كثيرا ما تردّد على ألسن من أعوزتهم ثقافتهم، باتّباع أبواق الدّعاية المغرضة ضدّ إيران، فاعتبروها منتمية إلى دين آخر، وعقيدة مختلفة عن عقائد المسلمين، ونسبوها دون أن يحترزوا من مقالات المغرضين، التي ما تزال متداولة بين عوام الشعوب وخصوصا العربية، إلى دين المجوس، وبذلك حكموا عليها بأنها بلد بعيد عن الإسلام بُعْد َالمشرقين، فترسخت فيهم عداوتها دون وجه حق، ولو أنّهم تبيّنوا حقيقتها لندموا على اعتقادهم الخاطئ فيها.
أبواق الدّعاية هذه التي انفتحت على إيران بالسّوء والتشويه الكبير، بدأها الوهابية مباشرة بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران في 11/2/1979، وانخرط فيها عدد من سماسرة الكتابة وتجار الأقلام لمن دفع بالدولار الأمريكي، فهرع إلى صيحتهم أهل الدينا من كل فج عميق، يقتاتون من متاعها لدنياهم بخسارة دينهم، في تجارة بائرة ستكون عليهم حسرة في الدّارين.
من بين هؤلاء الذين انخرطوا في خطط تشويه إيران، الباكستاني إحسان إلهي ظهير(1) الذي كتب عدّة كتب ضدّ عقيدة الشيعة منها كتاب (الشيعة والقرآن)، الذي أصدره سنة 1403 هجرية 1982 ميلادية، مقرّرا أن الشيعة وإيران تبعا لذلك يعتقدون بتحريف القرآن، معتمدا على كتاب عنوانه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للمحدّث حسين تقي نوري الطبرسي (2) دون أن يلتفت إلى أن هذا المحدّث المعاصر، قد شذّ بكتابه هذا عن إجماع علماء المسلمين الشيعة قديمهم ومعاصرهم، القائل بعدم تحريف القرآن، وهؤلاء يُعدّون بالعشرات وممن يفوقون هذا المحدّث علما وعملا، وكل رأي شاذّ عن إجماع الأمّة لا يُعْتدّ به، فكيف يُصبح بنظر (إحسان إلهي ظهير) هذا تهمة تطال جميع المسلمين الشيعة؟
من مفارقات الزمن، أن الشيعة وإيران يُحارَبون من أطراف عدّة، قد اجتمعوا على ذلك مع أمريكا ودول غربية معروفة، أوقدوا بها نيران التعصب الديني، اشترك فيها عملاء دول الغرب من حكام عرب، تأبّطوا جهلا مركبا، فحجب عنهم رؤية مصالح شعوبهم وأولوياتها، بحيث لم يروا من الأعمال ذات الأولوية عندهم، غير مهاجمة إيران وعقيدتها الشيعية، ولو تعقّلوا قليلا لتبيّنوا مقدار ما جنوه على عقيدة أصيلة، وشعب مكافح ومناضل من أجل قضايا أمّته الإسلامية.
من زار إيران وتجول في مكتباتها ودخل مساجدها، لم يجد قرآنا غير الذي بين أيدي عموم المسلمين، مصحفا مفردا من دون تفسير، أو مفسّرا مختصرا في مجلد، أو موسّعا في عدد من المجلدات، ولو وُجِد مصحف من نوع الدّعوى المقامة ضد الشيعة وإيران، لظهر وسهُل كشْف أمر وجوده، واتخذ منه المهاجمون دليلا مفحما، لكن ماذا أقول فيمن ركبوا عصبيّتهم، وانساقوا وراء أحقادهم، يتقوّلون على طائفة من المسلمين بغير الحق، سوى أنّ الله سيكتب ما يفترون.
كان اهتمام الإيرانيين بكتاب الله كبيرا، انسجم مع حبهم للإسلام بعد دخولهم فيه، وأوّلهم سلمان المحمّدي، ثم تتابع ذلك ونما إلى عناية علمائهم بتفاصيل الدين، تفسيرا وفقها أصولا وفروعا ورواية، (كما اهتم الإيرانيون بفنّ القراءة كذلك اهتموا بفن تفسير القرآن، بل إن اهتمام الإيرانيين بالقراءة والتفسير والفقه والحديث والعلوم التي تتعلق بمصادر الإسلام كان أكثر من أي إهتمام لهم في أي مجال آخر. ولا يمكننا هنا أن نعرف بجميع المفسرين الإيرانيين، ففي كل قرن منهم العشرات ممن كتب في ذلك وألف وصنف، أذكر منهم ابتداء من القرن الثالث هجري:
تفسير علي بن إبراهيم القمي / تفسير العياشي لمحمد بن مسعود السمرقندي/ تفسير النعماني لمحمد بن إبراهيم النعماني/ تفسير التبيان للشيخ الطوسي/ مجمع البيان للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي/ روض الجنان لأبي الفتوح الرازي الطهراني/ تفسير الصافي للمولى محسن الفيض الكاشاني / تفسير المولى صدر الدين الشيرازي/ تفسير عبد الله شبّر / تفسير البرهان لهاشم البحراني / تفسير الصادقين لفتح الله الكاشاني/ نور الثقلين)(3) أمّا حديثا فتفسير الميزان للعلّامة الطباطبائي/ وتفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
هذا وحده فقط يفنّد دعاوى من ادّعى، بأن للشيعة ولإيران قرآن غير هذا المتداول بين بقية المسلمين، وأزيدهم فوق ذلك أن تعهّد إيران للقرآن تعليما وطباعة، جعلها تخصص مسابقات لحفظه وترتيله بين مواطنيها، وتدعوا فيه نُخبا من دول العالم الإسلامي، للمشاركة في مسابقاتها الدّولية (4)، وحذت حذوها العراق بنشاطاتها الجبارة بخصوص القرآن حفظا وترتيلا وتعهدا(5)أما في المساجد والحسينيات، فقد درجت إيران على تشجيع أهلها وتوجيههم إلى تعهّد كتاب الله، بتنظيم جلسات تلاوة ومتابعة قرآنية خلال شهر رمضان المعظّم(6)، وسط أجواء إيمانية منعشة للقلوب.
وعن خطّة اصلاح المساجين في إيران، أعلن رئيس مصلحة السجون الإيرانية (أصغر جهانغير) أن أكثر من 380 ألف سجين اجتازوا دورات تعليم القرآن خلال العام الإيراني الماضي، مشيرا إلى وجود أكثر من 18 ألف سجين حافظ للقرآن، واعتبر (جهانغير) أن القرآن والصلاة، يمثلان محورين رئيسيين، في البرامج الإصلاحية، والتربوية المتبعة في السجون الإيرانية(7).
من نِعمِ الله ومننه على هؤلاء المظلومين تسديده لهم بأن جعل فيهم براعم ناشئة حافظة للقرآن بطريقة عجيبة حيث ظهر في المحافل الدولية، وعلى شاشات الفضائيات، صغار لم يوجد مثلهم في زماننا على الأقل، من يحفظ القرآن بأرقام آياته وصفحاته ومواضيع ألفاظه، دون أدنى خطأ أو ارتباك عند التلاوة، وقد تقاسمت العراق وإيران هذه المنحة الإلهية، مثال ذلك (حنانة خلفي) من إيران(8) كأنّها ردّ صاعق على من إدّعى أنّ للشيعة ولايران قرآن آخر.
القرآن الكريم خاتم رسالات الله سبحانه، هو المرجع الأول لجميع المسلمين، واتفاقهم على ذلك يضعهم تحت مسؤولية تطبيق أوامره ونواهيه، وهو الذي يدعو إلى الوحدة بين الأمّة، على اختلاف أعراقها ومذاهبها ونبذ التعصّب والغلوّ، وكل ما من شأنه أن يعيق ألفة المسلمين وتعاونهم فيما بينهم، فمتى نرى هذه الأمة موحّدة في وجه أعدائها وناهبي خيراتها؟
المراجع
1 – إحسان إلهي ظهير http://saaid.org/Warathah/1/taher.htm
2 – المحدّث حسين تقي نوري الطبرسي https://ar.wikishia.net/view
3 – تفسير القرآن ودور الإيرانيين فيه https://erfan.ir/arabic/5090.html
4 – إفتتاح الدورة الـ39 لمسابقات طهران الدولية للقرآن الكريم
https://www.alalam.ir/news/6542698/9%85
5 – العتبة العلوية المقدسة تقيم مسابقة الغدير الوطنية القرآنية النسوية بمشاركة 114 حافظة وقارئة
https://www.imamali.net/?id=316&sid=20569
6 – بالصور والفيديو.. إقامة مراسم تلاوة القرآن الكريم في أصفهان
https://arabic.iranpress.com/iran_culture-i157814-
7 – السجون الإيرانية تخرّج نحو 400 ألف محكوم من دورات حفظ القرآن
https://arabic.rt.com/world/871222-18-
8 – حنانة خلفي.. نجمة ايرانية حافظة للقرآن أضاءت سماء الدول العربية
https://www.taghribnews.com/ar/report/250857/