الغرب بأنظمته السياسية المتوغلة في العنصرية العرقية والدينية، الغارقة في أحقادها القديمة على الإسلام المحمدي الأصيل، لم تخرج يوما عن مستنقعها الذي رضيت بالبقاء فيه، ممنية أنفسها بالنجاح في زعزعة عقائد المسلمين، من خلال الإستهانة بدينهم، بصور واشكال مختلفة، أقل ما يقول عنها كل عاقل – لم يتلوث بداء الشيطنة الغربية- أنها لم تكن لتعبر عن شيء من حقيقة الدين الخاتم- ليبقى رغم كل المحاولات الغربية البائسة، ثابتا في عقل وقلب كل مسلم غيور على دينه ومقدساته.
من قرأ تاريخ حملات الغرب الصليبية على بلاد المسلمين، تيقّن من نزعته العدوانية، وأنّه لا يقدم على شيء بخصوص الإسلام والمسلمين، دون أن يكون له فيه غاية إساءة، واستهانة بهم بشرا ومعتقدات، وما دأب هذا الغرب على نشره من إساءات بالغة، متذرّعا بحرية تعبير كاذبة، تركها مهيعا يلوذ بها كل فاسق وملحد وفاسد خارج عن انسانيته، هي تعابير ملخّصة حقيقة نواياه تجاه الإسلام، ومجتمعاته ترى تحولا يوميا لأفرادها نحوه بقناعة تامة، ولا حيلة لها على منع تلك التحولات، سوى اطلاق أبواق إعلامها ودعاياتها المغرضة بوسائلها المختلفة، المكتوبة والمرئية والمسموعة، تمثيلا سينمائيا وتصويرا كاريكاتوريا.
الحرية التي تتشدّق بها دول الغرب، ليست سوى كذبة عارية تماما عن الصحة، وهي وقاحة وقلة حياء وسوء أدب، لو بقي في الغرب قيمة روحية تحول دون وقوعهم في مادية صرفة، أُطلقت فيها دوابّ شهواتهم المتوحشة، تنهش ما بقي فيهم من أدب وحياء، هذه الحرية كان يجب أن تكون لها حدود، بحيث لا تمسّ بسوء عقائد من خالفهم في الدين والفكر، من شأنها أن تترك مجالا للحوار والتواصل، والتعاون من أجل خير البشرية، وتجنيبها أسباب التوتّر والخلاف والنزاعات التي تترك آثارها السلبية، مخيّمة على المجتمعات دهرا.
إنّ الشذوذ الذي بلغته المجتمعات الغربية، بواسطة سياسات دولها المنحرفة عن الفطرة الإنسانية، لا يمكن وصفها سوى أنه ظاهرة غريبة تفاقمت في عصرنا، لتصبح أمرا واقعا، تعيشه مجتمعاته بكل حريّة، وهي تشجع عليه بقوانين جريئة، متطاولة على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وتحث دولنا الإسلامية على قبول حالات التفسخ البشري الطارئة عليها، وتدفع دولنا الإسلامية على تقنينه كالمثلية الجنسية(1)، وسط مجتمعاتنا المحافظة على قيمها وآداب دينها المستهدفة من الدول الغربية، والهدف كسر إرادة ما بقي فيها من قداسة، واحتضان للدين الخاتم ورموزه، الجديرة بالقداسة والاحترام والتقدير، ليس من المسلمين فحسب، فذلك أمر مفروغ منه، ولكن من الغربيين أنفسهم، تعبيرا منهم على حسن نواياهم، تجاه معتقدات غيرهم وإن خالفت أهواءهم.
فرنسا الإستعمارية التي غرقت في دماء ملايين المستضعفين في أفريقيا وآسيا، تتبجح اليوم كذبا وبهتانا بالحرية والتقدّم، نتيجة ما وصله نظامها من تفسّخ وانحراف عن المعتقدات الدينية، وعاصمتها باريس التي عرّفوها بعاصمة النور والعلم، لم تكن سوى بؤرة من بؤر الإنحراف عن القيم الإنسانية، لتفسح المجال لشياطين الإنس حتى يتطاولوا على كل معتقد، يدعو إلى الصلاح والأخلاق الحميدة، وفي باريس وأنحاء أخرى عديدة من فرنسا عشّشت كبار الشياطين وفراخها، في أوكار علنية تدعو إلى الانحراف، والزيغ عن كل قيمة إنسانية صالحة، يكفي أن نقول مثلا: أن فرنسا هي عاصمة المثلية الجنسية، وملجأ كل متطرف وارهابي متربص بالإسلام والمسلمين شرّا.
بالأمس القريب حذت صحيفة (شارلي إبدو Charlie Hebdo) حذو صحف دانماركية، لتسيء لأعظم شخصية عالمية جديرة بذلك التصنيف، ورمزها الأول النبي الأعظم صلى الله عليه واله، مما أثار عليها موجة من الإستنكار والتنديد من طرف جميع الشعوب الإسلامية، على تلك الجرأة والوقاحة، وبعد موجات الإستنكار والتنديد الشعبي العارم في مختلف البلاد الإسلامية، وفي الأثناء تعرضت الصحيفة الى ردود أفعال انتقامية، اسفرت عن مقتل عدد من موظفيها(2)، ومع ذلك لم تتعظ هذه الصحيفة من أخطائها الفادحة، فأصرت على مواصلة نهجها العدائي، وأعادت نشر الصور المسيئة من جديد، كأن لسان حالها يقول: إن الحقد الذي يملأ قلوب أهلها، لا يزيله سوى الغرق في مستنقع رذيلة الأصل الغربي الحاقد، وما يكنه من عداء دفين لكل ما يمت للإسلام بصلة، وما لقيته هذه الصحيفة من قصاص مُستحقّ، من طرف من رفضوا رفضا قاطعا أن يُمَسّ نبيّ الرحمة بسوء.
ولم يقفل ملف اعتداءات هذه الصحيفة على قيمنا ومبادئنا، وهي التي يشهد تاريخها السيء السمعة والصيت، على أنها صحيفة مرتزقة، اجتمع حولها ذباب الفكر المنحرف وشواذه، لينظموا إلى حملات الإساءة لمقدساتنا، وها هي اليوم تدلي بدلوها في تحدّ جديد للمسلمين في مقدساتهم، وهذه المرة استهدفت في حملتها قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام السيد علي الخامنئي، من خلال نشر صور مسيئة ومهينة لشخصه الجدير بالإحترام والتقدير، منخرطة في حملة دول الغرب الدعائية الخبيثة ضد النظام الإسلامي، في محاولات متعددة لا تكاد تنتهي من أجل اسقاطه، وهو هدفها المُقدّم خلال السنوات الماضية للتخلص منه ومن مشاريعه الإصلاحية في الأمّة الإسلامية، وانجاح قضاياها الحقوقية العالقة بين تسويفات الغرب الفارغة، وفي مقدمتها قضية فلسطين.
دعوى فرنسا والغرب بأنهم حماة حرية التعبير غير صادقة، وإنما أثبتوا بالدليل أنهم كاذبون، ويدفعون مهرّجيهم ولاجئئي بلدانهم من الإرهابيين، ليمارسوا نشاطاتهم العدائية من هناك، فيسيئون لنا كمسلمين وهم في مأمن من ان تطالهم أيدي القصاص، وعدى ذلك، فهم لا يملكون الشجاعة في فعل شيء ينال من مقدساتنا وسط بلداننا وشعوبنا، ولا أعتقد أن فرنسا بسماحه بغض طرفها عن إساءة صحيفتها، قد كسبت شيئا من هذه المهزلة، التي صدرت بحق قائد وزعيم ديني إسلامي، قبل أن يكون إيرانيا، وانسانيا قبل ان يتصف بأي صفة أخرى، فهي سوف تخسر خسارة كبرى، وستندم على ذلك حتما، وإن كانت تكابر في ذلك اليوم، فكبريائها لن ينفعها اقتصاديا، ولا حتى في إعادة العلاقات بينها وبين إيران إلى مستوى طبيعي، بعدما كشفت عن سوأة قبيحة.
هذا، وفي سياق الرد على الإساءة الفرنسية، أعلنت الخارجية الإيرانية يوم الخميس 5/1/2023، إغلاق المعهد الفرنسي للبحوث في إيران (إفري)، “كمرحلة أولى” من الردّ الإيراني على الرسوم الكاريكاتورية (3)، وما هو سوى بداية ردّ إيراني حاسم، سيلقن فرنسا وصحيفتها المتبجحة بالحرية درسا، فهؤلاء لا يفهمون بالتعبير سوى بالأمور المادّية، أمّا المعنويات فقد ذهبت عنهم نهائيا وإلى غير رجعة.
المراجع
1 – حقوق المثليين في فرنسا
https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – الهجوم على صحيفة شارلي ايبدو
https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – إيران تهدد بـ”رد صارم” على رسومات “مهينة” لخامنئي من “شارلي إبدو”
https://amp-dw-com.cdn.ampproject.org/v/s/amp.dw.com/ar/a-64289622