فتحي بوليفه: أستاذ باحث في الجغرافيا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة |
3.2.1- التظاهرات الدينية والمهرجانات
بالإضافة لثرائها التاريخي، تتميز منطقة دقاش بثراء أنثروبولوجي وثقافي يعكس تعاقب عدة حضارات على هذه المنطقة، يمكن تثمينه سياحيا.
التظاهرات الدينية
منذ القديم دأب سكان منطقة الوديان (دقاش و ما جاورها من قرى) على تنظيم عدة تظاهرات واحتفالات دينية حول بعض الأولياء الصالحين الذين يعتقد سكان المنطقة في قدراتهم الخارقة ويتبركون بهم في أفراحهم وأتراحهم. نذكر من هذه التظاهرات التي تنظم عادة خلال العطل المدرسية (ديسمبر ومارس)، في إطار محلي ويطلق عليها تسمية “فزعة“: “فزعة سيدي حمادي” بقرية المحاسن (كريز) و “فزعة سيدي محمد الصالح” بأولاد ماجد و “فزعة سيدي بوناب” بقرية زاوية العرب (قريتي سبع آبار). البعض الآخر من هذه التظاهرات يكتسي طابعا أكثر إشعاعا و يستقطب زائرين من مناطق أخرى، خاصة من المدن المنجمية (الرديف، أم العرائس و المتلوي)، مثل “زيارة سيدي بوهلال” التي تحظى باهتمام وصيت كبيرين في منطقة الجنوب الغربي عامة. منذ سنة 2012 حولت وزارة الثقافة هذه “الزيارة” إلى مهرجان دولي.
مهرجان بوهلال للسياحة والتراث بدقاش
إنطلاقا من سنة 2012 حولت وزارة الثقافة “زيارة سيدي بوهلال” إلى مهرجان دولي يحمل تسمية جديدة: “مهرجان بوهلال للسياحة والتراث بدقاش” الذي يشهد توافد أعداد ضخمة من الزائرين من كل مدن الجنوب الغربي لزيارة معلمين دينيين لضريحين شيدا على ربوتين أعلى مخانق جبال الشارب. يسمى الأول “سيدي بالعباس” ويسمى الثاني “سيدي بوهلال” الذي يحمل الموقع والمهرجان تسميته.
في القديم كانت احتفالات هذه “الزيارة” من موسيقى ورقص وعروض بهلوانية تقليدية تنظم وسط المخنق، لكن بعد حصول عدة حوادث لتساقط أجزاء من الجبل على الزائرين، قررت السلط الجهوية نقل تلك الاحتفالات والأنشطة نحو سافلة الوادي حيث بئر المياه العميقة الحارة و هيأت لها ساحة شاسعة ومنصة للعروض الثقافية التي أصبحت دولية وأكثر تنوعا وممرا خصص لانتصاب عدة أنواع من التجارة التي تعرض عادة في الأسواق الأسبوعية بالمنطقة وبعض نقاط الإطعام للزائرين الذين ما انفكت أعدادهم تتزايد من سنة إلى أخرى، مما يتسبب في اكتظاظ كبير واختناق وسائل النقل المتنوعة. رغم تعهد وزارة الثقافة بتنظيم هذا المهرجان، لا تزال الفوضى تعم نشاطاته، حيث تكون سفرات وسائل النقل العمومية المنظمة نحو موقع هذا المهرجان محدودة جدا، مما يترك المجال لأصحاب وسائل النقل غير المنتظم وغير المعدة لنقل المسافرين لنقل المواطنين، مما يتسبب في عدة حوادث مرور خطيرة.
صورة 6- مشهد لمهرجان بوهلال للسياحة و التراث بدقاش
المصدر: تصوير شخصي 2019.
مهرجان تريتونيس (شط الجريد)
تعود تسمية هذا المهرجان إلى الاسم الأمازيغي لشط الجريد الذي يمثل تراثا طبيعيا تسعى كل المدن القريبة منه من ولايتي توزر وقبلي لاستغلاله وتثمينه في عدة مشاريع اقتصادية وثقافية وبيئية ترويجية لمدنهم. بادرت مدينة دقاش بدعم من وزارة الشؤون الثقافية، بتنظيم مهرجان ثقافي يحمل إسم هذا الشط الذي يمتد على الجزء الأكبر من مساحة معتمدية دقاش. هو مهرجان حديث التأسيس، وصل سنة 2019 إلى دورته الثالثة التي تم تنظيمها في أواخر شهر نوفمبر وبداية شهر ديسمبر، على خلاف دورته الثانية التي نظمت أواخر شهر أكتوبر وبداية شهر نوفمبر.
صورة 7- المعلقة الدعائية لمهرجان تريتونيس بدقاش في دورته الثالثة
المصدر: إدارة مهرجان تريتونيس بدقاش في دورته الثالثة 2019.
تؤثث هذا المهرجان عدة أنشطة متنوعة كالكرنفال الذي يجوب شوارع المدينة والندوات الأدبية والعلمية والأنشطة الرياضية والألعاب الشعبية والعروض الفرجوية المسرحية والغنائية والفروسية والورشات التكوينية الفنية والجولات السياحية داخل الواحة وعلى تخوم شط الجريد.
4.2.1- الحديقة الوطنية بدغومس
تم إحداث هذه الحديقة بعمادة دغومس بمقتضى الأمر عدد 568-2010 المؤرخ في 29 مارس 2010. تعود تسميتها إلى “جبل دغومس” الذي تحتويه الحديقة. تمّ تمويل هذا المشروع عن طريق هبة من “صندوق البيئة العالمية” بقيمة 4.27 مليون دولار، بالإضافة إلى تمويل عدة متدخلين على المستويين الجهوي والوطني.تمتد الحديقة على المنطقة الشمالية الشرقية لمعتمدية دقاش، بالمنطقة الحدودية الشمالية لشط الجريد، على بعد 21 كلم من أقرب تجمع سكني بدغومس، و 35 كلم عن مدينة دقاش. تقدر مساحتها بـ 8000هك، موزعة على 3 وحدات تضاريسية:
– سلسلة جبلية من الجهة الشمالية بمعدل ارتفاع 370 م تمتد على مساحة 3000هك. من أهم هذه الجبال نذكر “جبل مرّه“، “جبل كبريتي“، “جبل تافرمه“…
– سهول ممتدة بين السلسلة الجبلية والشط، وهي منطقة ترسبات ناتجة عن سيلان مياه الأودية و تمسح 1200هك.
– منطقة منخفضة مالحة بشط الجريد ممتدة على 3800هك[4].
بدأ الإعداد لبعث هذه الحديقة منذ منتصف التسعينات من القرن العشرين للمحافظة على المنظومة البيئية والتنوع البيولوجي المميز للمنظومات الصحراوية وذلك لحماية أصناف نباتية وحيوانية متواجدة بالحديقة وإعادة إحياء لأصناف أخرى مميزة للمنطقة. من النباتات المتواجدة نذكر في المناطق الجبلية الحلاب والجداري والسدر وفي المناطق السهلية نذكر السباسب المكونة من نباتات العجرم كالطرفة والرتم والمثنان… وبمنطقة الشط نجد نباتات متأقلمة مع الملوحة… كما تمت إعادة إدخال شجرة الطلح التي انقرضت بالمنطقة منذ سنوات.
كما تحوي الحديقة عديد الأصناف من الحيوانات كالأروية المغاربية والثعلب الأصهب وابن آوى وجرذ الصحراء والجرذان القزم والقوندي والفأر ذو الخرطوم وفأر الرمال وأرنب الصحراء والهر الوحشي، كما شهدت الحديقة إعادة إدخال الغزال من نوع أبي حراب وغزال الدركاس والنعامة الإفريقية ذات الرقبة الحمراء.
صورة 8- الغزال أبو حراب بالحديقة الوطنية بدغومس
المصدر: تصوير شخصي 2020.
يمر بالحديقة أيضا خلال موسم الشتاء و الربيع عدد هام من الطيور المهاجرة والمحلية، على غرار طيور الحبارى والعقاب الحر والصقر البربري والحجل البربري. كما تتواجد بالحديقة عدة أصناف من الزواحف كالكوبرا المصرية والأفعى…
3.1- حدود ونقائص التجهيزات والمقومات السياحية لمنطقة دقاش
يحتاج النشاط السياحي إلى إطار وتجهيزات وخدمات حضرية ملائمة لا تتوفر حاليا بهذه المدينة التي استمرت لفترة طويلة مدينة تابعة لمدينة توزر في تجهيزاتها ومجرد منطقة عبور للسياحة الصحراوية، رغم أن موقعها الجغرافي بين قطبي السياحة الصحراوية دوز وتوزر يوفر لها فرصا للاستفادة من عبور أعداد كبيرة من السياح وافدين من المناطق السياحية الساحلية. من أهم العوائق التي تحول دون تحقيق تلك الاستفادة نذكر محدودية شبكة النقل ووسائله التي تربطها ببقية المدن الكبرى بالبلاد، كغياب رحلات منتظمة عبر الحافلات تربطها بالمدن الساحلية المصدر الرئيسي للسياح الأجانب والسياحة الداخلية والتعطل والتوقف المستمر لخط السكة الحديدية الذي يربطها أيضا بأهم المدن الكبرى. تشكو شبكة النقل أيضا سوء تخطيط السلط الجهوية التي أنجزت طريق حزامية جنوب واحة دقاش “تتحاشى” المرور عبر هذه المدينة وتعزلها وتحرمها من الاستفادة من عبور السياح من دوز نحو توزر.
أما عن الاستفادة من توافد السياح على مدينة توزر من خلال المطار الدولي توزر-نفطة الذي بقي دون مستغل سياحيا وتجاريا عامة، رغم بداية استغلاله منذ نهاية السبعينات من القرن العشرين، فهي محدودة جدا نظرا لضعف عدد المسافرين عبر هذا المطار الذي لا تمثل حركة المسافرين به سوى معدل يتراوح بين 0.5 و 1 % من العدد الجملي للمسافرين عبر كل المطارات التونسية خلال العشرية الأخيرة، مع تراجع نسبة المسافرين على الخطوط الدولية (النسبة الأكبر من هؤلاء المسافرين تهم العمال التونسيين بالخارج و الحجيج من ولايات الجنوب الغربي الثلاث خاصة)،كما يبيّن ذلك الجدول التالي:
جدول 1- تطور عدد المسافرين بمطار توزر-نفطة الدولي
النسبة من كل
المطارات التونسية |
مجموع كل
المطارات التونسية |
المجموع |
على الخطوط الداخلية | على الخطوط الدولية | المسافرون* | ||
النسبة | العدد | النسبة | العدد | السنوات | |||
0.94 % | 11331900 | 106679 | 33.2 % | 35452 | 66.8 % | 71227 | 2010 |
0.54% | 8636294 | 47312 | 46.7 % | 22098 | 53.3 % | 25214 | 2019 |
*على سفرات منتظمة و غير منتظمة ذهابا و إيابا المصدر: ديوان الطيران المدني و المطارات، 2011-2020.
في البحث حولأسباب محدودية التجهيزات و الأنشطة السياحية، استنتجنا أن جل وحدات الإيواء و التنشيط السياحي بهذه المدينة لا يتمتع بتراخيص من وزارة السياحة للنشاط، باستثناء مخيم نادي بدوينا الذي يعود تأسيسه إلى سنة 1988. كما لاحظنا غياب الصيانة لهذه التجهيزات، خاصة بعد توقف نشاطها في السنوات الأخيرة بسبب تراجع توافد السياح على المنطقة التي صنفت منطقة حمراء من طرف عدة بلدان بعد تتالي العمليات الإرهابية بالبلاد و بسبب انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا، مما تسبب في تدهور حالتها.
كما يبدو تدخل بلدية المدينة لتهيئة و صيانة وتنوير الطرقات والمسالك المؤدية إلى تلك الوحدات محدودا جدا. حتى خدمات رفع القمامة بهذه الوحدات يقوم بها المشرفون على إدارتها على نفقاتهم الخاصة. عبّر هؤلاء على امتعاضهم من لامبالاة المجلس البلدي المنتخب حديثا، ولما سألت هؤلاء كيف يثمّنون دور هذا المجلس في إعلان دقاش مدينة سياحية، أجاب أغلبهم أن غرض هؤلاء لا يتعدى الاستفادة من الأموال التي ستمنحها وزارة السياحة عن طريق صندوق حماية المناطق السياحية للبلدية، خاصة أن القناعات الإيديولوجية لأغلب أعضاء هذا المجلس تتعارض مع توسع النشاط السياحي بهذه المنطقة، الذي يهدد الأخلاق الحميدة و ينذر بانفتاح مجتمعها المحافظ على سلوكات غربية تهدد القيم الاسلامية، حسب رؤيتهم.
تقييمنا لمدى تثمين المقومات المناخية بهذه المنطقة، أبرز تركيزا شديدا لوحدات استقبال السياح ووكالات الأسفار على إرسال وفود السياح إلى هذه المنطقة خلال فصلي الخريف (تزامنا مع موسم جني التمور) والربيع (العطل المدرسية للسياحة الداخلية) تزامنا أيضا مع ملاءمة الظروف المناخية وبتوافد أقل أهمية أثناء احتفالات رأس السنة الميلادية. ورغم الاستفادة من فائض طفرة توافد السياح الأجانب على السياحة الشاطئية في فصل الصيف في شكل رحلات استكشافية للجنوب التونسي، تبقى الوحدات السياحية شاغرة لفترة طويلة من السنة، خاصة في السنوات الأخيرة (بعد 2011)، مع التراجع الكبير في توافد السياح الأجانب على السياحة الشاطئية التي استفادت من سياحة الجزائريين (بديلا لتوافد السياح الأوروبيين).
أما تقييمنا لمدى تثمين بقية المقومات الطبيعية، فقد أبرز خاصة محدودية استغلال المياه الحارة في مشاريع للسياحة الاستشفائية بواسطة المياه المعدنية، رغم تعدد الدراسات المحلية و الدولية التي تحث على تثمين تلك الثروة المائية في مشاريع الطب البديل، خاصة أن مثل هذه المشاريع لا تواجه منافسة مثل السياحة الاستشفائية التي تعتمد على مياه البحر بالمناطق الساحلية التي تواجه منافسة عدة بلدان في العالم كفرنسا. تتميز مياه أعماق هذه المنطقة بارتفاع نسبة الأملاح المعدنية بها و بوفرتها كما تمكن رسكلتها و إعادة استغلالها في القطاع الفلاحي.
أما تقييمنا لمدى تثمين المقومات الثقافية، فقد أبرزترك المعهد الوطني للتراث بعض المواقع الأثرية بهذه المنطقة بالإرجاء المتواصل للحفريات، رغم توفر عدة دراسات وبحوث تعود حتى للحقبة الاستعمارية تؤكد ثراء المخزون الحضاري والآثار التي تغمرها الرمال. وتوقف الحفريات في موقع الكنيسة البيزنطية الذي تم اكتشافه أخيرا أكبر دليل على ترك هذا المعهد المخزون الأثري لهذه المنطقة، حيث تأخرت الحفريات به أكثر من 17 سنة، و قد تعرّض للتخريب من طرف بعض المنحرفين الذين يعتقدون أنه يحوي الكنوز. ينطبق هذا الاستنتاج أيضا على موقع قبّه الذي يعتقد أنه مركز مدينة Thiges القديمة، الذي بقي مهملا وسط الواحة لأسباب عقارية، حيث يعارض مالكو الواحة التي يمتد بها هذا الموقع الحفريات.
كما لم يتم حتى الآن إدراج هذه الحديقة الوطنية بدغومس ضمن الدورة السياحية للجنوب التونسي التي تنطلق من جزيرة جربة نحو الجنوب الغربي، حتى أن كثير من وكالات الأسفار المحلية والدولية لا تعلم بوجودها، بسبب غياب الدعاية الكافية، حتى لدى وسائل الإعلام التي تهتم بالسياحة البيئية والثقافية في العالم. من الممكن أيضا أن يساهم تنوعها البيولوجي في استقطاب العلماء والباحثين في المجال الجغرافي و البيئي.
2- انعكاسات النمو المحتمل للنشاط السياحي على الأنشطة الاقتصادية
1.2- انعكاسات نمو النشاط السياحي المحتمل على النشاط الفلاحي
يرى البعض أنه رغم محدودية امتداد المؤسسات السياحية بمنطقة دقاش، تسبب النشاط السياحي في عدة تحولات شهدتها واحاتها في مشاهدها و هياكلها العقارية وإنتاجها. في بعض هذه الواحات كانت هذه التحولات جزئية أو طفيفة وفي البعض الآخر كانت شاملة.
من خلال بحثنا الميداني، لاحظنا أن الواحات التي تحولت إلى وحدات للإيواء والتنشيط السياحي، كانت أفضل من بقية الواحات المحيطة بها، من حيث التنظيم (الري و بقية المدخلات الفلاحية) واخضرار ونمو الأشجار وتنوعها وإنتاجها. وباستفسارنا، أكّد لنا أصحاب هذه المشاريع هذه الملاحظات، حيث عمل بعضهم على إعادة غرس عدة أنواع جديدة من الأشجار المثمرة وأشجار الزينة في واحاتهم، بعد أن كان إنتاجها يقتصر على التمور وأحيانا بعض الزياتين، وعمل البعض الآخر على إعادة زرع كل أنواع الخضر بطريقة بيولوجية في واحته لتوفير الغذاء للمقيمين بها و بذلك يحقق اكتفاءه الذاتي بالعودة إلى العادات القديمة في الزراعة التي تخلت عنها جل الواحات بالمنطقة بعد تراجع مخزونها المائي[5]. كما أكّد هؤلاء أيضا أن إنتاج جل هذه الواحات التي تحولت إلى وحدات سياحية، سجّل تنوعا و ارتفاعا هاما، مقارنة بإنتاجها السابق. بما أن القطاع السياحي مستهلك كبير للمواد الغذائية، بإمكانه دفع فلاّحي المنطقة للرفع من إنتاجهم وتنويعه لتلبية حاجياته الغذائية، مما قد يعيد الحياة للتنوع الزراعي الذي كان يميز هذه الواحات قديما، زمن وفرة الموارد المائية من العيون.
جدول 2- خصائص الوحدات السياحية بمنطقة دقاش و مجالها الترابي
طاقة الإيواء | الصنف | مالك الوحدة | تاريخ التأسيس | مجالها | الوحدة السياحية |
82 سرير | مخيم | بلدية دقاش | 1988 | الواحة القديمة | بدوينا |
خيام و مأوى مجهز | مخيم للشباب | الطاهر بادي | 2004 | الواحة الجديدة | القطيف |
6 إقامات | إقامة ريفية | رضا البوعبيدي | 2017 | الواحة القديمة | دار نانو |
5 إقامات | إقامة ريفية | مقيمة بالخارج | 2018 | الواحة الجديدة | النور صحراء |
60 سرير | مضيف للشباب | بلدية دقاش | 1986 | المركب الرياضي | مضيف الشباب |
المصدر: بحث ميداني 2019-2020.
من خلال هذا الجدول نستنتج أن جل الوحدات السياحية بمنطقة دقاش قد تم إنجازها داخل الواحات القديمة أو الحديثة، وهي تحتل منها الجزء الأكبر (تتراوح مساحة هذه الواحات بين 1 و 3 هكتارات لا غير) ويتعايش النشاط السياحي فيها مع النشاط الفلاحي.
لاحظنا أيضا أن القطاع الفلاحي قد استفاد من تهيئة وصيانة وتنوير المسالك الفلاحية المؤدية خاصة لهذه المؤسسات السياحية التي قام بها أصحابها من نفقاتهم الخاصة واستفاد منها بقية أصحاب الواحات التي تعبرها تلك المسالك، خاصة في تزويدها بالأسمدة ونقل إنتاجها.في المقابل عبّر البعض الآخر، خاصة الذين يدافعون عن البيئة و يدعون للمحافظة على المشاهد الطبيعية للواحات، عن امتعاضهم من أسمنتتها و تشويه مشاهدها بالبناءات والتجهيزات الدخيلة التي قد تحوي موادا بلاستيكية وكيميائية مضرة بالبيئة الهشة لهذا الوسط، والأمثلة عديدة لهذه التجهيزات، نذكر منها مثلا استعمال الآجر في البناء وأنواع عديدة من المواد و الدهن في التزويق واستعمال أرضية مطاطية لإنجاز ملعب متعدّد الإختصاصات بالإقامة الريفية “دار نانو” عوض العشب الطبيعي.
صورة 9- أرضية مطاطية لملعب متعدّد الإختصاصات بالإقامة الريفية “دار نانو”
المصدر: تصوير شخصي 2020.
من أهم الانعكاسات السلبية أيضا لنمو النشاط السياحي المحتمل على النشاط الفلاحي نذكر المنافسة على اليد العاملة، حيث يستقطب حاليا النشاط السياحي خاصة في مدينة توزر عددا كبيرا من شبان منطقة دقاش الذين ينفرون العمل الفلاحي الذي يكون أكثر مشقة وأجوره ضعيفة، مقارنة بالعمل السياحي، رغم اشتراكهما في الموسمية التي تكون أقل حدة في النشاط السياحي. رغم أهمية هذه الحركية في سوق الشغل في هذه المنطقة التي تشكو نسب بطالة عالية و محدودية مستوى تكوين الشبان، نظرا لمحدودية مراكز التكوين المهني بها، قد تهدد تلك الحركية عزوف الشبان عن العمل الفلاحي واندثار بعض المهارات في العناية بالواحة. دفع نفور الشباب للعمل الفلاحي منتجي التمور، خلال موسم جنيها، إلى استجلاب اليد العاملة من المدن المنجمية بولاية قفصة التي تسجل أعلى نسب البطالة في البلاد، وحتى من مدن و أرياف ولايتي سيدي بوزيد والقصرين. رغم أن النشاط الفلاحي الواحي يميز منطقة دقاش، إلا أن نسبة النشيطين في هذا القطاع لم تتجاوز 18.8 % من جملة النشطين بهذه المدينة سنة 2014[6]. يعكس ضعف هذه النسبة نفور اليد العاملة من العمل الفلاحي الواحي الذي أصبح يقتصر عن إنتاج التمور الذي لا يحتاج ليد عاملة وفيرة باستمرار طيلة السنة، إذ يقتصر على فترة تلقيح النخيل “الذكار” في شهر مارس وجني التمور في شهري أكتوبر ونوفمبر. ومن المرجح أن يتسبب مزيد تكثيف النشاط السياحي بهذه المنطقة في مزيد تراجع هذه النسبة، نظرا لانتقال عدد هام من اليد العاملة، خاصة الشابة، للعمل بالنشاط السياحي الذي يتميز بارتفاع أجوره ورفاهية ظروف العمل به مقارنة بالعمل الفلاحي الشاق.
2.2- انعكاسات نمو النشاط السياحي المحتمل على النشاطين الصناعي و الخدمي
1.2.2- نسيج صناعي تهيمن عليه صناعات مرتبطة بالتمور
ذكرنا في بداية هذا المقال تصنيف دقاش في كل أمثلة التهيئة الترابية “مدينة صناعية“، لكن هذه التسمية لم تصبح مطابقة لها إلا في السنوات الأخيرة، بعد بعث عدة مشاريع للنسيج الموجه للتصدير، و ارتفاع عدد النشيطين في الصناعة المعملية الذي ارتفع من 381 نشيط سنة 2014 إلى 2410 نشيط سنة 2018، أي تضاعف أكثر من 6 مرات، بنسبة نمو مرتفعة (532.5 %)، خلال أربع سنوات فقط، يتكون أساسا من الإناث. رغم ذلك لا يمكننا الحديث عن التصنيع الفعلي لهذه المدينة، لأن توزيع المؤسسات الصناعية حسب القطاعات يبرز هيمنة الصناعات الغذائية والفلاحية التي تستأثر بـ 99 مؤسسة من العدد الجملي للمؤسسات (119 مؤسسة)، أي بنسبة 83.2 %، وهي لا تتعدى أن تكون مؤسسات لخزن وتحويل وتكييف التمور، أما نسبة مؤسسات صناعة النسيج الموجه كليا للتصدير فلا تتجاوز 5.9 % من مجموع عدد المؤسسات الصناعية.
جدول 3- توزع المؤسسات الصناعية حسب القطاعات بدقاش سنة 2018
القطاعات | العدد | % |
الصناعات الغذائية و الفلاحية | 99 | 83.2 % |
صناعة مواد البناء و الخزف و البلور | 1 | 0.8 % |
صناعة النسيج و الملابس و الجلود | 7 | 5.9 % |
صناعات مختلفة | 2 | 1.7 % |
الخدمات الصناعية | 10 | 8.4 % |
المجموع | 119 | 100 % |
المصدر: وكالة النهوض بالصناعة والتجديد. ديوان تنمية الجنوب. ولاية توزر بالأرقام 2018.
تبرز محدودية تصنيع هذه المدينة أيضا من خلال صغر المساحة المخصصة بها للمناطق الصناعية، حيث لا تتجاوز مساحة المناطق الثلاث المتباعدة بهذه المدينة 20 هك، موزعة كالآتي:
– المنطقة الصناعية القديمة بدقاش: 10 هك موزعة على 5 مقاسم. تمتد بمحاذاة الطريق الجهوية عدد 106.
– المنطقة الصناعية للمجلس الجهوي بكستيليا: 5.8 هك موزعة على 7 مقاسم. تمتد بمحاذاة الطريق الجهوية عدد 106.
– المنطقة الصناعية ببوهلال: 4 هك موزعة على 8 مقاسم. تمتد بمحاذاة الطريق الوطنية عدد 16.
كما لم تتجاوز قيمة الاستثمارات الصناعية الجملية بهذه المدينة: 55840 ألف دينار، منها 38640 ألف دينار (69.2 %) في المؤسسات المصدرة كليا، التي وصل عددها إلى 27 مؤسسة حتى سنة 2018.
من خلال هذه المعطيات التي تخص النسيج الصناعي، نستنتج أن هذا القطاع غير قادر على الاستفادة من النمو المحتمل للنشاط السياحي بهذه المدينة، خاصة أن جل الصناعات متخصصة في خزن وتحويل التمور وفي النسيج، وجلها مصدرة. تحتاج هذه المنطقة إلى صناعات غذائية وتجهيزية متنوعة لتوفير حاجيات نمو النشاط السياحي المحتمل، على غرار المدن السياحية بالمناطق الساحلية مثلا.
قد تعجز هذه المدينة أيضا حتى عن الاستفادة من إقبال السياح على شراء منتوجات الصناعات التقليدية، لأنها لا تحتوي إلا على 5 مؤسسات صغيرة جدا للصناعات التقليدية، لا تشغّل سوى 68 حرفيا (67 منهم إناث)، 31 منهم فقط متحصل على شهادة الكفاءة المهنية. كما لا يوجد بهذه المدينة ولو مركز وحيد للتكوين في تلك الصناعات،على غرار بقية مدن ولاية توزر (توزر 10 مراكز، تمغزة 9 مراكز، نفطة 8 مراكز و حزوة مركزان). كما لا توجد بها متاجر متخصصة في بيع منتوجات الصناعات التقليدية التي قد تستقطب السياح.رغم ثراء الموروث الحضاري والثقافي لمجتمع هذه المنطقة الذي لا يزال جزء كبير منه متجذر في أصالته، لم يتم استثمار ذلك الموروث وبراعة أيادي الحرفيين الذين لا يزال عدد كبير منهم ينتج في إطار منزلي ضيّق.
في نطاق مشروع التنمية المندمجة بمدينة دقاش تمت برمجة إنجاز حي حرفي يضم 6 ورشات للإنتاج وقاعة تكوين وعرض كما سيتم إحداث رواق لترويج منتوجات الصناعات التقليدية يشتمل على 8 محلات بقيمة جملية للمشروعين تقدر بـ 550 ألف دينار.
ذكرنا في بداية هذا الجزء المخصص للصناعة الارتفاع المتسارع لعدد اليد العاملة، الذي قد يحرم النشاط السياحي جزءا من النشيطين الشباب الذي يتميز بمستوى تعليمي جيد، رغم تواصل وجود هذا النوع من النشيطين ضمن الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل في هذه المدينة. من ناحية أخرى يساهم مرور اليد العاملة الشابة على القطاع الصناعي قبل الإلتحاق بالنشاط السياحي فرصة لاكتساب الخبرة في العمل المؤسساتي في القطاعات الصناعية العصرية.
2.2.2- هيمنة الإدارة على الأنشطة الخدمية
تنطبق الملاحظة الأخيرة الواردة في الجزء المخصص للصناعة أيضا على الأنشطة الخدمية التي استقطبت 60.4 % من مجموع النشيطين بالمدينة سنة 2014، لكن لو احتسبنا هذه النسبة بعد النمو الكبير لنصيب الصناعة في سنة 2018، سنجدها قد تراجعت كثيرا.
جل النشيطين في هذا القطاع يعملون في الإدارة، خاصة في مدينة توزر التي تستقطب جزءا كبيرا منهم في حركة ذهائيابية يومية كثيفة، نظرا لقرب المسافة بين المدينتين. هذه الحركة تشمل أيضا جل العاملين في الأنشطة الخدمية الأخرى كالتجارة والنقل و السياحة… مما تسبب في ضعف هذه الأنشطة بمدينة دقاش، حيث تفتقر إلى عدة أنواع من التجارة خاصة النادرة، ولا يتعدى بها عدد وحدات تجارة الجملة 5 وحدات تتخصص كلها في المواد الغذائية، لذلك يتحول سكان هذه المدينة إلى توزر لاقتناء جل حاجياتهم من ملابس و تجهيزات منزلية…
أما في قطاع النقل، و أمام ضعف مساهمة النقل العمومي في نقل المسافرين، انتعش النقل الخاص، خاصة سيارات الأجرة (اللواج) التي وصل عددها إلى 64 سيارة، جله يؤمن النقل إلى مدينة توزر، و22 تاكسي و3 سيارات للنقل الريفي تربط المدينة بالقرى الأربع التابعة لها وبحامة الجريد. يبرز ضعف قطاع النقل أيضا بهده المدينة من خلال توفر وكالة أسفار وحيدة، تتوقف عن النشاط تارة و تعود إليه كلما توفر الطلب عند ذروة توافد السياح على منطقة الجريد.
جدول 4- توزع النشيطين حسب القطاعات بمدينة دقاش سنة 2014
% | العدد | القطاعات |
18.8 % | 1469 | الفلاحة |
4.9 % | 381 | الصناعات المعملية |
3.1 % | 244 | الطاقة و المناجم |
12.7 % | 991 | البناء و الأشغال العامة |
60.4 % | 4723 | الخدمات |
0.1 % | 12 | غير مصرح |
100 % | 7820 | المجموع |
المصدر: ولاية توزر بالأرقام 2018. ديوان تنمية الجنوب.
قد يضفي نمو النشاط السياحي حركية كبرى على كل الأنشطة الخدمية بالمدينة التي لا تزال متواضعة. كما يمكنها أن تستفيد من قربها من مدينة توزر ومطارها وتجهيزاتها السياحية للتزود بالسياح وقربها من الحدود الجزائرية، حيث يتوافد كل سنة معدل 800 ألف جزائري من خلال نقطة العبور الحدودية البرية بحزوة ويعبرون مدينة دقاش نحو بقية المدن الساحلية. لو تتوفر بهذه المدينة وحدات إيواء وتنشيط سياحي، يمكن استقطاب هؤلاء السياح ولو لفترة قصيرة قبل تحولهم إلى وجهات أخرى.
في إطار تنويع قطاع الخدمات وتحديثه في هذه المدينة واندماجها فيميدان الإقتصاد الرّقمي، قامت وزارة تكنولوجيات الإتصال والإقتصاد الرّقمي، في نطاق مشروع التنمية المندمجة بمدينة دقاش وما يسمى بـ “توزر الذكية“، بإنجاز مركز للعمل عن بعد Cyberparc بكلفة 1.1 مليون دينار للمستخدمين والباعثين الشبان واحتضان المؤسسات الناشطة في مجال تطوير البرمجيات ومواقع الواب والتصميم باستعمال الحاسوب واستقطاب عديد الشركات في ميادين السياحة البيئية والتنمية المستدامة و ريادة الأعمال.
بدأ هذا المركز في النشاط مند نهاية سنة 2019 وحتى شهر مارس 2020 تمّ إشغال 6 مكاتب بهذا المركز الذي يحتوي على 8 مكاتب، منهم شركات محلية وأجنبية كشركة Allisone الفرنسية التي تعتزم تكوين كفاءات تونسيّة وخلق مئات فرص الشغل في المنطقة.
صورة 10- مركز العمل عن بعد « Cyberparc » بدقاش
المصدر: تصوير شخصي 2020.
قبل أن نختم هذا العنصر المخصص للأنشطة الخدمية بهذه المنطقة، يجب أن نشير أن الإحصائيات المتوفرة بالمندوبية الجهوية للسياحة بتوزر لا تدرج إحصائيات تخص الوحدات السياحية القليلة بمنطقة دقاش. حتى بالرجوع للإحصائيات القديمة (خلال التسعينات من القرن العشرين) نستنتج أن المؤسسة السياحية الوحيدة التي كان يرد ذكرها في الإحصائيات الخاصة بالمخيمات السياحية هي “مخيم بدوينا” الذي لا تتجاوز طاقة استقباله للسياح 80 سريرا. مع الإشارة إلى أن هذا المخيم قد تم غلقه لفترة طويلة وحتى بعد عودته للنشاط منذ سنة 2006 اختفى نشاطه من الإحصائيات الرسمية للمندوبية الجهوية للسياحة بتوزر.
3- الانعكاسات الاجتماعية والبيئية لنمو النشاط السياحي المحتمل
1.3- الانعكاسات الاجتماعية للنمو المحتمل للنشاط السياحي
تعتبر السياحة من أهم القطاعات الاقتصادية التي تساهم في تحسين أوضاع عيش السكان وتوفير مواطن الشغل المباشرة وغير المباشرة واستقطابها من مناطق أخرى.فهل سينجح النمو المحتمل للسياحة في هذه المنطقة في تحقيق هذه الأهداف؟
سننطلق من مثال حي لانعكاسات انجاز الحديقة الوطنية بدغومس على الوضع الاجتماعي لسكان هذه القرية الأكثر تهميشا في هذه المنطقة و يعود ذلك، حسب رأينا، إلى اختلاف أصول سكان هذه القرية، مقارنة ببقية سكان منطقة الجريد عامة وسكان مدينة دقاش و القرى الثلاث الملتصقة بها خاصة. سكان قرية دغومس رحّل استقروا منذ السبعينات في سافلة جبال الشارب للتخصص في تربية الماشية (أغنام، معز و جمال) و لتثبيتهم قامت الدولة بمنح بعض السكان أراضي فلاحية صغيرة لغراسة النخيل، تحوّل عدد منها في السنوات الأخيرة لزراعة الباكورات تحت المحميات البلاستيكية لتثمين المياه الحارة الوفيرة بهذه المنطقة.
في بداية الإعداد لانجاز الحديقة سنة 1995 عارض السكان بشدة ذلك المشروع لأنه يحرم ماشيتهم من مجالات شاسعة للمرعى من سافلة جبال الشارب حتى تخوم شط الجريد، لكن السلط الجهوية نجحت في إقناعهم بأهمية هذا المشروع الذي سيستفيدون منه أيضا. وللوفاء بوعودها قامت هذه السلط بصرف القسط الأول من الهبة التي وفرها صندوق البيئة العالمية عن طريق البنك العالمي في تحسين ظروف عيش السكان من خلال إحداث مواطن رزق (منح بعض رؤوس الأغنام لبعض الأسر و الأعلاف وبعض مشاريع النسيج اليدوي في المنازل لبعض النسوة) وتشجيع بيع منتوجاتهم في الأسواق. كما قامت بتوظيف 50 عاملا من أصيلي القرية في الحديقة.
بعد نهاية انجاز هذه الحديقة وبداية نشاطها الفعلي سنة 2010، بدأ شباب هذه العمادة يتذمرون من غياب مردوديتها السياحية والتنموية والاقتصادية، خاصة أن السلط الجهوية قد وعدتهم بإدراج الحديقة ضمن مسار الدورة السياحية للجنوب الغربي. كما أن إطار عيش السكان لم يتحسن ولا تزال القرية تفتقر إلى كل التجهيزات الضرورية، حيث لا تحتوي إلا على مدرسة إبتدائية ومستوصف ومكتب بريد. أما المساكن فقد حافظت على نمطها الريفي الذي يتعايش فيه السكان مع تربية الماشية، مما قد يتسبب في عدة أمراض. تنطبق ملاحظة هذه الأوضاع المعيشية على جل الأحياء في القرى الملحقة بمدينة دقاش وحتى بعض المساكن في هذه المدينة.
صورة 11- مشهد لمسكن متدهور يحتوي على إسطبل من أغصان الأشجار لتربية الماشية بدغومس
المصدر: تصوير شخصي 2020.
النمو المحتمل للنشاط السياحي في هذه المنطقة قد يستقطب عددا من النشيطين العاطلين عن العمل، حيث سجلت هذه المدينة نسبة بطالة وصلت إلى 17 % وهي من أعلى تلك النسبة في ولاية توزر (15.5 %) التي تقترب من المعدل الوطني سنة 2014. تشمل هذه البطالة خاصة النشيطين من حاملي الشهادات الجامعية، حيث تبلغ نسبة العاطلين اللذين درسوا في التعليم العالي 32 % (لا تتجاوز نسبتهم حسب توزع السكان حسب المستوى التعليمي 9.4 %)، كما تبلغ نسبة الذين مستواهم التعليمي ثانوي من مجموع النشيطين العاطلين عن العمل 40.7 %، وبجمع هاتين النسبتين نستنتج أن 72.7 % مؤهلين للعمل في النشاط السياحي، حيث أثبتت كل الدراسات أن نسبة هؤلاء تكون عادة هي الأعلى في التوظيف في هذا النشاط.
جدول 5- توزع العاطلين عن العمل حسب المستوى الدراسي بمدينة دقاش سنة 2014
% | العدد | المستوى الدراسي |
32 % | 512 | التعليم العالي |
40.7 % | 650 | التعليم الثانوي |
27.3 % | 437 | تعليم إبتدائي و أميون |
100 % | 1599 | المجموع |
17 % | نسبة البطالة |
المصدر: ولاية توزر بالأرقام 2018. ديوان تنمية الجنوب.
من خلال المعطيات التي وفرها مكتب التشغيل والعمل المستقل بدقاش، استنتجنا ضعف مستوى التشغيلية بهذه المدينة، نتيجة لضعف تنوع نسيجها الاقتصادي، حيث لم يتم توظيف سوى 17 إطارا و 230 من غير الإطارات من العاطلين سنة 2018، جلهم في قطاع النسيج، بينما وصل عدد طلبات الشغل إلى 1777 طلبا، أي بنسبة توظيف لم تتجاوز 13.9 %.
رغم عدم قدرة هذه المدينة على توفير مواطن الشغل، سجلت خلال الفترة 2009-2014 فائضا هجريا بـ 264 شخصا[7]، عكس ولاية توزر التي سجلت حاصلا هجريا سلبيا (-149 شخصا)، خلال نفس الفترة. يحتاج هذا الحاصل الهجري الإيجابي للتحليل. لا يعكس هذا الحاصل حركية هجرية[8] بهذه المدينة، حيث لا تتجاوز نسبتها 6.9 %،أي أقل بكثير من مدينة توزر التي وصلت بها هذه النسبة إلى 10.4 %. يعكس هذا الفارق الحركية الاقتصادية التي تكون أكثر أهمية في مدينة توزر التي تتميز بنسيج اقتصادي أكثر تنوعا و حركية يستفيد منها خاصة سكان مدينة دقاش التي يشتغل عدد كبير من نشيطيها في مدينة توزر، كما ذكرنا سابقا وبينّا أسباب ذلك الاستقطاب أو تلك الجاذبية. نضيف لتلك الأسباب رغبة عدد كبير من الوافدين على منطقة الجريد في الإقامة بدقاش والتنقل للعمل في توزر، نظرا لارتفاع القيم العقارية (شراء وكراء) في مدينة توزر مقارنة بمدينة دقاش. يؤكد استنتاجنا هذا الحاصل الهجري بين المعتمديات داخل ولاية توزر، حيث سجلت مدينة دقاش حاصلا إيجابيا بـ 76 شخصا، بينما سجلت مدينة توزر حاصلا سلبيا بـ – 316 شخصا.
من خلال هذا التحليل، تتأكد حاجة هذه المدينة إلى تنويع نسيجها الاقتصادي، ربما من خلال النمو المحتمل للنشاط السياحي الذي يساهم في نمو كل الأنشطة الاقتصادية دون استثناء، مما يزيد من إكساب هذه المدينة قدرة على استقطاب المهاجرين خاصة من المدن المنجمية القريبة التي تشهد تأزم قطاعها المنجمي، حتى أن عددا كبيرا من أصيلي هذه المدينة الذين هاجروا منذ الستينات و السبعينات من القرن الماضي نحو تلك المدن، بدؤوا في العودة إلى مدينتهم الأصلية.
2.3- الانعكاسات البيئية للنمو المحتمل للنشاط السياحي
يتسبب امتداد مدينة دقاش في منطقة صحراوية تتسم بقساوة ظروفها المناخية وندرة الترب الخصبة والمياه في هشاشة بيئتها التي يتهددها التصحر ونفاذ مواردها الطبيعية النادرة، وخاصة موروثها الفلاحي الواحي الذي بدأت المشاريع السياحية تغزو جزءا منه وتغيّر ملامحه. رغم هشاشتها، لا تزال هذه المنطقة تختزن موارد طبيعية يمكن تثمينها في النشاط السياحي خاصة، وفي التنمية المحلية عموما.
كما ذكرنا سابقا، تتركز بواحة دقاش 4 وحدات للإيواء والتنشيط السياحي، تسببت في تشويه المشهد الطبيعي للواحة بالبناءات الإسمنتية واستعمال المعادن و البلاستيك في تجهيزاتها المختلفة، بدعوى أنها أكثر رفاهية للسائح، والحال أن هذا الأخير يتردّد على مثل هذه الوحدات للاستمتاع بمشهدها الطبيعي والتعرف على عادات سكان تلك المنطقة في البناء والتزويق باستعمال المواد الطبيعية المتوفرة بالواحة كخشب النخيل وجريدها وسعفها… ما استرعى انتباهنا هو نسج بعض الفلاحين في هذه المدينة على نحو الباعثين السياحيين بتحويل أجزاء من واحاتهم إلى مساكن للإقامة العرضية استعملوا في بنائها مواد البناء الحديثة من آجر وإسمنت وخزف وقضبان حديدية للأسوار…في مشهد مشوّه جدا للواحة.
النمو المحتمل للنشاط السياحي بهذه المنطقة قد يفاقم من هذه الظاهرة التي تهدد هذا المخزون البيئي والحضاري لهذه المنطقة التي حافظت لفترة طويلة من الزمن على تميّز خصائصها التي يمكن استثمارها في تنويع النشاط السياحي دون تشويه بيئتها الهشة باستعمال مواد بناء دخيلة و مواد أخرى كيميائية مضرة بالوسط الواحي الهش.
رغم أن توافد السياح على وحدات الإقامة المركزة بالواحات ليس بكثافة، خاصة في السنوات الأخيرة التي تزامنت مع تأزم النشاط السياحي في البلاد، إلا أنه يهدد التوازن البيئي لهذه الواحات وينذر بالاستهلاك المفرط لمواردها، خاصة المياه النادرة أصلا في هذه المنطقة الجافة؛ لذلك وجب على وزارة السياحة وضع مقاييس وحدود يمنع تجاوزها لاستغلال هذا الوسط الطبيعي الهش في النشاط السياحي.
صورة 12- تشويه المشهد الواحي بغزو البناءات الإسمنتية
المصدر: تصوير شخصي 2020.
يتمثل الوسط الطبيعي الثاني الذي يهدده النمو المحتمل للنشاط السياحي في شط الجريد الذي يهيمن على المساحة الجملية لمعتمدية دقاش و الذي يتكثف استغلاله في النشاط السياحي من كل المدن المحيطة به في ولايتي قبلي و توزر.
في مستوى منطقة دقاش، استنتجنا تناقضا كبيرا بين رغبة البلدية في إعلان دقاش مدينة سياحية، من ناحية و إصرار هذه البلدية على استغلال شط الجريد كمصب مؤقت للنفايات المنزلية، من ناحية أخرى: علمنا من الإدارة العامة للبيئة و جودة الحياة بتوزر أنها خصصت لبلدية دقاش مصبا مراقبا للنفايات المنزلية في منطقة الهضاب المرتفعة بين دقاش و حامة الجريد، لكن بلدية دقاش رفضت استغلال ذلك المصب بتعلة بعده عن المدينة و عدم توفر وسائل لنقل النفايات إليه وعمدت، في تجاوز صارخ لكل القوانين البيئية، لصب النفايات المنزلية في شط الجريد، رغم بعده أيضا عن المدينة. لحل هذا المشكل تدخلت ولاية توزر ونجحت في إقناع بلدية دقاش بأن هذا الموقع الطبيعي المصنف “موقعا Ramsar” منذ سنة 2007 كملجإ لعدة أنواع من الطيور المهاجرة وموردا وطنيا لاستخراج الملح تهدده عدة مخاطر بيئية كالتلوث.
أما الوسط الطبيعي الثالث الذي قد يتضرّر من النمو المحتمل للنشاط السياحي، فيتمثل في الحديقة الوطنية بدغومس التي تستعد لاستقبال أعداد كبيرة من السياح والزائرين من تلاميذ و طلبة و باحثين… دون تجاوز طاقة استيعابها مع حماية مكوناتها من حيوانات و نباتات ومواقع أثرية وتجهيزات… خاصة أن هذه الحديقة تواجه عدة مخاطر بيئية تتمثل خاصة في انجراف جل سفوح جبالها، رغم امتدادها في منطقة جافة، مما جعلها تشكو تدهورا في غطائها النباتي الذي يتسبب في تراجع المرعى لعدة حيوانات خاصة من الأصناف التي تمّ إدماجها في الحديقة و التي لم تتعود الرعي الطبيعي الذاتي.
مثل كل الحدائق الوطنية بالبلاد التي لم يتم استغلالها حتى الآن في تنويع النشاط السياحي والنهوض بالسياحة الإيكولوجية أو البيئية التي تلقى رواجا في عدة بلدان سياحية في العالم. لا تزال هذه الحديقة غير مدرجة ضمن الدورة السياحية بالجنوب التونسي، رغم موقعها المميز بين قطبي السياحة الصحراوية، دوز وتوزر، ورغم التنوع البيولوجي الذي يميزها ويستقطب عددا كبيرا من الباحثين. تحتاج الحديقة الوطنية بدغومس للتثمين السياحي دون الإضرار بهذه الثروة البيئية بالمنطقة وقد بدأت في استقبال أعداد قليلة من الزائرين المحليين، خاصة من الجمعيات الجهوية وبعض السياح الذين لا تزال أعدادهم محدودة لغياب الدعاية الكافية لهذه الحديقة لدى وكالات الأسفار العالمية و الوطنية.
إقتصر عرضنا للمخاطر البيئية التي قد تنتج عن النمو المحتمل للنشاط السياحي على 3 أوساط طبيعية، إرتأينا أنها الأكثر هشاشة، لكن هذه المنطقة تتوفر على عدة ثروات طبيعية يمكن تثمينها لتحقيق تنميتها كإنجاز محطة لتوليد الطاقة الشمسية، على غرار تلك التي تم إنجازها بتوزر،كما يمكن تثمين المياه الأحفورية الحارة في عدة مشاريع للسياحة الاستشفائية التي أصبحت في السنوات الأخيرة تستقطب أعدادا كبيرة من السياح، خاصة المسنين و الذين يبحثون عن رفاهة العيش.
تحوي أعماق أرض هذه المنطقة كميات هامة من المياه الأحفورية الحارة المعدنية التي بدأت الدولة باستخراجها من الموائد العميقة الغنية بهذه المياه التي لا يزال استغلالها محدودا نظرا للتكاليف الباهضة التي تستوجبها عمليات الحفر. حسب وزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية، قدرت موارد منطقة الجريد من مائدة القاري الوسيط بـ 100.8 مليون م3 ومن مائدة المركب النهائي بـ 33.5 مليون م3. تتراوح حرارة المياه المستخرجة من هاتين المائدتين بين 22 و 75 درجة مائوية و تتميز بدرجة ملوحة مرتفعة تتجاوز عامة 7 غ/ل مما يجعل هذه المياه صالحة كيميائيا لعلاج عدة أمراض للمفاصل.
يقتصر استغلال هاته المياه حاليا على القطاع الفلاحي بعد تبريدها لسقي الواحة وفي تسخين البيوت المحمية لزراعة الباكورات، أما استغلالها في الميدان الطبي والعلاج الطبيعي فلا يزال في شكل دراسات لمشاريع يرغب بعض الباعثين في مجال الصحة والسياحة بعثها بالمنطقة. باستثناء وجود حمامين شعبيين تقليديين بالمحاسن و ببوهلال، تستغل المياه الساخنة منذ سنوات لاستقبال سكان المنطقة والجريد عامة وعدد كبير من سكان المدن المنجمية من ولاية قفصة خاصة في فصل الشتاء.
الاهتمام المتزايد في السنوات الأخيرة للتونسيين وللسياح الأجانب بالعلاج عن طريق المياه المعدنية الحارة يمثل فرصة هامة لتسويق مشاريع محطات العلاج الاستشفائي بواسطة المياه المعدنية المتوفرة بالمنطقة.
تسعى مدينة دقاش للإندماج في الدورة السياحية للجنوب الغربي التونسي والنشاط السياحي الوطني عموما، وهو أمر بديهي و مشروع، لكن وجب الاستعداد له وتوفير بنية حضرية وسياحية تضمن هذا الاندماج لتحقيق التنمية المحلية لمدينة تفاقم حملها الحضري والتنموي بعد توسعها على القرى الأربع القريبة منها وتفاقمت تبعيتها لمدينة توزر في كل التجهيزات والأنشطة، حتى السياحية. النمو المحتمل للسياحة في هذه المدينة، قد يدعم وحدات الإيواء والتنشيط السياحي المركزة بالمدينة و منطقتها عامة، لكن أهميته تكمن أكثر في استغلال و تثمين موارد أخرى تميز هذه المنطقة لتحقيق التنمية المحلية، دون إلحاق الضرر ببيئتها الهشة.
fathyboulifa@gmail.com
المصادر و المراجع
بالعربية:
التيجاني أبو محمد عبد الله بن محمد أحمد.، 1958، 1306- 1308: رحلة التيجاني؛نشريات كتابة الدولة للتربية القومية و الشباب
و الطفولة؛ ص 137- 160.
المعهد الوطني للإحصاء.، 2014، توزر من خلال التعداد العام للسكان و السكنى لسنة 2014؛ 128 ص.
وزارة التنمية والإستثمار والتعاون الدولي.، 2016،مخطط التنمية2016-2020،المجلد الثاني: المحتوى الجهوي؛ ص ص 255-266.
وزارة التنمية والإستثمار والتعاون الدولي،ديوان تنمية الجنوب.، 2020، ولاية توزر بالأرقام 2018؛ 195 ص.
بالفرنسية:
AGENCE NATIONALEDE PROTECTIONDEL’ENVIRONNEMENT. ; 2010, Indicateurs du tourisme durable en Tunisie ; Edition 2010 ; 33 p.
BOULIFA F., 2010, Le tourisme saharien et le développement régional dans le Sud-Ouest Tunisien ;Thèse de doctorat, F.S.H.S. ; Tunis ; 619 p.
DUVEYRIER H.,1905, Sahara algérien et tunisien. Journal de route. Publié et annoté par Ch. Maunoir et H. Schirmer, A. Challamel ; Paris ; 266 p.
GUERIN V., 1862, Voyage archéologique dans la régence de Tunis ;, Hachette livre BNF, 2012 ;Paris ; (T1, 452 p et T2, 398p) ;
MINISTEREDEL’ENVIRONNEMENTETDU DEVELOPPEMENT DURABLE., 2016, Direction Générale de l’Environnement et de la Qualité de la Vie ; Projet, écotourisme et conservation de la biodiversité désertique en Tunisie. Parc national de Dghoumes ; 16 p.
MINISTEREDEL’ENVIRONNEMENTETDU DEVELOPPEMENT DURABLE., 2016, Projet « Gestion durable des Ecosystèmes Oasiens : Renforcement des capacités pour la gestion durable des écosystèmes oasiens. Monographie des oasis traditionnelles du gouvernorat de Tozeur »,Rapport final ; Septembre 2016 ; 423p.
THOMAS PH., 1905, Essai d’une description géologique de Tunisie, 1ère partie : Aperçu sur la géographie physique. D’après les travaux des membres de la mission d’exploration scientifique de 1884 à 1891 et ceux parus depuis ;Imprimerie Nationale ;Paris ; 251p.
TROUSSET P., 1978, Reconnaissances archéologiques sur la frontière saharienne de l’Empire Romain dans le Sud-Ouest de la Tunisie ;Dans Actes du 101ème Congrès National des Sociétés Savantes ; Lille 1976 ; Paris ; pp 29-31.
TROUSSETP., 1986, Les oasis présahariennes dans l’Antiquité : partage de l’eau et division du temps. InAntiquités africainesn° 22 ; pp 163-193.
[1]Duveyrier H, 1905, Sahara algérien et tunisien, Journal de route ; Publié et annoté par Maunoir Ch et SchirmerH, Challamel A ; Paris ; 266p.
[2]Trousset P, 1986,Les oasis présahariennes dans l’Antiquité : partage de l’eau et division du temps ;InAntiquités africaines n° 22,p170.
[3]Guérin V, 1862, Voyage archéologique dans la régence de Tunis ;Hachette livre BNF ; Paris 2012 ; (T1, 452 p et T2, 398p).
[4] Ministère de l’Environnement et du Développement Durable, 2016, Direction Générale de l’Environnement et de la Qualité de la Vie ; Projet, écotourisme et conservation de la biodiversité désertique en Tunisie, Parc national de Dghoumes ; 16 p.
[5]جل هذه الوحدات السياحية قامت بحفر آبار بصفة قانونية وغير قانونية لتوفير حاجياتها الكبيرة من الماء (للري و المسابح
و الاستحمام…) مما تسبب في استنزاف المائدة المائية السطحية.
[6]لو احتسبنا نسبة النشيطين في النشاط الفلاحي سنة 2018 لكانت أقل بكثير لأن عدد النشيطين في الصناعات المعملية قد ارتفع من 381 سنة 2014 إلى 2410 سنة 2018.
[7]المعطيات الهجرية لمعتمدية دقاش تشمل أيضا بلدية حامة الجريد (معتمدية حامة الجريد محدثة حديثا بمقتضى الأمر الحكومي عدد 487 الصادر بالرائد الرسمي للبلاد التونسية يوم 15 افريل 2016).
[8]يجمع عدد الوافدين مع عدد المغادرين و يقسم على عدد السكان الجملي للمدينة: دقاش، 909 + 645 = 1554 / 22628 = 6.9%