من الواضح ان دول الاتحاد الأوروبي لم ولن تتعلم الدرس حتى وعندما تضرب بالخنجر الأمريكي من الظهر. دول الاتحاد الأوروبي على ما يبدو مضروبة بالزهايمر السياسي فقد نسيت طبقتها السياسية التسلط الأمريكي عليها بعد الحرب العالمية الثانية التي دخلتها الولايات المتحدة في آخر ايامها لتطبق سيطرتها الاقتصادية والسياسية على القارة الأوروبية. كما ونسيت او تناست ان حلف الناتو لم يتشكل للدفاع عن القارة الأوروبية من الخطر الشيوعي القادم من روسيا التي أنهكت ماديا وبشريا واقتصاديا الى حد كبير مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، بل ان تشكيله جاء لإحكام السيطرة الامريكية على القرار السياسي الأوروبي واستخدامه كمطية ضمن الاستراتيجية الكونية الامريكية والذي تجلى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي يوغسلافيا والعراق وأفغانستان وليبيا وسوريا والعداء للصين وروسيا …الخ. هذا الى جانب تغذية الة الحرب الامريكية والمجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
دول الاتحاد الأوروبي لم تتعلم من التجربة الأفغانية والاذلال الأمريكي لها وخاصة عدم معرفتها بالانسحاب الأمريكي الذي بدى مفاجئا من حيث التوقيت والطريقة التي تمت بها الا من خلال الصحف. ولم تتعلم من التصرفات الفجة لأمريكا في الاستيلاء على صفقة الغواصات مع استراليا التي كانت قد ابرمت مع الجانب الفرنسي وها هي في الطريق الى التكرار الحدث مع اليونان.
والذي يبدو أيضا ان ذاكرة دول الاتحاد الأوروبي قصيرة أيضا فيما جرى في أوكرانيا عام 2014 عندما عطلت الولايات المتحدة الاتفاقية التي ابرمت بين الرئيس ياناكوفيتش والمعارضة الاوكرانية بعد جولات من المحادثات لحل الازمة وعندما قالت نائبة وزير الخارجية الأمريكي السيدة نولاند آنذاك “فلتذهب دول الاتحاد الأوروبي الى الجحيم ” واصرت على اسقاط النظام في أوكرانيا الذي جاءت على أثره الى البرلمان فيها أحزاب تتباهى بانها نازية وفاشية وتتغنى بماضي تعاونها مع القوات الألمانية النازية ابان الحرب العالمية الثانية. ونسيت دول الاتحاد الأوروبي فرض دخول العديد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي بعد انهياره الى حلف الناتو بالرغم من المعارضة الأوروبية.
واليوم تعود قضية أوكرانيا الى الواجهة مرة أخرى وتسير دول الاتحاد الأوروبي في ركب السياسة الخارجية الامريكية المعادية لروسيا الاتحادية وتتراجع عن توجهاتها السابقة بالنسبة لانضمام أوكرانيا الى حلف الناتو واعتبارها خط الدفاع الأول عن أوروبا امام الخطر المزعوم القادم من روسيا الاتحادية. وكل هذا في محاولة محاصرة روسيا الاتحادية والضغط عليها اقتصاديا وعسكريا وإعلاميا ودبلوماسيا ضمن مخطط امريكي يسعى لإعادة الهيمنة الامريكية المتآكلة على العالم ومحاولة بائسة لإعادة عجلة التاريخ الى الوراء. ما يجب ان تدركه الدول الأوروبية انه في حالة وقع الحرب بسبب التصعيد الحاصل على الجبهة الأوكرانية انها ستكون الخاسرة وأن الولايات المتحدة لن تصاب بأذى وهي البعيدة الالاف الاميال عن الجبهة فيما لو قامت الحرب واتسعت رقعتها وانهالت الصواريخ عليها.
والامر لا يقتصر على روسيا الاتحادية، بل يشمل أيضا الصين ولنفس الأهداف والرؤية.
رحم الله المفكر ادوارد سعيد الذي كتب في احدى مقالاته وبعد زيارة أوروبا كيف لهذه القارة ذات التاريخ العريق والحضارة ان تكون تابعة للولايات المتحدة التي تمتلك تاريخا داميا لا حضاريا. وتساءل هل سيأتي اليوم تتحرر فيه أوروبا من هذه التبعية؟