إيران تحدد مصير ترامب… بقلم: مصطفى السعيد

تبالغ الولايات المتحدة كثيرا فى توقعاتها بشأن نتائج العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد إيران، حتى إن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب توقع سقوط نظام الحكم إذا لم يمتثل إلى المطالب الأمريكية بتوقيع اتفاق جديد لا يشمل النشاط النووى الإيرانى فحسب، بل يتضمن برنامج إنتاج الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى التوقف عن مساندة حلفائها الذين تصفهم بالإرهابيين فى العراق وسوريا واليمن وغزة، ومن السهل أن نلاحظ استخدام الخطاب الأمريكى أشد الكلمات حدة فى تهديد إيران، مثل قول وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو إننا سنفرض أشد عقوبات شهدها التاريخ، وسنمارس ضغوطا مالية غير مسبوقة.

على الجانب الآخر لا تبدو إيران منزعجة كثيرا، فسبق أن واجهت عقوبات أوسع على مدى 35 عاما، وكانت شبه معزولة، حيث روسيا كانت غائبة عن الساحة بسبب أزماتها الداخلية، ولم تكن الصين معنية إلا بتثبيت أقدامها فى شرق آسيا، والحفاظ على معدل نموها المرتفع، فالوضع الآن يختلف كثيرا عن الماضي، خاصة من حيث تنامى شبكة إيران مع حلفائها، وفى مقدمتهم روسيا والصين، بينما أهم حلفاء أمريكا الأوروبيون يرفضون العقوبات الأمريكية، وبحثوا لإيران عن حلول تعوضها عن اضطرار الشركات الأوروبية المرتبطة بأعمال مع الولايات المتحدة إلى الإذعان والمشاركة فى العقوبات، ووعدت بضمان استيراد مليون برميل بترول يوميا، وضمان وجود قنوات بنكية، إلى جانب تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة على التعامل مع إيران، وستواصل الصين والهند وباكستان وتركيا شراء معظم النفط الإيراني, أما أهم ما أفاد إيران ويقلص تأثرها بالعقوبات فهو إعلان ترامب حرباً تجارية شملت أوروبا وكندا والمكسيك والبرازيل إلى جانب روسيا والصين، ليدفع تلك الدول إلى المواجهة المشتركة للحرب التجارية الأمريكية، والتى تمثلت فى فرض ترامب رسوما جمركية على كثير من واردات تلك الدول، ولهذا وسعت ألمانيا من حجم التعاون الاقتصادى مع الصين، كما أن الموقف الأوروبى العنيد ضد العقوبات الأمريكية ضد إيران يرجع فى جزء منه إلى ضيقها من حرب ترامب على صادراتها إلى الولايات المتحدة، وخرقه اتفاقيات التجارة العالمية، ولأن الولايات المتحدة كانت تخشى ألا تأتى العقوبات على طهران بنتائج سريعة، فقد تعمدت أن تقسمها على دفعتين، الأولى بدأت الثلاثاء الماضي، وشملت معاقبة البنوك والشركات التى تتعامل مع إيران، بينما منع استيراد النفط سيكون فى نوفمبر المقبل، وسيكون ترامب أمام تحدا خطير، فهو قد وعد بأنه سيصل بصادرات إيران النفطية إلى الصفر، لكن الصين التى تستورد ربع النفط الإيرانى فرضت رسوما جمركية على واردات النفط الأمريكي، لتوجه ضربة مزدوجة، ليس بتقليص وارداتها من النفط الأمريكى فقط، بل بإفساح الطريق ليحل النفط الإيرانى محله، إلى جانب إعلان تركيا أنها ستواصل استيراد النفط الإيرانى عبر الأنابيب الممتدة بين البلدين، وبالتالى لن يستطيع ترامب الوفاء بوعده، وفى حالة فشل الولايات المتحدة فى تحقيق ضغوط كافية للتأثير على إيران فإن الإدارة الأمريكية ستكون فى مأزق حقيقى أمام حلفائها وخصومها، إذا تبين عجزها عن استخدام القوة العسكرية أو القوة الاقتصادية أمام إيران، لأن تبعات ذلك ستكون وخيمة على وضعها فى المنطقة والعالم.

إن سياسة ترامب تحقق لخصومه أكثر مما كانوا يحلمون به وبأقل الخسائر، فهو يفرط فى حلفائه بسهوله، ويدفعهم إلى التمرد على سياساته، ويقربهم من الصين وروسيا، بل يتعاطفون ويدعمون إيران فى مواجهته، فقد أصبحت إيران رغما عنها خط الدفاع الأول عن التحالف الروسى الصيني، لأن نجاح ترامب فى إخضاع إيران سوف يشجعه على اتباع سياسات الحصار والعقوبات على دول أخرى، تنتهى بإخضاع الجميع، وهو ما لا يمكن أن تسمح به روسيا أو الصين، ولا حتى دول الاتحاد الأوروبى المتوجسة من سياسات ترامب.

الورقة القوية المتبقية لدى الإدارة الأمريكية هو محاولة زعزعة الاستقرار داخل إيران، واستنساخ الثورات البرتقالية، التى نجحت فى شرق أوروبا، ولم تحقق المرجو منها فى المنطقة العربية، لكن إيران تعرضت لمحاولة سابقة فى 12 يونيو 2009، عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والتى خرج فيها أنصار مير حسين موسوى للاحتفال بالفوز اعتمادا على نتائج أولية، لتأتى النتائج النهائية لمصلحة أحمدى نجاد، لتشتعل الاحتجاجات الأقوى منذ الثورة الإيرانية، تلتها عدة احتجاجات ذات طابع اقتصادي، دعمتها القوة الإعلامية الأوروبية والأمريكية، لكنها فشلت فى إحداث أى تغيير، أما ورقة القوة العسكرية فهى مستبعدة لأن نتائجها ستكون وخيمة على الجميع، ويبقى رهان ترامب على تشديد حزمة العقوبات الثانية فى نوفمبر المقبل، والتى تواكب انتخابات الكونجرس، والتى يخشى فيها الحزب الجمهورى من أن يدفع ثمن تراجع شعبية ترامب وتخبط سياساته، وأن يستعيد الحزب الديمقراطى زمام المبادرة ويحقق نجاحا كبيرا فى انتخابات الكونجرس، ويستطيع كبح ترامب.

الأهرام

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023