لم يكن تاريخ إيران المعاصر ليخفي شيئا من علاقاتها، لكل من كان مهتما بشأن السياسة العالمية، فقبل الثورة الإسلامية كانت نظامها الشاهنشاهي محل حفاوة الدول الغربية الكبرى، واكبار وتقدير من ذيولها العربية من المحيط إلى الخليج، وكان جميع هؤلاء يدركون جيّدا أن الشاه ظالم لشعبه مستبد بمقدّراته عميل لبريطانيا وأمريكا المتقاسمتين للكعكة الإيرانية، ومع ذلك، لم يجرؤ أحد من حكام العرب على مخالفة تقاليد دبلوماسية خضعوا لها، بحكم انتمائهم جميعا لطابور العمالة والتبعية لدول الغرب، فجميعهم في الهوى سواء.
لم يكن حينها لحكام دول الخليج صوت ولا موقف أمام هيمنة وسيطرة الشاه محمد رضا بهلوي ( 1919/1980) (1)، لكن وضع إيران تغير مباشرة بعد سقوط هذا العميل، وذهاب نظامه بلا رجعة، ومن البلد والنظام المرحب به والمقدّم على كل رغبة، إلى بلد ونظام رفع قائده الإمام الخميني(2) رضوان الله عليه راية الإسلام، وسعى إلى إحياء أحكامه وآدابه، مناصرا لمستضعفي العالم ومنهم الشعب الفلسطيني، معاديا لأمريكا وقوى الاستكبار العالمي الناهبة لخيرات الشعوب، بإحكام قبضتها على أنظمتها.
بعد هذه الثورة الاسلامية المباركة انقلبت مودّة دول الخليج لإيران، إلى عداوة ما كان لها أن تكون، لولا التحريض الأمريكي الغربي المتواصل ضد إيران، بعد فقد تموقعهم وامتيازاتهم داخل إيران، ما شكّل كارثة على الأمريكان خاصة والغربيين بصفة عامة، وكان للإعلام الغربي وتبيعه العربي دور في تشويه صورة إيران، رغم صفائها ونقائها لمن يبصر من عقلاء الناس، ومن موقع المعتدى عليها والمسالمة بكل ما في الكلمة من معنى مُجسّد على أرض الواقع، حوّلها هؤلاء متحالفين إلى دولة عدوّة ونعتوها بأقذع النعوت إلى درجة وصفها براعية الإرهاب.
ومعنى الإرهاب في السياسة الخارجية الامريكية الغربية فقط، المقصود به حركات مقاومة مشروعها الخبيث، المتمثل في رعاية وحفظ حظوظ كيانها الصهيوني، واستدامة بقائه على أرض فلسطين، فمن وقف الى جانب هذه الحركات وساندها متيقنا بأنها صاحبة حق، اعتبر لدى أمريكا وحلفائها إرهابيا، وهو ما حصل لإيران، لكنها لم تبالي بما تقرر في شأنها، وثبتت على قناعاتها ولم تتراجع قيد أنملة رغم العقوبات والحصار.
هذه إيران الإسلامية واضحة في أفكار قادتها، وانتظام دستورها وحسن أداء نظامها، بكل تفاصيلها الماضية والحاضرة واعتقد جازما أنّ قادمها سيكون أفضل، لم تعتدي إيران على أحد، بينما وقع تكرار الإعتداء عليها، من أطراف خبيثة تعاقدت على الحاق الضرر بها، وقد تواترت الأيام بالتأكيد، على أنه ليس في مشاريع ايران السابقة واللاحقة شيء من الاعتداء على جيرانها، ولا حتى الغربيين اذا لم يعتدوا عليها، قد برهن دستورها الذي ائتلفت فصوله ورُتّبت نقاطه بدقّة، بحيث لم يترك مجالا فيه لثغرة تُخذ على محمل التشكيك في مصداقيته.
لقد بدا واضحا في فصله الأول من فصوله العامة، وفي المادة الثالثة منه، جاءت النقطتان 15 و 16 مدى التزام نظامها بمبادئه الإسلامية المنبثقة من مصدريه التشريعيين القرآن والسنة المطهرة، جاء فيهما:
– توسيع وتقوية الأخوة الإسلامية والتعاون الجماعي بين الناس كافة.
– صياغة السياسية الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والإلتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين، وتوفير الدعم الكامل لمستضعفي العالم.(3)
وجاءت المادّة 12 من الدستور لتؤكد على الوحدة والأخوة الإسلامية، فاتحة مجال العمل عليها وتحقيق الغاية منها لجميع قطاعات وأركان الدولة: (وفقاً للآية الكريمة (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (4) يشكل المسلمون أمةً واحدةً، ويتعين على حكومة جمهورية إيران الإسلامية صياغة سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، ومواصلة السعي لتحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية.) (5)
وتحت عنوان السياسة الخارجية المدرج في الفصل العاشر، جاءت المادة 152 لتلخص هذه السياسة في عناوين واضحة ضمن فقرتها، لتؤكّد على تحرر ايران من كل تبعية وعمالة، واستعدادها للدفاع عن حقوق المسلمين، وجنوحها للسلم بعلاقات صادقة ووثيقة مع دول العالم، خدمة لشعوب تلك الدول: (تقوم السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية على رفض كل أشكال التسلط، سواء ممارسته أو الخضوع له، والمحافظة على الاستقلال الكامل ووحدة أراضي البلاد، والدفاع عن حقوق جميع المسلمين، وعدم الانحياز لأي من القوى العظمى المتسلطة، والاحتفاظ بعلاقات سلمية متبادلة مع جميع الدول غير المعادية.) (6)
التزام ايران الإسلامية بمحتوى دستورها والعمل بمقتضاه، أسقط ادّعاءات أعدائها، وحوّلها من دولة كثرت حولها الدعايات والأقاويل الباطلة، إلى دولة جديرة بأن تكون مقرّبة من دول العالم، للمصداقية التي كسبتها سياساتها الشفافة ومواقفها الحكيمة، فمن كان متوجّسا منها خيفة بالأمس، واقعا تحت تأثير الدعاية الغربية المغرضة، جاء اليوم بجهود الخيّرين من الدول الصديقة والشقيقة في هذا العالم، ليبدأ صفحة جديدة من العلاقات المتكافئة معها، من بين هؤلاء المملكة العربية السعودية، هذا التبدّل المفاجئ – إن حسنت فيه النيّة من الجانب السعودي – سيكون باب خير للمسلمين جميعا، ويعطي مثالا جيّدا لبقية الدول العربية – التي ما قاطعت إيران إلا بسبب اصطفافها إلى جانب المملكة – لتحذو حذوها في ترميم ما تهدّم تعسّفا وظلما من تلك العلاقات، هذا ولم تنفكّ إيران يوما عن مدّ يديها إلى أشقائها، من أجل الوحدة والتعاون فيما بينهم، وبناء علاقات متينة على جميع الصّعُدِ، تعود بالخير العميم على جميع المسلمين.
إيران بمواقفها الإسلامية هذه تقابل السيّئة والإساءة بالحسنة والإحسان، ولم تتعسّف يوما على بلد إسلامي إيمانا منها بأن القاعدة القرآنية: ادفع بالتي هي أحسن. سبيل اقناع ووسيلة تغيير أساليب الأشقاء إلى الأحسن، بوادر حسن النية واضحة وموجودة لدى إيران، وعلى الطرف السعودي أن يعبّر عن حسن نيّته في سياسته الخارجية تجاهها، فلا تكون إعادة علاقاته معها من باب حياكة مؤامرة أخرى ضدّها، وأرجو أن لا يكون الأمر كذلك.
المراجع
1 – محمد رضا بهلوي https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – روح الله الخميني https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – الدستور الإيراني https://ar.mfa.ir/portal/viewpage/3984
4 – سورة الأنبياء الآية 92
5 – الدستور الإيراني https://ar.mfa.ir/portal/viewpage/3984
6 – المصدر السابق