الجمعة , 27 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

إنهم يريدون “تدمير قرطاج”!!؟

بقلم هشام البوعبيدي |

بعد معركة زاما (202 ق.م) التي انهزمت فيها قرطاج، تمكّنت المدينة من النهوض ثانية واستعادة اشعاعها، وهو ما أغاض  كاتو الكبير الذي توجّس من تشكّل مملكة قوية بعنفوانها تُهدّد وجود الإمبراطورية الرومانية، فقال جملته الشهيرة أمام مجلس الشيوخ الروماني “يجب تدمير قرطاج Carthago delenda est”، وبعد أن فرغ من خطابه رمى أمام أعضاء مجلس الشيوخ حبات تين قطفها من حدائق قرطاج، وأضاف: اعلموا أنني قطفت هذه الثمار الشهية منذ ثلاثة أيام فقط فهذه هي المسافة التي تفصلنا عن العدو، وختم خطابه بـ: “قرطاج يجب أن تُدمّر”.

يخطئ من يعتقد أن لحركة النهضة خلاف مع رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، أو أنه لا علم لها بشبهات الفساد التي طالته، أو أن سعيها المحموم لإسقاط الحكومة موجّه لشخصه وهو الذي ولج السياسة تحت عباءتها واستوزر في كنفها وحضنها، ولقصيري النظر ومعطوبي الذاكرة عليهم مراجعة حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض النهضاويتين بين 2011 و2014، والتي كان فيها إلياس الفخفاخ عنصرا قارا ورقما ثابتا حيث تقلد وزارتي السياحة ثم المالية، ورغم التحويرات والتقلبات التي عرفتها الا أنه ظل ركيزة من ركائز “الترويكا” الحاكمة، ولم يخرج منها الا برحيل الحكومة نتيجة الضغط الشعبي بعد انسداد أفقها ووصول البلاد إلى شفير كارثة.

لذلك نعتقد جازمين أن مناورات النهضة ودسائسها وأهدافها كانت تستهدف إضعاف “قصر قرطاج” والاطاحة برئيس الجمهورية قيس سعيد، بعد التوتر المتصاعد والمعركة الصامتة بينه وبين رئيس البرلمان راشد الغنوشي، والذي تجسّد مؤخرا في ابعاد رئيس البرلمان راشد الغنوشي من اجتماع المجلس الأعلى للجيوش والقيادات الأمنية الذي أشرف عليه رئيس الجمهورية، الذي صرّح أكثر من مرّة أنه “الرئيس الوحيد لتونس” ومرجع سياستها الخارجية، ضمن رسائل مشفّرة لرئيس البرلمان الذي حاول “السطو” أكثر من مرة على صلاحيات رئاستي الجمهورية والحكومة، خاصة في الملف الخارجي وهو المعروف بارتباطاته الدولية وعلاقاته الخارجية المثيرة للجدل، فكان رد الغنوشي عبر “تسريب” تسجيل صوتي لاجتماع مجلس شورى النهضة (سابقة تاريخية)  فيه استهانة بـ”فهم ” رئيس الجمهورية للوضع في ليبيا وأنه “جا يطبها عماها”.

عموما…ما يقلق حركة النهضة ويقض مضجعها أن يكون في قصر قرطاج رئيس يحظى بشعبية كالتي حازها قيس سعيد، والذي رغم استقلاليته وافتقاده لسند حزبي ورغم سهام الخصوم التي سدّدت نحوه لم تفل من شعبيته شيئا وظل في نظر فئات كبرى من الشعب التونسي جديرا بالثقة التي أهلته لرئاسة الجمهورية، وهو ما أزعج الحركة التي دعمت سعيد في الدور الثاني من الرئاسية، والتي ظلت تتعامل معه على أنه “نكرة ووافد على العمل السياسي”، ما يجعل “توظيفه” أمرا سهلا…، ولو عدنا بالذاكرة قليلا إلى فترة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي رحمه الله، والذي راهن على شراكته مع النهضة وكان مع الغنوشي “راسين في شاشية”، الا أن ذلك لم يمنع الحركة من خذلانه ودعم “تمرد” يوسف الشاهد، رئيس الحكومة، وانقلابه على الباجي وما تبعه من تفتيت لحزب نداء تونس بعد صراع مرير بين أجنحته، كما لا يمكن نسيان التجربة المريرة “للرئيس المؤقت” المنصف المرزوقي مع حركة النهضة والذي كان أطوع لها من خط البنان، ورغم ذلك لم تجد قيادات الحركة حرجا في التخلي عنه مهزوما مخذولا في انتخابات 2014.

وعليه، فمسعاها لتهميش دور الرئاسة و”تقزيم” صلاحيات الرئيس والسطو عليها وحتى محاصرته و”تقييده”، من أجل إظهار تونس كما لو أنها جزء من المحور التركي القطري في الملف الليبي، وهو الخيار الذي وقف ضده الرئيس قيس سعيد، الذي أكد على التزام تونس بالشرعية الدولية وعلاقات حسن الجوار وأن الحل يجب أن يكون ليبيا-ليبيا، وهو الذي لم تستسغه حركة النهضة، فكانت لها جولات ومناورات وحروب خفية للأطراف التي كانت تراها مقرّبة من رئيس الجمهورية وتشكل “حزاما سياسيا” داعما له، من هنا نفهم الحملات المسعورة ضد شريكها في الحكومة حركة الشعب وحتى التيار الديمقراطي رغم “حبال الود” بينهما، دون أن ننسى اتحاد الشغل الذي تم استهدافه وشيطنته وتخوينه.

لقد بان بالكاشف أن الرئيس سعيد صعب المراس، وأنه مستوعب للمشهد العام بالبلاد برمته، ويجيد حياكة اللعبة السياسية ورد مناورات الخصوم إلى نحورهم، وهو إلى ذلك صادق وصارم في ما قاله من أنه  “لا يبحث عن خلق الأزمات أو إدارة الأزمات، كما تفعل بعض الأطراف السياسية”، وأنه “لن يسمح لأي طرف بتجاوز القانون أو تجاوز صلاحياته التي منحها الدستور”. مشدّدا على أن “الدولة التونسية واحدة، ولها رئيس واحد في الداخل والخارج على السواء”. وبالتالي عودة “قرطاج” لمركزيتها ودورها الذي حاولت الأطراف المنكرة تهميشه وتدميره.

 

شاهد أيضاً

حرب من ضدّ من !؟

حين تسارع “محميات” الخليج، التي تنتشر على أراضيها وفي موانئها عشرات القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024