كلمات قالها ابن خلدون في العرب، كانت صائبة مائة بالمائة، وقد عدّه البعض مغاليا في حكمه عليهم، وقد اثبت التّاريخ انطباق تعريفه على الواقع العربي حكاما ومحكومين: (… والسبب في ذلك انهم أمة وحشية، باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم، فصار لهم خلقاً وجبلة، وكان عندهم ملذوذاً، لما فيه من الخروج على ربقة الحكم، وعدم الإنقياد للسياسة، وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له.)(1)
لست من الذين يريدون الوقيعة بالعرب ولا الإساءة إليهم لأنني منهم، لكنني لست معهم فيما وصلوا إليه من حاضرهم التّعيس، ولا يشرّفني منهم سوى طلائعهم المقاومة للظلم والظالمين، وهي التي جمعت خصال الكرامة والأنفة والعزّ، كلّما أرادوا لها الإندثار ازدادت تألّقا وتمدّدا، لكنه هالني وضع العرب اليوم شعوبا وحكومات، رضيت بما خططه لها أعداؤها، وقبلت بنصب خيام مجدها بفناء مذلّته، تستجدي المساعدات والهبات، تشتري بها برخص الذلّ والمهانة وبيع المبادئ والقيم.
نعم رضيت الحكومات العربية بما فيها الجزائر، التي كنت أعتقد أن الرئيس الحالي تبّون، لن يخذُلَ حقّ الشعب اليمني، بعدما عبّر مُجدّدا، عن ثبات موقف الجزائر بخصوص القضيّة الفلسطينية، ومواصلة بلاده وحكومته، سياسة دعم مقاومة شعبها للمحتلّ الصهيوني، حتى لو طبّعت بقية الدّول العربية مجتمعة مع الصهاينة، لِمَا للجزائر من وزن في تاريخ مقاومة الإستعمار الفرنسي ماضيا، وثباتها على ذلك المبدأ حاضرا، حتى اصبحت معروفة لدى العالم، ولا اعتقد أنها ستنحرف عنه في يوم من الأياّم، لكني أتساءل: هل إنّ الحكومة الجزائرية لم تعلم إلى حد اليوم، أن اليمن معتدى عليه من طرف تحالف عربي، اجتمعت فيه دول مشرقية ومغربية، آسوية وافريقية، للنّيل من كرامة ومستقبل الشعب اليمني؟
إلى هذا المستوى تنزل الجزائر من علياء مبادئها في الكرامة والعز، إلى نفق الدّول العربية المستجدية لفضلات الخليج وأمريكا، وليس هناك ما يبرر موقفها الحالي من القضية اليمنية، بعدما عبرت عن طريق وزارة خارجيتها مرّتين، عن استكار للردّ الذي قام به الجيش اليمني الحقيقي مدعوما بلجانه الشعبية، باستهداف مناطق منتخبة من الإمارات والسعودية، ردّا على المجازر التي ارتكبتها قوى عدوان التحالف بحق المدنيين اليمنيين، آخرها غارة التحالف العربي على السجن الاحتياطي بصعدة، والتي أسفرت عن 91 شهيدا و236 جريحا.
ألم يصل إلى حكومة الجزائر وبقية حكومات العرب نبأ العدوان على اليمن أسبابه ومن اشترك فيه، وما يُراد منه؟ أنا لا أعتقد أن أجهزة الدولة الجزائرية قد فاتها معرفة أسباب الحرب على اليمن ولا أخالها تجهل المشاركين فيها بالعدد والعتاد والتخطيط، لأنّه كما كان ذلك متاح لكل من يهتم بالشأن العربي والإسلامي، أفرادا كانوا أم منظمات أم احزاب، وإن كانت شحيحة بفعل إجراءات تسلّط قوى الإستكبار العالمي وأدواتها في المنطقة، لتشويه صورة أهلنا في اليمن المظلوم، فإنّ وسائل اقتناص المعلومة وجمعها متاحة بشكل واسع بالنسبة للجزائر ودول المنطقة وتوفّرها بيد أجهزتها، فلماذا إذا تصطف الجزائر مع المعتدين على اليمن، وهي في غير حاجة لأُعْطيات الذّلّ والهوان، ولا تنتظر شيئا من الغرب وخصوصا فرنسا، التي تركت بحقبتها الاستعمارية آثارا بالغة الخطورة في الجزائر.
لقد كان على الجزائر والدّول العربية أن تندّد وتستنكر العدوان على اليمن منذ أوّل يوم ليتوقف عند جرائمه الأولى وليس السكوت عنه طيلة سبع سنوات وما خلّفه من ضحايا مدنيين قدّروا بـ47000 ما بين امرأة وطفل وشيخ، سقطوا بغارات جوية من أحدث الطائرات والصواريخ والقنابل، حتى المحرّمة منها دوليا، فمن أمر بشنّ العدوان وفّر أدوات الإجرام، وأعان على ارتكابها، فكيف سيكون موقف الدول التي وقفت إلى جانب دول العدوان إذا ما انتصر اليمنيون على تحالف الشرّ هذا؟ أيعتذرون ولا مجال للاعتذار؟ والدّول العربية بين مشارك بالفعل ومساند بالقول، وعارف صامت لا يدري ما سيقوله لو سئل عن ذلك، خوفا من تبعات أقواله.
بيدو أننا ذاهبون إلى حصحصة الحقّ بخصوص القضية الفلسطينية واليمنية، ولم يعد هناك خيار آخر وهذه هي السُّننُ التاريخية في كل القضايا، أمّا القضية الفلسطينية فقد أدركت مناخها في نهاية المطاف، ومحور المقاومة قد اشتدّ عوده بما يكفي، لمواجهة الكيان الصهيوني ومن سيقف معه، والفلسطينيون عرفوا اليوم من سيكون معهم ممن سيكون عليهم، بعدما انكشفت عورات الدول العربية المطبّعة مع الكيان، ولم تعد ترى حرجا فيما أقدمت عليه لحد الآن، وتلك الدّول بين خائنة لعهودها التي قطعتها لأشقائها الفلسطينيين، وفاقدة لإحساس العلاقة العرقية والدينية معها.
أما القضية اليمنية، فإن الغريب والعجيب فيها، اتفاق دول تحالف العدوان، مع دول الغرب، مع الكيان الصهيوني، مع تواطئ بقية الدول العربية على تأييد دول العدوان، بالصمت على جرائمها من جهة، والتنديد بما هو مشروع لليمنيين في الدّفاع عن أنفسهم، في وجه وحشية منقطعة النظير تتكرّر كل يوم، هدفها الكاذب في إعادة شرعية رئيس منتهية شرعيّته، هرب ليعيش في كنف السعوديين، لا يجرؤ على العودة لا إلى صنعاء ولا إلى عدن، والهدف الحقيقي للعدوان هو اجهاض إرادة الشعب اليمني في التحرر والانعتاق، من نير التبعية لأذيال الإستكبار الأمريكي الصهيوني.
تعبير الدول الغربية ومنها فرنسا، عن ادانتها للهجوم الصاروخي الذي شنه اليمنيون، ردا على المجازر المتكررة التي ترتكبها يوميا القوى المجتمعة عليه بالإثم والعدوان، منتظر من دولة استعمارية لا ترى الانسانية سوى في مصالحها وما يعود عليها بالنفع والفائدة المادّية، وما وراء ذلك فهو كذب وخداع سياسة تكيل بمكاييل متنوّعة بحسب مقدار الفائدة والغنيمة، والأسف الذي عبرت عليه الخارجية الفرنسية(3) ليس أسفا بحدّ ذاته وإنما هي لغة بروتوكول الغرب المنافق.
المراجع
1 – كتاب العِبَرُ المقدمة ابن خلدون الفصل السادس والعشرون في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب ج1ص187
2 – ضحايا مجزرة سجن صعدة رسميًا: 91 قتيلًا و236 جريحًا
https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=39020&cid=123
3 – اليمن – تصعيد في اليمن وفي المنطقة (24 كانون الثاني/يناير 2022)
https://www.diplomatie.gouv.fr/ar/dossier-pays/afrique-du-nord-et-moyen-orient/yemen/evenements-et-visites/article/yemen-escalade-au-yemen-et-dans-la-region-24-01-22