في مقال نشرته مجلة المعرفة، لسان حركة الاتجاه الإسلامي بتونس، تحت عنوان الرسول ينتخب إيران للقيادة، حرّره أحد كتاب الحركة وقياداتها، تضمّن أحاديث عن قوم سلمان الفارسي ( المحمّدي)، أكّدت على أنّ الله إدّخر هؤلاء القوم، لرفع كلمته وإعلاء دينه، وهذا ما فسّر به الكاتب انتصار الثورة الإسلامية في إيران، والمقال صدر في إبّان ذلك النصر، وقد أثبتت إيران على مدى أربعة عقود ونصف، أنها عند وعودها التي قطعتها على نفسها، بأنّها معنيّة بقضايا تحرّر المسلمين خاصة والمستضعفين عامة.
عزيمة إيران ومظاهر قوتها اثبتتها، من خلال هجوم طلبتها على السفارة الامريكية، واحتجاز طاقمها المؤلف من 54 موظفا جاسوسا 444 يوما كاملة، حاولت فيها أمريكا عسكريا تحريرهم ففشلت والتجأت دبلوماسيا الى الجزائر لتتوسط لها في اطلاقهم، وكان ذلك الصفعة الأولى التي تلقتها أمريكا وعجزت كذلك على الردّ عليها بشرف، حيث لا شرف للبيت الأبيض وحريّّ به ان يلقّب بالبيت الأسود، فالتجأت الى المكر والحيلة بتسليط عقوبات اقتصادية ومحاصرة ايران تجاريا وتشويه سمعتها إعلاميا، وكان أول المستجيبين والمنظمين إلى جوقتها الإعلامية والدبلوماسية أغلب حكام العرب، الذين سارعوا إلى مقاطعتها لأسباب ملفّقة.
ومع ذلك فإن ايران بحكمة قيادتها تمكنت من تجاوز جميع تلك العقبات والتعطيلات والتشويهات الدعائية المغرضة، وأن تثبت علوّ كعبها في ميدان تحدّي أعدائها، ومن رضي من الدول العربية، أن يكون خادما في ركاب أمريكا والغرب المتصهين، فأجهضت مؤامرة اسقاط نظامها من خلال عدوان صدّام الذي استمر ثماني سنوات خرجت فيه منتصرة، خاض فيها الشعب الإيراني ملحمة الدفاع المقدس، وتحدّي الحضر المفرض على بلاده من الدول الغربية المصنعة للأسلحة، بانخراط مهندسيه في دورات تصنيع أسلحة تحتاجها القوات الإيرانية على اختلاف اختصاصاتها، وحقق في ذلك نجاحات باهرة توالت في التقدّم بهذه الصناعات المتنوعة حيث بلغت اليوم مستوى رفيع يصعب أن تحققه دولة أخرى مثل إيران، وهي تحت الحصار والعقوبات الأمريكية الغربية.
كل هذا والسبب الذي حرّض الغرب الصهيوني على إيران، هو تبنّيها للقضية الفلسطينية تبنّ كامل، وهي لا تؤمن بشيء من الحلول التفاوضية، ولا مشروع حلّ الدولتين الذي تقدّمت به جامعة الدول العربية وعدد من دولها الى الأمم المتحدة، على أنّه يمثل الحلّ العادل المناسب حسب رأيهم للقضية الفلسطينية، وكان للإمام الخميني رأي سديد بشأن فلسطين، فلا حلّ لها لديه بغير القوّة، ولا مكان للمستوطنين على أرضها، فهو يرى تحريرها كاملة من النهر الى البحر، ودعا الى الوقوف مع فصائلها المسلحة المقاومة لاحتلال أرضها، واستمرّت السياسة الإيرانية على ذلك المنوال من الدعم المادي والمعنوي، والاسناد اللوجستي العسكري، إلى يوم طوفان الأقصى، ومازال متواصلا حتى تحرير كامل فلسطين.
هذا الموقف الإيراني المشرّف، انفردت فيه عن بقية الدول العربية والإسلامية، بسبب تحرّرها من هيمنة الغرب المتصهين، كلّفها الكثير من التضحيات الجسام، فقدت خلاله خيرة رجالاتها من أعلى هرم السلطة، إلى علمائها وخبرائها في مجالات التقنيات الذّرّية والعسكرية، فلم يكتفي العدوّ الصهيوني بغاراته المتواصلة على نقاط عسكرية في سوريا، وما أحدثته من خسائر بشرية مهمّة، بل تمادى – وفي ذلك تجلّت حماقته – فقصف قنصليتها في دمشق بأربعة صواريخ، متسببة في انهيار المبنى بالكامل، ومقتل ثلة من الخبراء العسكريين الإيرانيين كانوا في اجتماع بإحدى قاعاته.
هذا العدوان الغادر، كان آخر ما قامت به القوات الجوية الصهيونية ضد ايران، وهو ما حرك القيادة ممثلة في الامام الخامنئي، إلى تلبية نداء الواجب في الرّد على العدوّ، بما يناسب ردعه عن التمادي في عربدته الجويّة، وفي حساب القيادة الإيرانية، أنّ ذلك يقتضي انخراطها في حرب شاملة مع الكيان الصهيوني ومن يقف معه، خصوصا أمريكا وحلفائها من دول الغرب وذيول الأعراب، بمعنى أن تفعيل قرار الردّ الذي جدّ ليلة أمس وصباح اليوم وهو متواصل، يمكن أن يتحوّل إلى حرب مفتوحة متعددة الجبهات، وهذا ما دخل في حسابات القيادة الإيرانية، قبل أن تنطلق صواريخها ومسيراتها باتجاه نقاط عسكرية محددة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
انتظار شعبي داخل ايران وخارجها لم يدم طويلا، رغم أنّ هناك من كان يشكك في وقوعه، من باب يأسه واحباطه الذي تلبّسه، طيلة 75 سنة من عمر نكبة فلسطين، وفجّر فرحة عارمة بين أوساط الشعوب العربية والإسلامية، سترفع من معنويات عناصر حركات المقاومة داخل فلسطين، وخصوصا في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحولها في لبنان واليمن والعراق وسوريا، ضربات القوات الإيرانية الموفقة، استهدف تحديدا مواقع عسكرية صهيونية، منها المطار نفاتيم العسكري الذي خرجت منه الطائرات الف 35 الصهيونية، للاعتداء على القنصلية الإيرانية بدمشق، وكذلك مركز تجميع المعلومات التجسسية، الذي أعطى بياناته للقوات الصهيونية، وساعدها على تنفيذ العدوان.
ضربات تبدو من أول التقارير المحتشمة من داخل فلسطين أنها موجعة، وسيكون لها أثر بالغ في لجْم هذا الكيان إن بقي فيه من يعقل، وإلّا فنحن مقبلون على حرب تحرير فلسطين بأبهر افتتاح قامت به القوات الإيرانية، وأخصّ منها حرسها الثوري وفيلق القدس، ولا شك أن من سينظمّ إلى جبهة العدوّ الصهيوني كالأردنّ مثلا في اعتراض الطائرات المسيرة، سينالها نصيبها من النار، والتحذير الذي وجهته القيادة الإيرانية إلى دول الخليج والأردن، وكل من يفكر في مساعدة الكيان الصهيوني – هو تحذير واضح تماما- سيكون ضمن بنك الأهداف المشروعة، التي ستستهدفها الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، استهدافا يردعها عن مساعدة الكيان الصهيوني المعتدي، وقد أعذر من قد أنذر.