحتاجه من أموال طائلة تزخر بها البنوك الأمريكية، لتزداد قوة على قوّتها.
دويلات خليجية أسلمت كياناتها لأمريكا، حتى تكون تحت حمايتها ورعايتها، وقواعدها هناك من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في العالم، ومع ذلك لم تكتفي بتلك القواعد ومخزوناتها الخطيرة على الشعوب المقامة عندها، الحساب الذي لم تحسبه تلك الدول الضعيفة أساسا، أنّها ستكون هدفا مشروعا لأي عمل انتقامي، في صورة قيام أمريكا بأيّ عدوان عليها، وفي القائمة الأمريكية أربعة دول مصنّفة عدوّة: هي إيران وكوريا الشمالية وروسيا والصين، إضافة إلى كوبا وفنزويلا، تتحيّن الفرصة المواتية لضربها واخضاعها بالقوّة، وكل خارج عن هيمنتها مارق عن نظامها العالمي الجديد التي تعمل على استحداثه متحالفة مع دول الغرب التي لم تغادرها أحلام استعمارها القديمة، ولم تتخلص من عنصريتها الباقية، بقاء عقلية تفوق الرجل الأبيض الأوروبي.
لم تكتفي أمريكا بالتحيّل على دول الخليج، بإيهامها أنها ستتكفل بحمايتهم من ايران، مع أنّ ايران لم يصدر منها أيّ تهديد لتلك الدول، بل حصل العكس تماما، حيث تحالفت مع النظام العراقي، فموّلت حربا استمرت ثماني سنوات، في عدوان وحشي على الشعب والأراضي الإيرانية، وكانت نتائجها في غير صالح أمريكا وعملائها، زادت النظام الإسلامي في ايران قوّة وصلابة، وثباتا على المبادئ التي قام عليها، في مقابل ذلك، تجاهلت ايران ما قامت به تلك الدول المعادية، ولم تحاسبها على ما اقترفت بحقها، ورأت أن التهدئة والمسامحة أفضل طريق، لتغيير طبائع أنظمة قامت رغم أنوف شعوبها وأسست سياساتها، على عمالة مقيتة لأمريكا والغرب.
عقلية تملّك الشعوب عقلية أمريكية قديمة قدم نشوء هذا الكيان ذو الطابع الشيطاني، فقد قامت ا من قبلُ باستعباد شعوب أفريقيا السوداء، بإغارة قراصنتها الغربيين البيض على سواحلها الغربية، واستعباد من أسروه منهم وحملهم إلى أمريكا، ليصبحوا عبيدا للبيض، وتاريخها في هذا المجال أكبر من أن تحصى جرائمه، وإن تخلّصت أمريكا من استعباد البشر بالرّق الذي كان معمولا به كقانون نافذ حتى القرن الماضي فقط، فقد ذكّرني أحدهم بإعلان نشرته إحدى الصحف الأمريكية جاء فيه عرض نساء فييتناميات للبيع، مقابل 6000 دولار(1)، خلال الحرب الفييتنامية، التي شملت كمبوديا ولاوس وفييتنام واستمرت حوالي عشرين سنة (1955/1975)(2)، هذا الإعلان المخزي برهن على طبيعة عنصرية لا أعتقد أنّها ستزول من أمريكا، ولا حتى دول الغرب التي نبعت منها العنصرية وانتقلت الى أمريكا بواسطة غربيين اتخذوا من التمييز والاجرام سبيلا للسيطرة والهيمنة على بقية الأجناس البشرية، فكيف بأمريكا وهو وريثة هذه العقلية المريضة، أن تميّز بين حق وباطل، وتفرّق بين مقاومة شعوب، تسعى للتحرر من خطر صهيونية عملت على حمايتها، وبين إرهاب تكفيري جعلته شوكة في خاصرة دول بعينها لا تزال تشكل تهديدا جدّيا لها، كل الصفات السيئة والخبيثة لازمة بأمريكا، وهي مختصرا أكبر شيطان وجد على وجه الأرض، أمريكا لم تتغير في زمن من الأزمنة منذ تأسيس نظامها، خطر جاثم على صدر العالم بأسره، يجب التخلص منه ليستريح الجميع من شرّه.
كل ما تدّعيه أمريكا من قيم وتحاول جاهدة نشره سياسيا واعلاميا على أنّها رائدته وصاحبة الحق في حمايته وفق مقاييسها الخاطئة، هي مجرّد شعارات ترفعها من حين لآخر في المحافل الدولية، ولا أثر لها عمليا في تطبيقها لا على الداخل الأمريكي ولا خارجه، بوعي الشعوب والأنظمة الوطنية ستنحسر المؤثرات الدعائية القيمية الامريكية، وقريبا ستعرف دول العالم وشعوبها طريق الخلاص من نظام استكباري، لم يُقِم يوما للفضيلة حق ولا للدين قداسة.
المراجع
1 – https://x.com/AbdulsalamTara1/status/1764293953040347209?lang=ar-x-fm
2– جمعية الاستعمار الأمريكية تكمل المهمة
https://arabic.rt.com/world/1432961-