حالة من الهيستيريا تعصف بواشنطن ومسؤولي كيان الاحتلال الإسرائيلي عقب قرار المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني, لأن خطوة كهذه تعني أن مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين سابقين وحاليين وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو سيواجهون خطر الملاحقة والاعتقال في أكثر من 100 دولة حول العالم.
كان بإمكان المدعية العامة (للجنائية الدولية) فاتو بنسودا فتح تحقيق فوري في الجرائم الإسرائيلية، لكنها قررت أن تطلب من الدائرة التمهيدية أن تؤكد لها نطاق الولاية الجغرافية لدولة فلسطين خلال 120 يوماً, وذلك بهدف قطع الطريق أمام أي اعتراض خلال فترة التحقيق, ما يعني أن بين يدي الجنائية الدولية إثباتات وأدلة دامغة على وجود جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني تدفع للتحقيق في «ادعاء» فلسطيني أصبح حقيقة مؤكدة بوجود جرائم ضد الإنسانية لم يعد بإمكان الاحتلال ومن أمامه واشنطن إخفاءها أو إنكارها.
نشوة الانتصار السياسي والدبلوماسي كانت نكهته فلسطينية بامتياز, فالكل يعلم أن قرار المحكمة جاء تتويجاً لجهود فلسطينية استمرت لخمس سنوات – منذ انضمام دولة فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية- كما جاء قراراً تاريخياً لأنها المرة الأولى التي يتم فيها وضع «إسرائيل» في خانة مرتكبي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لتصبح معرضة للمحاسبة بعد أن كانت تعتقد أن لديها الحصانة من أي محاسبة أو مساءلة بسبب الدعم الأمريكي لها.
ناهيك عن أنه بموجب هذا القرار أصبح بإمكان أي فلسطيني تعرض لسوء معاملة أو ارتكاب جريمة بحقه، أن يستفيد من هذه الفرصة. وعليه, أعلن المسؤولون الفلسطينيون أنهم خلال الأيام العشرة القادمة سيبدؤون بحملة لجمع أسماء ضحايا الجرائم الإسرائيلية وإرفاقها بملفات ورفعها للجنائية الدولية.
صفو الانتصار الدبلوماسي الفلسطيني لا يعكره سوى مخاوف من أن يتبخر هذا الانتصار إذا استطاعت سلطات الاحتلال الإفلات من المحاسبة وعرقلة أي تقدم, فما إن صدر قرار المحكمة حتى قوبل بسيل من التصريحات الأمريكية – الإسرائيلية الرافضة التي تنم عن حالة الهيستيريا التي ضربت الحليفين, ففيما وصف نتنياهو يوم صدور القرار باليوم الأسود زاعماً أن هناك عدة أسباب يمكن أن تساعد «إسرائيل» على الإفلات من المحاسبة أمام الجنائية الدولية، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو رفض أمريكا و«إسرائيل» التعاون مع أي تحقيق باعتبارهما ليستا أطرافاً في معاهدة روما الدولية التي انبثقت عنها المحكمة, كما أعلن رفض مثول أي مسؤول أمريكي أو إسرائيلي أمام أي محقق من قبل المحكمة.
من المبكر جداً التكهن بما سيؤول إليه تحقيق (الجنائية الدولية), وبماهية الإجراءات التصعيدية التي ستتخذها واشنطن لحماية «إسرائيل», وكيف ستنتقم الأخيرة من الفلسطينيين وخاصة أنها بدأت بتهديد السلطة الفلسطينية بالتقويض كخطوة أولى بعد قرار المحكمة, إلا أنه رغم ذلك يبقى قرار المحكمة انتصاراً دبلوماسياً يدل على أن العالم بات يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية, وعليه من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيداً من الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.