لم يعد هناك أدنى شك في مَكْرِ دول الغرب تجاه النظام الإسلامي في إيران، في عدّة قضايا عالقة بين دوله وبينه، في مقدّمتها قضيّة الملفّ النووي الذي وقع تضخيمه وتهويل أهدافه، ليجعلوا من الأوهام التي علّقوها على شماعته، مبرّرا يدفعهم إلى اعتباره خطرا قائما يتهددهم، مع أنه برنامج مدنيّ صرفٌ، هدفه تقنيّ صناعيّ، من شأنه أن يحقق الإكتفاء الدّاخلي من الطاقة الكهرونووية، وتصدير زوائدها إلى دول الجوار المحتاجة للطاقة الكهربائية، وصناعة أنواع من أدوية الأمراض المستعصية كالسرطان، التي تحتاج إلى المعالجة النووية، والتي بقيت حكرا على الدول الغربية، مالكة الطاقة النووية المدينة والعسكرية في نفس الوقت، المحتكرة لهذا الاختصاص، ولا تسمح لغيرها من الدّول باجتياز هذا الخط الأحمر من تقنياتها.
لقد كان الإتّفاق المبرم بخصوص هذا الملف سنة 2015، على وشك أن ينهي حالة من التوتّر وعدم الثقة به، واعتُبِر إنجازا وحدثا تاريخيا، عبرت عديد دول العالم على ارتياحها لتحقيقه، لولا تدخّل الكيان الصهيوني، والدّول الخليجية (السعودية والامارات تحديدا) الحاقدة المطبّعة معه، لدى إدارة الرئيس الصهيوني المتخليّ ترامب، واقناعه بأن ينسحب من الإتفاق سنة 2018، في عهد لم يُسبق من قبل، عُرِف بكثرة انسحاباته، ونقضه مواثيقه لدى المنظمات الدّولية، كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، سنة 2017، بتِعِلّة الإنحياز لفلسطين على حساب الكيان الصهيوني، واتفاقية باريس بالإنسحاب من الإتفاق العالمي لمكافحة تغير المناخ، وانسحابه من إتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، مع كل من أستراليا وبروناي وكندا وشيلي واليابان وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا وبيرو وسنغافورة وفيتنام.(1)
بمجيء الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن بدأت ادارته في نقض أغلب القرارات التي اتخذها سلفه، تعبيرا عن عدم قبوله بها كمواقف، بدت في أغلبها انفعالية وسخيفة، وقد قرن عودته إلى الاتفاق مجددا بقبول ايران مرحلية رفع العقوبات شريطة أن تبدأ إيران بالالتزام به كاملا بما في ذلك عودة ايران للعمل بالبروتوكول الاضافي
أمريكا ودول الغرب تعلم جيّدا، أن النظام الاسلامي بمبادئه الانسانية، لا يسعى إلى امتلاك القنبلة النووية، بمقتضى قوله تعالى : (…أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا)(2) واستنادا إلى الفتوى الصادرة من مكتب قائد الثورة الاسلامية السيد علي الخامنئي التي تحرم صناعة وامتلاك هذا السلاح الفتاك، وكلماته المتكررة بهذا الخصوص: ( اننا لا نتطلع إلى امتلاك السلاح النووي، وان الغرب واقف جيداً على هذه الحقيقة، لأن حيازة السلاح النووي تتعارض مع المصالح السياسية والاقتصادية للبلاد، كما تتعارض مع تعاليم الدين الاسلامي، ومن هنا فإن نظام الجمهورية الاسلامية الإيرانية سيواصل مشوار تقدمه العلمي، انطلاقاً من مبادئه، غير آبه ولا خائف مما يثُار من ضجيج.) (3)
إذا ماذا تريد أمريكا من وراء اصرارها وتعنّتها بشأن هذا الملف، وهي تعلم يقينا بأن ايران ليس لها مساع لامتلاك القنبلة النووية؟
نعم أمريكا ودول الغرب يعلمون جيّدا أن ايران لا تسعى الى امتلاك سلاح نووي بحكم مبادئها الدينية والانسانية المانعة من ذلك، لكنهم يتعذّرون بذلك لبلوغ أهداف أخرى متعلقة ببرنامجها الصاروخي في محاولة لاستدراج إيران للسيطرة عليه، وتقليمه وفق شروطهم، والنظام الإسلامي يعلم جيّدا نوايا هؤلاء، التي تمضي دائما إلى حيث رغبة الكيان الصهيوني، في إضعاف القدرات العسكرية الإيرانية، وهذا التمنّي أو الحُلُم لن يتحقّق، في ظل نظام يرى في القضية الفلسطينية وتحرير الشعب الفلسطيني، وتخليص أرضه من دنس الكيان الصهيوني الغاصب، قضيّته وقضية شعبه ومقدساته، ولن يكون ذلك بالمفاوضات بل بالسلاح، والقوة العسكرية التي بإمكانها وحدها تحرير كامل فلسطين.
إيران قالت كلمتها بخصوص ملفّها فإمّا أن تعبّر أمريكا عن حسن نيّتها، ولن تكون عودتها من أجل التفاوض مجددا، فليس هناك ما يُتفاوض عليه بخصوص الملفّ وقد أمضت على بنوده، عليها الوفاء بالتزاماتها برفع العقوبات جملة واحدة، وتحقّق ايران من رفعها عمليا، وبعد ذلك سيكون على إيران الوفاء ببنود الإتفاق التي بدأت بالتخلي عنها ردّا على تقاعس الجانب الغربي في تنفيذ والتزاماته بهذا الشأن.
في هذا الشأن صرح الامريكيون والغربيون أن صبرهم حيال إيران بدأ ينفد(4)، وأن المفاوضات لن تكون بلا نهاية، ونسوا في المقابل أن صبر إيران قد نفد فعلا، وهو ما دفعها إلى البدء بإجراءات التخلي عن البروتوكول الإضافي الطوعي، للوصول إلى إنهاء الإتفاق برمّته، في صورة مواصلة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تقاعسهم حياله، حيث لا فائدة جنتْه منه، الحجة اليوم ملقاة على الغربيين وليس على إيران، وتنازل إيران وقف عند استعادة كامل حقوقها، المعطّلة بالعقوبات الأحادية الجانب، المسلطة عليها ظلما وعدوانا من طرف أمريكا.
مطلب إيران واضح وصريح، لا يحتاج إلى مفاوضات أخرى، ولن يتحقق تقدّم في إحياء الإتفاق إلا برفع العقوبات الظالمة المسلطة عليها جملة واحدة، ايران في وضع قانوني سليم، ووضع دول مواجهتها بخصوص اتفاقها معهم، هو المُسترابُ والمدانُ قانونيا، وكل من سعى الى قلب هذه الحقيقة هو متحيّز لباطل هذه الدول الإستكبارية، ولن يفلح هؤلاء المتعرّضون لمسيرة إيران حكومة وشعبا في تحقيق شيء، سوى كسب مزيد من الخزي والعار.
المصادر
1 – أبرز الاتفاقيات الدولية التي انسحبت منها أمريكا في عهد ترامب
https://www.enabbaladi.net/archives/340489
2 – سورة المائدة الآية 32
3 – القائد : حيازة السلاح النووي تتعارض مع مصالح للبلاد
https://www.leader.ir/ar/content/3243/
3 – خامنئي: امتلاك أسلحة نووية حرام
https://arabic.rt.com/world/1050443-
4 – صبرنا له حدود”.. أمريكا تحذر إيران من عدم الرد على دعوة الحوار بشأن الاتفاق النووي“
https://mubasher.aljazeera.net/news/2021/2/25/