بقلم: محمد البراهمي كاتب صحفي وناشط سياسي |
لقد ولّدت تراكمات العقود السابقة لنظام المحاصصة والتوافق المغشوش عوامل الإنفجار الشعبي التاريخي في “25 جويلية 2021”.. هذا الإنفجار ، لم يكن بالتأكيد إبن ساعته، بل ھو نتاج تراكمات متعددة الأوجه ضد منظومة الحكم الفاشلة و الفاسدة.. و كان الأسبوع الماضي واحداً من أعظم الأسابيع التي مرت في تاريخ تونس منذ “ثورة 17 ديسمبر 2010” ، حيث تجلّت فيه طبيعة الصراع بين نظام سقط وفقد شرعيته ويأبى التسليم بالحقيقة، وبين شعب أدرك حقه في الحياة و الحرية و الكرامة وامتلك إرادته وسلك الطريق وتمسّك به لإسترجاع دولته.. تونس اليوم أمام حلقة جديدة ومفصلية من تاريخها إمّا أن تنهض بقوة أو أن تسقط بقوة و لا خيار إلاّ بالتخلّي عن أسلوب المغالبة والتحدّي والتصعيد و تغليب المصلحة العليا لتونس و شعبها دون سواها ..
الرسالة الواضحة التي يجب أن تبرز للرأي العام -الداخلي والخارجي- في ظل التطورات المحلية هي عبارة عن تصحيح المسار السياسي، بعد أن طفح الكيل، وبعد أن مارست الطبقة السياسية مسلسل هدر الفرص الضائعة، و إنشغلت في معارك سياسوية قذرة و محاصصة و التعامل مع الدولة و الحكم بمنطق الغنيمة والولاءات.. قلناها وسنعيدها ؛ عاجلاً أم أجلاً، الإرادة الشعبية ستغير معايير المعادلة والعلاقة الجدلية بين الحاكم والمحكوم، وسوف تضع الأمور في نصابها السليم لصالح الثاني على حساب الأول. بمعنى أن الأمور ستكون في النهاية لصالح الشعب على حساب عجرفة وعناد الحاكم ودولته الظالمة، فعلاً جاء وقت الحسم، الشعب الواعي والواثق من نفسه هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، لأنه يملك بداخله الإرادة والعزيمة القادرة على قلب موازين القوى بدون سابق إنذار..
ما حدث يوم 25 جويلية 2021 إلى حد الآن يبدو مدججا بالرسائل التي بعثها الشعب للطبقة السياسية الحاكمة بكل مكوناتها: عقاب للمنظومة السياسية والإسلام السياسي المشارك في الحكم والذي تمثله حركة النهضة. فجميع هؤلاء قرر الشعب معاقبتهم لأنه منحهم ثقته ووضع ثورته بين أيديهم فما وجدوا غير “الحقرة و التهميش والبطالة والمعاناة” و الضحك على الذقون و إستبلاه الشعب.. وكانت اهم مطالب الحراك هي التخلص من المنظومة الحاكمة والفاسدين وحل البرلمان وإيجاد طريق للانسداد السياسي الذي أرهق الشعب على جميع المستويات.. فجاء قرار الحزم، فكانت رسالة واضحة للجميع.، فإن إعتبرتموه إنقلاباً فهو إنقلاب شعبي لتخليص تونس من مختطفيها.. قف إنتهى..
الطبقة السياسية كانت تحتمي خلف امتيازات دستورية لن تسمح بأن تنتزع منها، وهي تتصرف مطمئنة إلى أن الشارع غير قادر على إسقاطها بالضربة القاضية، حتى لو تظاهر الشعب بأكمله، وهي تعول على الانتخابات البرلمانية المقبلة لتعيد تعويم نفسها لأن قانون الانتخابات سيسمح لها بالحفاظ على أغلبية تمكنها من الاستمرار في السلطة، فالسلطة بالنسبة لها مسألة حياة أو موت، فهي حصانتها من أي مساءلة أو عقاب لذلك من المستحيل أن تتخلى عنها..
ما حدث في تونس يوم “25 جويلية 2021” هو عقاب شعبي لمنظومة سياسية فاشلة ومتهاوية، و نتيجة حتمية لمسار خاطئ انتهجته الطبقة السياسية بعد الثورة.. هذه المرحلة الدقيقة المفصلية ما بعد 25 جويلية 2021 ، تقتضي ضرورة وضع خارطة طريق لما بعد فترة الحالة الاستثنائية، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتحمل مسؤولية المرحلة القادمة ضمن برنامج وطني تسخر له كل القدرات والجهود والامكانيات متكاتفة لتنفيذه ، و محاسبة الفاسدين و تخليص البلاد من هيمنة عصابات الفساد و الإفساد و إعادة القرار للشعب صاحب السيادة، و تنظيم استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي وتعديل المنظومة الانتخابية برمّتها، و محاسبة كل من أجرم في حق تونس و شعبها ، وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة للجميع دون تمييز ولا انتقاء و لا استثناء..
انتصار مهمّ ينبغي ألا يتحوّل إلى غاية في حدّ ذاته، بل يجب أن يكون وسيلة وهدفاً مرحلياً وجولة في معركة طويلة عنوانها مقاومة منظومة الوصاية والفساد من أجل التحرّر والعدل والنّهوض”، و محاسبة كل الطاقم السياسي الذي حكم البلاد، والانتقال إلى الجمهورية الثالثة التي تؤسس لدولة عصرية وشفافة ومسؤولة وتعمل لخدمة الشعب والوطن.. لإنقاذ تونس من فوضى الهُواة ونرجسيَّاتها المَرضيّة على حساب البلاد و العباد.
أصبح من الضروري اليوم الانتصار لإرادة الشعب التونسي و ان يكون في مستوى اللّحظة التّاريخية الراهنة لإنقاذ تونس من المجهول و القطع مع منظومة الفشل و سياسة الإفلات من العقاب ، و من الضروري وضع خارطة طريق تمرّرنا بسلاسة و عقلانية إلى الجمهورية الثالثة ،و طرح مبادرة لتكون رؤية تتضمن خريطة طريق لما بعد فترة الحالة الاستثنائية تعكس إرادة الشعب أهمها ؛ تشكيل حكومة إنقاذ وطني لتحقيق التوافق اللاّزم لإدارة الدولة, و إختيار رجل اقتصاد وشجاع على رأس الحكومة القادمة، ويكون على دراية بكفية إدارة دواليب الدولة وواقع العمل السياسي، و العودة إلى إرادة الشعب و تنظيم إستفتاء شعبي لتعديل النظام السياسي الهجين و تعديل النظام الانتخابي الأعرج.. و ضمان الحقوق و الحريات و الحرص على تحقيق الحد الأدنى من التوافق و الإستقرار السياسي المنشود و التفكير في مصلحة البلاد و مصلحة الشعب و استحقاقاته المؤجلة منذ سنوات..
”عاشت تونس حرّة مستقلّة والخزي لكل المتآمرين”.
“عاش الشعب التونسي الحر”.