جاء في مقال لم يكشف كاتبه عن اسمه بعنوان: (الملالي والإخوان: تلاقي مصالح والبنّا وقطب يؤثران بالخميني وخامنئي)(1)، ويكفي للدلالة على أنه مقال مسموم خبيث المقاصد، أن صاحبه لم يجرؤ على ذكر إسمه، رغم أنه في فسحة من أمره، ومعقل بين ذويه من أهل التبلّد والإعاقة، ومجرّد نظرة بسيطة في ما كتبه تدلّك سريعا، على أنه شخص متهافت في مقاله، لأجل إرضاء أسياده حكام محميات أمريكا والغرب، قد انخرط من (أبها: الوطن) في صلب موضوعه، الهادف إلى تشويه النظام الإسلامي في إيران برموزه، في علاقتهم بتنظيم الإخوان المسلمين، رغم الإختلاف الشيعي السني في بعض المسائل العقائدية والفرعية الفقهية، وما يفرضه على الجهات المقابلة، من تردّد في بناء علاقات بينهما، ويبدو أن كاتب المقال ارتبك في تعبيره عن هذه العلاقة، وعوض أن يكتب إلتقاء المصالح أو توافقها، كتب: ( إلا أن تقاطع المصالح بين الطرفين أوجد علاقة حميمة بينهما)، فجاء متناقضا مختلّا، مرثيّا عليه وعلى صاحبه، علما وأنّ قائد الثورة الإسلامية إيران، وفريقه الثوري المؤلف من كبار علماء إيران، كان قد عبّر من خلال تاريخ إيران المعاصر، الساعي إلى تأليف الأمّة الإسلامية، ورسم طريق وحدتها بمبادرات بدأها اية الله محمد تقي القمي، في بناء جسور التواصل والتعاون، بتأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية سنة 1947 م (1) اشترك في اقامتها ما يناهز العشرين من علماء الأمّة من السنة والشيعة، من بينهم (الشيخ عبد المجيد سليم رئيس هيئة الفتوى بالأزهر، (والذي أصبح شيخا للأزهر فيما بعد) والشيخ أحمد حسين مفتي وزارة الأوقاف، والشيخ محمود شلتوت الذي كان عضواً بهيئة كبار العلماء (والذي أصبح بدوره شيخا للأزهر) والشيخ محمد عبد اللطيف دراز وكيل الأزهر، والشيخ عيسى ممنون عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس الجمعيات الشرعية، والشيخ حسن البنا رئيس الإخوان المسلمين، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ علي الخفيف، وهما من كبار أساتذة الفقه والتشريع بالجامعة، والشيخ محمّد المدني الأستاذ بالأزهر (أصبح وكيلا للأزهر فيما بعد)، وإلى جانب هؤلاء، كان من بين الأعضاء الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، والشيخ محمد تقي القمي، ممثلا للشيعة الإمامية، والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والسيد عبد الحسين شرف الدين، وعلي بن إسماعيل المؤيد ممثلا للمذهب الزيدي في اليمن، والقاضي محمّد بن عبد الله العمري ((2) بادرة سجلها التاريخ لأصحابها تذكر فتشكر، ولا يشير إليها بعيب إلّا عميان البصائر، ومدمني إثارة الفتن التي اكتوت بنارها أجيال وأجيال، وإن كان من بين مؤسسي تلك الدار، الشيخ حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين، الذي اغتالته بريطانيا، وذلك دليل على أنها اعتبرته عدوّا لها، مثل خطرا على مخططاتها ، وهذا وحده يكفي لرجحان نزاهته، ومواقفه الواضحة تجاه الاستعمار والصهيونية.
ما لفّقه صاحب المقال من ذكر لتقارب، وصفه بالعلني بين إيران ومصر، أثناء فترة حكم محمد مرسي، ورفض إيران تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ليس فيه ما يردّ على صبي السياسة كاتب هذا المقال، الذي غلبته نزعة الكراهية والحقد التي ملكت قلبه، فخلط بين الدبلوماسية الواقعية التي يجب أن تُتّخذ بين الدّول على أساس مصالح الشعوب، وبين أفكار وعقائد الحكومات وجعلها منطلقا خاطئا للتعامل بين بعضها، وهي طريق تنتهي غالبا الى الفشل والتباعد، ومن استجاب إلى عاطفته وغلّبها على عقله خسر قلوب الناس، أذكر انني سنة 2012 نزلت ترانزيت قادما من تونس إلى مطار القاهرة، ونظرا لطول المدة التي تفصلني عن رحلتي الثانية إلى مطار دمشق كان من حقي ان أخلد الى الراحة في فندق قريب من المطار تأخذني إليه الخطوط المصرية صاحبة الرحلتين، فأخذوا جواز سفري، لكنهم عادوا بعد ذلك برفض الأمن المصري السماح لي بالخروج من الترانزيت بدعوى أن عندي فيزا إيرانية على جواز السّفر، هذا في عهد الرئيس محمد مرسي، فأين هي تلك العلقات التي ذكرها كاتب المقال؟
ويسترسل الكاتب المجهول في اثبات علاقة الامام الخميني بالإخوان المسلمين فيذكر استنادا إلى (ثروة الخرباوي) أنه زار مصر سنة 1938، ولم يعرف ذلك إلا من طرفه، ولم يقدّم دليلا على صحة ما أخبر به، فيكون خبر الواحد غير الثقة ولا المأمون، على خلفية كونه سياسي متنقل، بين حزب الوفد، وحركة الإخوان المسلمين، ومتقاطع معهما لأسباب شخصية فيه، ومزاجية لم تفارق كل من يصعب انقياده في صلب حزب أو حركة، وتلك حال (الخرباوي) خصوصا وهو محام، وما قد يشوب مهنة المحاماة من خوض في دعاوى اختلط فيها الحق بالباطل، بل وتميزا عن بعضهما في أغلب القضايا المترافع بشأنها، فغلبت الكثيرين منهم شقوة كسب المال، والدفاع عن المدان والظالم والمتحيل والمجرم والمتجاهر بالفسق والمعصية دون مبالاة، فكيف به والحال هذه أن لا يستجيب لعروض آل سعود وآل نهيان التي تُسيّلُ لعاب طمعه، في ضرب النظام الاسلامي في إيران وحركة الإخوان المسلمين في نفس الوقت وبحجر واحد، وما كتبه لحد اليوم مقبوض الثمن بلا دنى شك، وتمعّشه من هذه المهنة – الاستجداء الفكري لمن يدفع أكثر- أوفر له مالا، من المرافعة في قضايا أمام المحاكم.
ومن أجل ايهام القرّاء قالوا بأن (الخرباوي) تبين له أن من زار مصر سنة 1938 كان الامام الخميني مع أنّ (الخرباوي) ولد سنة 1957(3) أي بعد التاريخ الذي ذكره ب19 سنة، وأن مرشد الإخوان عمر التلمساني طلب من الامام الخميني تأسيس جمعية للإخوان في إيران وهذا في منتهى السخافة، وحقيق بمن كتبه أن يوصف بالغباء، إذ كيف لعالم شيعي أن يؤسس حركة إخوانية سنية في إيران؟ هكذا يُعمي التهافت والحقد صاحبه بل قل أصحابه، لأن من استند لما قاله (الخرباوي) وروّج له من بعده، أكثر من أن نقوم بإحصائهم، وما أكثر العجيج وأقل الحجيج كما يقال.
والسخيف هنا حقا أن يتمادى (الخرباوي) بكل وقاحة في تهيئاته، فيدّعي أن الإمام الخميني أطلق على نفسه لقب مرشد، تأثرا وتيمّنا بلقب المرشد الذي لُقّب به الشهيد حسن البنّا، وان كان اصطلاحا لغويا متاحا لمن اراد استعماله، وليس مخصوصا بحسن البنا وحده، فأرشد يرشد ارشادا ومرشدا، معناه دلّ يدلّ دلالة ودليلا، لقد بلغ الرجل حدّ السخافة في توهّماته، ولا أراده متهّما بقدر ما هو خبيث في إيحاءاته .
أما العلاقات بين النظام الاسلامي والإخوان على عهد محمد مرسي فقد كانت عادية جدا، ولم ترقى إلى ما ادّعاه الرجل، من أنّ إيران ضخت نحو 10 مليارات دولار، في البنك المركزي المصري كوديعة، وأمدّت القاهرة بمواد بترولية، وانشأ الإخوان في الأثناء جهازا أمنيا غير معلن، تابع لرئاسة الجمهورية، بمساعدة وتدريب إيراني خلال عهد مرسي، فذلك من هَجَرِ (الخرباوي) وهذيان عقله المريض ببغض ايران ومعها الإخوان المسلمين، ومن لا يتملك دليلا على صحة دعاويه، وإثباتا لما أشاعه زورا وبهتانا، وتلاقفه من بعده الصيّادون من أمثاله وأسوأ منه في الماء العكرـ فمن الخير له أن يلتزم الصمت أحسن لشخصه، وأرأف بحاله من أن ينعت كذّابا وفتّانا.
نعم تتطابق نظرية ولاية الفقيه مع مبدأ الحاكمية الإسلامية عند عموم المسلمين ولا تختلف فقط سوى في المسمّيات والمصطلحات، لسبب أساسي وهو أن الاسلام أنزله الله كدين وشريعة مجتمع، ليحكم المجتمعات ويقودها إلى الهدى وخير الدنيا والآخرة، وليس لتكون محكومة من طرف زبانية الشياطين وأتباعهم، ورؤية (الخرباوي) ومن لف لفه في هذه المسألة، مبنيّة على فصل الدين عن الحياة، وهو كغيره ممن سلكوا طريق اعتبار الدين الاسلامي خارج إطار منظومة الحكم، وقد يكون الرجل قد قرأ كتاب الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي (الخميني الحل الإسلامي والبديل)، الذي بين فيه رؤيته لمنظومة الحكم الإسلامي، بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، ورآها حلا أمثل يمكن النسج على منواله في مناطق أخرى.
هذا ولم تساعد إيران دولا عربية على أساس حزبي أو فكري، وإنما قدمت ما قدمته فوق الطاولة السياسية وليس تحتها، مساهمة منها في دعم خيارات تلك الشعوب، سواء أكان من يحكمهم اخوانا أم غيرهم، احتراما لتلك الإختيارات التي تمّت عبر صناديق الإقتراع، ولم يكن لإيران دخل في شيء منها، فأين تورّطها فيما يحاول (الخرباوي) وغيره الباسها به؟ والشعب المصري هو الذي قرر أن يحكمه الإخوان وليست إيران.
وما وصفه الخرباوي – وهو بحق خراب عقل ودين – بأذرع ايران في المنطقة، هو شرف الأمّة الإسلامية، وعنوان صحوتها من سبات الخضوع والخنوع، ومجال انفتح لها ببركة انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، فهبّ أحرارها وشرفاءها ملبّين نداءها في مقاومة للإستكبار والصهيونية، ولا هدف لإيران من وراء ذلك، سوى تخليص فلسطين من احتلال صهيوني بغيض، وإخراج الشعوب الإسلامية من هيمنة قوى الاستكبار العالمي بزعامة أمريكا، وفتح باب العزة المغلق في وجوه أجيالها، لتسترد كرامتها، وتعيد مكانتها ودينها في هذا العالم، الذي استصرخه الشيطان فاستجاب لدعوته واتّبع صيحته، لكن إيران رفضته معلنة براءتها منه ومن أتباعه، وهذا ذنبها الوحيد التي أخذتها دعاية المضلين بجُرمه، وعملَتْ على تشويه مقاصدها الإسلامية بأصواتها.
إن الارهابي الحقيقي هو الذي يقف في صف أمريكا وحلفائها، ليخاطب المسلمين والعالم بلغتها المارقة، وهل كان الشهيد (نواب صفوي) إلا رجلا مقاوما شريفا، ورمزا رفيعا من رموز الأمّة الإسلامية، أثاره ظلم الشاه ونظامه، فأسس منظمة (فدائيان إسلام) ليقتص بها من هؤلاء الظلمة، هكذا إذا تعرّت عورة (الخرباوي)، ليظهر للعيان أنه معاد لحركة التحرر التي قادها هذا القائد الفذّ، وأنه بناء على ذلك مناصر للظالمين والمستكبرين والصهاينة، ومتكلم فصيح بلغتهم، مستعملا نفس مصطلحاتهم، وسالكا طريقهم ومتوخيا أسلوبهم، بئس للظالمين بدلا.
إن ترجمة قائد الثورة الاسلامية الحالي الإمام الخامنئي لكتابات الشهيد سيد قطب، تؤكّدعلى القيمة الفكرية لتلك الكتابات، لما احتوته من بيان وبلاغة، استصوب فيه بعض أفكاره، ولا دليل على غير ذلك مما حمّى به (الخرباوي) رأسه، وماذا يعني صدور ختم يحمل صورة قطب، بعد انتصار الثورة الاسلامية، التي يتحاشى (الخرباوي) وصفها هكذا، بقوله استيلاء الملالي على السلطة، والعالم بأسره صديقا وعدوّا، يعلمون أن الشعب الإيراني هو الذي اختار نظامه الإسلامي بنسبة فاقت 98.2% (4) وليس هناك طريق آخر كالانقلابات التي كانت دارجة لدى دول عربية، فلا شبهة لانقلاب ما حتى يتقوّل هذا التعيس مقالته بان قيام النظام الإيراني كان على اثر استيلاء على الحكم، ولم يكن نتاج ثورة شعبية بقيادة اسلامية، وأي ختم هذا الذي أتحف به (الخرباوي) ادعاءاته، أبريدي أم ماذا؟ وعلى أية حال ومهما كان الختم ان صحّ الخبر – ومصدره كاذب أفّاك – ىفأين العيب في ذلك؟
وما التهمة في ما نسبه لمرشد الاخوان عمر التلمسان رحمه الله في قوله: (لقد دعمنا (الخميني) سياسيا، لأن شعبا مضطهدا تمكّن من التخلص من حاكم قمعي واستعاد حريته).
وما وجه العيب والخطأ في الاعتراف بالحق – وهو فضيلة لمن يعرف معنى للفضيلة – من قول نسبه (لإخوان الأردن في تقييمهم لـ“نصر” الخميني، بأنه تعزيز الثورة الإسلامية في إيران، هو قرار متناغم تماما مع شعارات الجماعة.. كان من بين التطلعات الأولية لإمامنا الشهيد، حسن البنا.. بذل جهدٍ كبير في تحقيق التقارب بين السنة والشيعة.. ولذلك، كانت له علاقات قوية جدًا، مع العديد من علماء الشيعة الموثوق بهم، مثل الإمام آية الله الكاشاني، والشهيد الثوري نواب صفوي، والإمام كاشف الغطاء في العراق، وغيرهم.) (5)
أما الشهيد خالد الاسلامبولي الذي أفرح قلوبنا، وقلوب كل الأباة الأحرار في عالمنا الإسلامي، باغتيال الرئيس المصري العميل السادات سنة 1981، واطلاق إسمه على شارع في طهران تيمّنا به، واقامة نصب تذكاري له، فلم يكن ليسيء إلا للعملاء والخونة، الذين ساءهم قيام هذا البطل، مع ثلة من رفاقه في السلاح، بالتخطيط لتنفيذ حكم القصاص في رجل خان الأمانة، وباع قضية الأمة بلا مقابل، وما وزلنا كشعوب حرة أبية نترحم على الإسلامبولي كلما تذكرناه، وقد أزاح عن أنظارنا أحد أكبر الخونة جرأة في عالمنا العربي، قد نختلف في أشياء ثانوية، ولكن مسالة قتل السادات عمل مبدئي شرعيّ، لا يختلف فيه سوى من نبت عوده في مستنقع الصهيونية.
وعجبي لمن عزا فوز حركة حماس سنة 2006 لتطرّفها المعلن – لعله يقصد أنها رفضت مبدأ الأرض مقابل السلام والحل العربي المقدم للأمم المتحدة، ولم تغير الحركة من استراتيجيتها تجاه العدو، فهي أولا وأخير جناح سياسي لحركة تتضمن جناحا عسكريا يعمل من أجل تحرير أرضه المحتلة، وهو ما يدعمه النظام الإسلامي في إيران دون تحفظ، ومن أجل قضية فلسطين العادلة، ومواقفه الثابتة منها، تعرضت بلاده للعقوبات العديدة الظالمة، ولا تزال تعاني من تبعاتها الثقيلة على اقتصادها، ولكنها لم تتراجع عن دعم مقاومة العدوّ الصهيوني قيد أنملة، ولو سُلّطت هذه العقوبات على دولة أخرى، لتراجعت عن مسارها وسلّمت القضية لأهلها، فليحفظ عقلاء الأمّة هذا الفضل لإيران ولا ينكرونه، لأنه لا ينكره سوى لئيم الطبع خبيث السريرة، وستبقى ايران وفيّة في دعمها لعناصر المقاومة في فلسطين ولبنان، وفي كل مكان يقتضيه الحال، خدمة لمشاريع تحرر الشعوب من الاستكبار والصهيونية، لا تأبه لنعيق من نعق عليها، فمبادئها تفرض عليها نصرة المظلومين ومعاداة الظالمين، بقطع النظر عن أفكارهم وعقائدهم.
المصادر
1 – 5 – الملالي والإخوان: تلاقي مصالح والبنّا وقطب يؤثران بالخميني وخامنئي
https://www.alwatan.com.sa/ampArticle/1033857
2 – جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية https://ar.wikipedia.org/wiki/
4 – ثروة الخرباوي https://ar.wikipedia.org/wiki/