الجمعة , 22 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

إستفتاء تقرير المصير…”دستور ديمقراطي”!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

 

تعيش تونس على وقع تغييرات سياسية جذرية و تحولات مهمّة ، فقد فتح الخامس و العشرين من جويلية 2021 مرحلة مهمّة من التحولات والتغييرات الكبرى، أولها التغييرات السياسية حيث فتح مرحلة الخروج من الأنظمة الفاشلة أو التسلطيّة والتي هيمنت على المجال السياسي والدخول في مسار تغييرات سياسية عميقة لبناء نظام ديمقراطي جديد بدستور جديد للجمهورية الجديدة..

            الفوضى والديمقراطية بينهما خيط رفيع والتجربة التونسية طيلة العشريّة السابقة تميل إلى الفوضى اكثر من الديمقراطية ‏لأن الثانية لها قواعد وأنياب والديمقراطية في تونس بدائية وهي أسوأ انواع الحكم لأنها فاشلة بكل المعايير وهي غير موجودة، نوع الديمقراطية في تونس هي الديمقراطية التوافقية، وهي فعلا أسوأ انواع الحكم وهي تجربة فاشلة ولا تتفق مع الديمقراطية ولأن الديمقراطية لا تتفق مع التوافق، لأن الديمقراطية تعني حكم الأغلبية والتجربة الديمقراطية في تونس مبنية على المحاصصة،إنّ الديمقراطية هي فلسفة قائمة على مجموعة من الأسس والمبادئ لضمان الحريات الأساسية الفردية والحقوق العامة، والفصل بين السلطات واستقلال القضاء وسلطة القانون والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة وللمؤسسات السياسية والاقتصادية، لتنمية دور فاعل لمنظمات المجتمع المدني في التحول الديمقراطي نحو هوية وطنية جامعة، تكون بديلاً عن مشاعر التناقض والصراع، ونشر ثقافة التسامح المجتمعي واحترام القيم الفردية والمصلحة الوطنية، وتوفير فرصة للتعايش بين الطبقات والايديولوجيات والافكار السياسية، بعيدا عن جميع أشكال التعسف والاضطهاد ومصادرة الحريات والحق في التعبير عن الرأي، مما يمهد لإيجاد فرص واقعية وعملية للتحول الحقيقي باتجاه الحداثة في مواجهة التقليدية، والديمقراطية في مواجهة الاستبداد والشمولية، وبناء دولة المؤسسات لضمان التنمية السياسية المستدامة..

         طيلة العشريّة السّوداء ، الشعب التونسي يعيش تحت رحمة إحتلال سياسي داخلي ، لطالما عمد لتركيع الناس وتجويعهم وقتل أحلامهم وسرقة مواردهم ونهبهم واصدار قوانين لا تخدم سوى صالح اللوبيات و المافيا التي تقف خلفهم ، دون مصلحة التونسيين ، هذا الاحتلال الداخلي لابدّ من مقاومته بكل الوسائل الممكنة، لأنّه بات يشكل عبئاً أمام عملية قيام الدولة التي نحلم بها، وحيث أن عمليات تركيع التونسيين مستمرة من قبل هذه الطغمة السياسية الظالمة والساقطة، والتي لا تعرف إلاّ لغة التحايل والتكاذب على الناس وتمرير الوقت معهم… في الحقيقة يعجز القلم عن تعداد مواقع سقوطهم، ويكفي أن نسمع حتى من أبسط الناس وأقلهم إهتماماً بالشأن العام وهم يتحدثون عن مدى هول الأوصاف الساقطة التي يعرفها الشّعب عنهم وعن أحزابهم و براشوكاتهم، وعن أساليب لصوصيتهم و مساهماتهم في نشر الفقر والفساد والإفساد في الدولة وفي المجتمع، و مع ذلك هم يكذبون و يكذبون و يصدقون أنفسهم .. و آن الوقت لإنسحاب الطغمة السياسية الساقطة_الفاسدة واختفائها من حياة التونسيين ، وآن لهذه الطغمة الأنانية الجشعة ان تكتفي بما أورثته للتونسيين من ظلم و تفقير و إذلال بإسم المتاجرة بالدين و بالديمقراطيّة المزيّفة.. عندما إنتفض الشعب في الخامس والعشرين من جويلية 2021، كان قد وصل إلى لحظة الحقيقة، حقيقة نظام مبنيٍّ على أسسٍ تعزّز التفرقة وتكرس المحاصصة ، وترسّخ حكم العائلات السياسية، حتى الأحزاب في تونس تورّث فيها الرئاسة، فأي ديمقراطيةٍ هذه، وأي تعبير عن إرادة الشعب واضطلاع بالمسؤولية تجاه قضاياه؟ صار نظام المحاصصة القائم في تونس عقبة كبيرة في طريق نمو الشعب التونسي وتطوره، وأوصلت سياسة الفساد المستشري البلاد إلى أزمات متلاحقة، لم يعد الفرد التونسي قادرًا معها على العيش الآمن في دولةٍ يفترض أن يكون بينه وبينها عقد يضمن عيشه وبقاءه، تردّي الحياة وانعدام مفهوم المواطنة وسلب التونسيين من هذا الحق أدى إلى أن تكون لكل جماعة أو حزب مرجعياتها وولاءاتها، على الرغم من أن الجميع غارقون في المستنقع ذاته، مستنقع الفساد و المحاصصة الحزبية..

           إنّ النظام السياسي المعتمد حاليا أدى إلى تشتيت السلطة التنفيذية وعرقلة أداء أجهزة الدولة نظرا لتشظيها بين طرفين (رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة) تغلب على علاقتهما التوتر و لذلك من البديهي المطالبة بإعتماد نظام يقوم على تجميع السلطة التنفيذية و هو “النظام الرئاسي” يقوم على منظومة حكم ناجعة قائمة على توحيد السلطة التنفيذية بدل تشتيت السلطات في منظومة حكم تعددية شكلا و مفرغة مضمونا.. أهم ما يُسجّل على هذا النظام السياسي الذي أتى به دستور 2014 قدرته الفائقة على إنتاج الأزمات وتدويرها، فالأزمة الدستورية والسياسية التي تواجهها تونس طيلة السنوات الماضية نتاج طبيعي لخلل بنيوي في المنظومة السياسية التي حكمت البلاد منذ الثورة وطوال السنوات الماضية كان يجري تجاوز هذا الخلل وإخفاؤه من خلال التوافقات والمحاصصات بين القوى السياسية الحاكمة، لتثبت أنّ من الصعب على العقد الاجتماعي (الدستور) أن ينظّم حالة سياسية صحيّة تعتمد التنافسية السياسية بديلاً من التوافقات وتوازن المكونات، ولتثبت أيضاً أنّ هذا العقد سيبقى عاجزاً عن إجراء تغيير في نمط العملية السياسية المتعارف عليها في تونس، ومن هنا بدأت أصوات تطالب بعقد اجتماعي وسياسي جديد، يُعيد إنتاج النظام السياسي في تونس ، ويُنهي حالة الجمود والإحباط، ويعالج الأخطاء المتراكمة طوال السنوات الماضية، ويُلبّي الطموحات الشعبية الراغبة في تحسين أداء الحكومة ومؤسسات الدولة، بما يضمن تحقيق نمو في مؤشّرات التنمية ومعالجة المشكلات و الأزمات.. تونس بحاجة إلى إعادة صياغة عقد إجتماعي وسياسي، وذلك لإيجاد نظام سياسي مستمدّ من دستور جديد غير قابل للتأويلات المفرطة، فكلما كانت صياغة دستور ديمقراطي غير قابل للتفسيرات الواسعة وغير قابل للتأويلات، تكون قد وصلت تونس إلى ضمانة حقيقية للحقوق والحريات، وكلما فشلت في ذلك، نتجت هذه التأويلات للنصوص الدستورية وللقوانين الأساسية للدستور، التي تجعل الأقوى يفرض تفسيره على الآخرين..و على عكس دستور 2014، نتطلع إلى دستور ديمقراطي يتضمن بين فصوله ما يمنع خرقهُ ، أو التحايل عليه ، و يكون واضحاً وشاملاً لا يقبل التأويل ، دستور يوحد تونس ولا يقسمها ، دستور جديد يؤكد على إستقلال القضاء والفصل بين السلطات ، دستور جديد يحفظ الحقوق والحريات ويكرس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ويحقق التوازن والتوازي بين السلط ويوحد السلطة التنفيذية، ويحقق الضمانة لإستقرار و التوازن بين جميع مؤسسات الدولة التي هي ركيزة الديمقراطية ، دستور يحقق مباديء حقوق الفرد في الحريات الشخصية و يضمن العدالة الاجتماعية و الإقتصادية.. و إنّ الهدف الرئيسي من أي دستور هو وضع قواعد للعلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين الدولة ومواطنيها، لضمان العدالة والحقوق والحريات للمواطنين، والدور الآخر للدستور يتمثل كضامن للوحدة الوطنية وسيادة الدولة، وبالتالي فإن أي دستور يجب أن يعبر عن حاجات ومطالب المجتمع واهدافه من بناء الدولة والنظام السياسي كما ينبغي صياغته ومناقشته والموافقة عليه من قبل الشعب باستفتاء شعبي..

                 إنّ الهدف من نجاح الإستفتاء الشعبي المزمع تنظيمه في 25 جويلية 2022، بمثابة الإعلان للعالم بأن الغالبية العظمى من الشعب التونسي يرفضون النظام السياسي الذي أتى به دستور 2014 ويطالبون بحقهم في تقرير المصير وحقهم في إختيار نوع نظامهم السياسي القادم والجديد ، و أنّ الشعب مصمم على حقه في تقرير مصيره وأن يصبح هو مصدرا للسلطات جميعا.. تونس اليوم بحاجة الى نقلة سياسيّة حقيقيّة، والبدء بمرحلة جديدة يُكتب فيها دستور جديد يضمن التوازن بين السلطات والحقوق والحريات و يكرّس أسس الممارسة الديمقراطية الحقيقية، و يأسس لدولة القانون بإرادة شعبيّة خالصة يمهّد لقيام نظام سياسيّ جديد يختاره المواطنون بإرادة حرّة، نظام سياسيّ يحمي الناس ويسهر على خدمتهم ويلبّي تطلّعاتهم، ويخلق الأجواء السياسيّة السليمة التي حُرم منها الشعب التونسي طيلة السنوات الماضية..

عاشت تونس حرّة مستقلّة

عاش الشعب التونسي العظيم

شاهد أيضاً

القضية الفلسطينية.. بين الصمت والتآمر والتضليل!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

يرى كثيرون ان أصل الشرور في الشرق الاوسط في المائة سنة الاخيرة هو (اغتصاب فلسطين) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024