إنّ ما يحدث الآن في تونس لا علاقة له، من قريب أو بعيد، بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والممارسات السياسية… وإنما هو ضرب من اللؤم والإسفاف والإستهتار والفساد وقلة الحياء..، نعم لقد تعددت مظاهر الإنحدار إلى دهاليز الحضيض، والشعب يتابع كرنفال الوضاعة والرداءة والسفالة بدهشة وٱستغراب و استياء .. ، إنها علامة من علامات إنحدار منظومة “مفيوزية” طالما هيمنت على البلاد و عبثت بقوت التونسيين و بمقدراتهم، لابد من التحرك بجدية وفاعلية لفضح كل هؤلاء الذين إستفادوا من هذه المنظومة الفاشلة والمفلسة وجعلوا منهما أصلا تجاريا لتأكيد حضورهم وتأجيج الصراعات وعرقلة كل محاولات الإصلاح و الإساءة للوطن والتذيل للبلدان الأجنبية و الإستنجاد بها ضدّ سيادة تونس و شعبها ، إنهم لا يستطيعون العيش إلاّ في بؤر التوتر والفتن ومجاري العمالة والخيانة وقواميسها المشحونة بالسّوقية ومستنقعات التحيّل والفساد والإثراء غير المشروع..
إنّ دعوة بعض الأطراف إلى حوار وطني شامل في الوقت الذي أصبحت المؤامرة والمناورة هي العناوين الأبرز لعقلية وثقافة الفعل السياسي في تونس، وفي الوقت الذي تُخفي فيه كل جهة من الجهات الداعية للحوار خنجرها تحت معطفها لاستعماله عند الضرورة.. و أي حوار على شاكلة “بوس خوك وطاح الكاف على ظلّه” لا فائدة مرجوّة منه.. و لن يحقق الإستقرار السياسي المنشود.. و بمثابة محاولة يائسة لإعادة المنظومة الفاسدة إلى الحياة وهي رميم، ومحاولة بائسة لنفخ روح المشروعيّة فيها و إعادة التموقع من جديد في المشهد السياسي.. و إنّ أيّ دعوة للحوار مع من إستولى على أموال الشعب هي تحايل وشعوذة سياسية من أجل إعادة إنتاج منظومة الفشل النهضوية وإعطائها نفسا جديدا للعودة إلى الحكم و السلطة.. والحوار لابد أن يكون مع الجميع بإستثناء اللصوص ومن باع ذمته إلى الخارج و من يذهبون الى العواصم الغربية ومن يتسولون على أعتاب سفارات بعض القوى الأجنبية.. و الحوار الذي من شأنه أن يفتح باب أمل أمام التونسيين هو الحوار الذي يُشخّص مظاهر التردي تشخيصاً دقيقاً ويحاسب كل من تسبب في صنع الأزمة، ودون ذلك تصبح كل المبادرات الراهنة مجرد إنقاذ للنهضة و حلفائها بدل إنقاذ البلاد.. و يتحول الحوار الوطني إلى “حمار وطني” يأكل الأخضر واليابس..فهل وصل الغباء و الإستحمار بهؤلاء السياسيين حتى يدّعون الخوف على الديمقراطيّة في دولة كانت تُدار بمنطق الغنيمة ، بعد كل هذا الدمار والخراب والفساد الذي استشرى في كل مفصل من مفاصل الدولة ومؤسساتها، ممّنْ ينقذون البلاد وهم من سرقوها وكيف يصلحون البلاد وهم من أفسدوها وكيف ينقذونها وهم من دمروها وضيعوها ؟.. عن أي إنقاذ يروّجون له وتونس تريد إنقاذها منهم !! ..فهل يُعقل بعد كل هذا أن يتجرأ بعض السياسيين المتمعّشين من نظام فاسد ويقولوا أنّهم يريدون إنقاذ البلاد ؟ ومن يصدقهم القول في ذلك بعد كل الذي حصل ويحصل من فسادهم وسرقاتهم الكبرى ؟ ..
التونسيون لم يعد يُغريهم خطاب الوهم والتناحر الأيديولوجي والمعارك الهامشية، بل يهمّهم الالتفاف حول القضايا الإقتصادية والإجتماعية ، بإعتبارها الأولويات الجوهرية في ذهن الذين يرغبون في تنمية عادلة وتحقيق مطالب الثورة، بعيدا عن الإستقواء بالأجنبي وفرض واقع سياسي خارج إرادة الشعب.. والدفع نحو استيعاب دولة المواطنة في إطار من التجانس والوحدة الوطنية، على اعتبار أنّ الدولة في وجه من وجوهها هي مشروع سياسيّ ذو طابع مؤسّسي، وهي التي تحرص على ضمان مجتمع يسوده الوفاق ضمن الحدّ الأدنى من القواسم المشتركة.. إنّ الوضع في البلاد لا يمكن فعلا معالجته بالطرق التقليدية، فهو يحتاج إلى بلورة تصوّر جديد يقوم على إدخال إصلاحات سياسية جوهرية، بحثا عن منحى مختلف يتجاوز منطق النهب وسلوك الغنيمة وافتكاك مؤسسات المجتمع وخيراته، وعن تجذّر مؤسّساتي حقيقي له وزنه في الواقع ضمن إرادة واعية، ومن أجل عدم العودة إلى منظومة أدّت بتونس إلى انهيار غير مسبوق، هناك فرصة لإعادة بناء الدولة وإصلاح ما تم الإجهاز عليه طوال السنوات الماضية، وضمن مرحلة جديدة في تاريخ البلاد تقوم على الإرادة الشعبية لا على شرعية وهميّة لفظها التونسيون والتونسيات، لأنها لا تعبّر عن إرادتهم الحقيقية..
إلى المتآمرين و الفاسدين والمتاجرين بالدين ودعاة الفوضى وخونة الأوطان لقد نفد رصيدكم من الخداع وتزييف الحقائق والتدليس على الناس و تنفيذ مخطط الشيطان الذي بات واضحاً أمام الجميع ،وسقطت أقنعتكم بمتاجراتكم بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير ومازال لدى المتآمرين فزاعات يحاولون بها ابتزاز الدولة، وتحولت بعض دكاكين حقوق الإنسان إلى منصة لضرب النظام، بزعم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية، للتحريض على الاحتجاجات لإنهاك الدولة.. وفي سبيل ذلك لم يترددوا في التعاون مع قوى الشرّ من الداخل والخارج والعمل في جبهة واحدة مع منظومة العشريّة السّوداء سيئة الذكر لضرب تماسك الجبهة الداخلية للوطن، وإشعال الفتنة، و تحريك الشارع التونسي ، وإهانة رموز الدولة والتطاول على القيادة السياسية، و محاولات إسقاط الدولة!. من هنا أصبحت المؤامرة أكثر وضوحاً للجميع يريدون فقط تشويه تونس و إسقاطها، ويريدون ارجاعها عن مواصلة الطريق، مارسوا كل الوسائل والسبل وسخروا كل الأدوات من المرتزقة والعملاء والمأجورين و ألبسوهم رداء المعارضة.. وهو الأمر الذي تأكد بما لا يدع مجالاً للشك، وبدا أمام الجميع أن تونس مستهدفة ولا يراد لها أن تحقق النجاح أو أن تتعافى.. فالقضية بالنسبة لهم إرادة وعزم قوي للعودة إلى كرسي السلطة مهما كلف الثمن، فإن التنكيل بالشّعب وإنهيار الدولة لا مشكلة بالنسبة لهم، إذاً القضية بالنسبة لهم وفي أي الأحوال مكسب، ففي الحوار مع اللصوص مكسب، وفي العودة إلى اللاّدولة مكسب ، وقد يكون الحوار بالنسبة لهم مكسباً حين تذعن الدولة لشروطهم وتقدم لهم المزايا والمناصب ويعودوا إلى السلطة و يسعوا من خلالها إلى تغلغل مزيد من أتباعهم في مؤسسات الدولة، إذاً هي مكاسب تصب في إحكام المؤامرة الانقلابية، إنّ مكسبهم في العودة إلى الحكم فهو استنزاف مقدرات الدولة وتحطيم اقتصادها، وهم مطمئنين أن أتباعهم يقومون بالمطلوب في مؤسسات الدولة وشركاتها الوطنية على حساب الشعب الزوّالي.. الدولة اليوم ليست أمام مؤامرة الفوضى و الفتنة فحسب، إنما أمام انقلاب قادم تقوده أطراف داخلية و خارجية ، انقلاب قادم ما لم تتخذ الدولة موقفاً صارماً وحازماً يعيد لها هيبتها ويكسر شوكة المتآمرين و الفاسدين ، وذلك كما تفعل جميع دول العالم في الدفاع عن استقرارها وأمن شعوبها، وإلا فإن الميوعة في التعامل وإظهار الليونة و التراخي في محاسبة الفاسدين ،وعودة المتآمرين إلى مواقعهم لا شك أنه سيساهم في انقلاب قادم، وسيكون أقوى من أن تواجهه الدولة إذا لم تغير سياستها في التعامل مع من خان الأمانة ونكث بالعهد.. «وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ»
فهل يدرك الشعب التونسي حقّاً خطورة وحساسية المرحلة الحالية وما تمرُّ به تونس من تحدّيات كبرى؟! وهل يدرك الشعب التونسي العزيز والمقهور أنّ عودة هؤلاء الفاسدين المفسدين إلى السلطة لا يعني إلّا نهب ما تبقّى من ثرواتهم و مقدراتهم بعدما نهب هؤلاء اللصوص ما نهبوا وسرقوا ما سرقوا من خيرات وثروات تونس والتونسيين على مدى سنوات طوال؟! عسى أن يدرك التونسيون اليوم حساسية المرحلة الحالية وأن يدركوا بأنّ كلَّ ما يجري في تونس حالياً من ضغوط داخلية المنشأ_خارجية التدبير والتخطيط والبرمجة والإخراج ، واقعيةً كانت أو مخطّطة مدبَّرة ما هو إلّا ضغط استعماري دولي من أعداء تونس الكثر وبتنفيذ شيطاني مشؤوم من عملاء الداخل الفاسدين المفسدين الذين وُضعوا أساساً في مناصبهم تلك لأجل هدف واحد وهو رهن إرادة التونسيين ونهب ثرواتهم بعدما قام هؤلاء الفاسدين المستغلّين وعلى مدى سنوات طوال بنهب أموالهم وممتلكاتهم وبعدما بات أكثر من نصف الشعب التونسي يرزح تحت خط الفقر نتيجة سياسات هؤلاء الفاسدين..لابدّ أن يدرك الشّعب التونسي بأنّ لا فائدة تُرجى بعد إلّا بأن يتّحد التونسيون جميعاً في رفض ومواجهة هؤلاء الفاسدين المفسدين وأن يقطعوا الطريق على من يريد لهم أن يواجهوا بعضهم بعضاً وينجرّوا إلى الفوضى التي يسعى إليها الكثير من الطامعين والمفسدين من الداخل والخارج ، وأن يعلموا يقيناً بأن لا حل ولا دواء يخرج تونس من محنتها و أزمتها الحالية إلّا بأن يُحاسَب الفاسدون جميعاً على كلّ جرائمهم وانتهاكاتهم ونهبهم وسرقاتهم ، من أيّ موقع كانوا ولأيِّ جهة إنتموا.. و على الشعب أن ينخرط في المعركة السّياسية السّلمية ضد هذا العبث بالدولة و بالوطن و ان يُسند الوطن و الوطنيين النزهاء و السياسيين الذين بقوا ثابتين في طريق التغيير و الإصلاح و لم يتورطوا في الفساد و بيع الذمم..أوقفوا هذا العبث بمصير الوطن و الدولة و الشعب البريئ !!..
عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم