الأحد , 17 نوفمبر 2024
Breaking News

إيران .. حصيلة تاريخ يستدعي الإهتمام…بقلم محمد الرصافي المقداد

عشرة أيام تفصلنا عن ذكرى انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وهي الأيام الحاسمة التي سبقت الحدث الفريد من نوعه في عصرنا، ويطلق عليه أهل الولاية في إيران بعشرة الفجر المباركة، مُفْتتحها بدأ بعودة قائد الثورة الاسلامية الإمام الخميني رضوان الله عليه من منفاه الأخير بباريس إلى طهران، ليكون إلى جانب أبنائه في مقارعة نظام العمالة لأمريكا والغرب، قريبا منهم مرشدا وموجّها لهم في ثورتهم، وهي سابقة في تاريخ ثورات في العصر الحديث، لم يكن قائد غيره ليجرؤ عليها.

منذ ذلك الحين وإلى اليوم، تكالبت القوى المعادية للإسلام، من أجل ضرب هذا النظام الفتي، الذي قام بارادة شعبية منقطعة النظير، فحيكت ضده المؤامرات الخطيرة، وحوصر اقتصاديا من أجل استنفاد موارده، وأسيء إليه سياسيا بمختلف الادّعاءات الباطلة، وحورب عسكريا ثماني سنوات (1980/1988) بلا هوادة، استعمل فيها المعتدون على أرضه وشعبه الأسلحة الكيماوية المحرّمة دوليا، أرادوا إعلاميا أن تكون في ظاهرها حرب اقليمية بين نظام البعث العراقي والنظام الاسلامي في ايران، ولكنها في الحقيقة كانت حربا أمريكية غربية بالوكالة، بعد التغيير السياسي الجذري الذي طرأ على إيران، تلك الحرب العدوانية وقع تمويلها من طرف عملاء أمريكا من دول الخليج، من أجل إسقاط النظام الإسلامي، باعتبار بقائه يشكل خطرا يتهدّد عروشهم، من أنْ تتأثّر شعوبهم بالثورة الإسلامية المباركة.

أمريكا وحلفها الغربي الصهيوني، بعد أن أعلن النظام الإسلامي مبادئه التحرّرية واضحة، من خلال قطعه مع سياسة نظام العمالة، بعمليتي احتلال وكر الجاسوسية في طهران، واحتجاز طاقم السفارة الأمريكية رهائن لدى الطلبة الإيرانيين الثوريين 444 يوما(1)، وطرد بعثة السفارة الصهيونية من طهران، وتسليم مقرّها الى منظمة التحرير الفلسطينية، بعنوان سفارة فلسطين(2)، لم يهدأ لها ولتوابعها بال، فهُم إلى اليوم يحاولون كبح جماح تمرّد إيران عليهم دون جدوى، بعدما استنفدوا جميع طرق ترويضها.

لم يبادر الامام الخميني رضوان الله عليه الى تكليفه الشرعي بقيادة شعبه، إلا وهو يحمل نظرية واضحة للحكم الإسلامي، أساسها ولاية الفقيه العادل، هذا الهدف السامي في مقاصده، وإن كان يتمناه الفقهاء العدول للمسلمين الشيعة الامامية الإثني عشرية، إلا أنهم لم يحركوا ساكنا تجاهه، بل إن هناك من العلماء من عارض الامام الخميني في قيامه بتكليفه كفقيه جامع لشرائط الفقه، وقيادته لثورة شعبه، مُعتبرين عمله غير شرعي، ومازال من هؤلاء العلماء إلى اليوم من هو متشبّثٌ بفكرة الإنتظار السلبي للمولى صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه.

بدخولنا هذه الأيّام في مجال ذكرى عشرة الفجر، نقترب من مختتمها اليوم 11/2/1979 تاريخ انتصار أعظم ثورة في القرن العشرين، أربعة عقود ونصف مرّت بحلوها ومرّها، لتؤكّد مجدّدا رسوخ هذه الثورة، وتجذّر شعبيّتها بين الأوساط الإيرانية، ما يزيد تأكيدا للعالم بأسْرِه، بأنّ جذورها عميقة وحاضنتها قويّة، وهذا النظام الإسلامي الذي يقود ايران، ملك جناحين يطير بهما متحدّيا أعداءه، جناح إرادة وحكمة كسرتا كل عائق وليّنتا كل صعب، ووفاء شعب آمن بصدق وحقانية نظامه، لذلك فهو دائما على أهبة الاستعداد لتقديم مزيد من التضحيات لتحقيق أهدافه.

مسيرة إيران لم تكن سهلة كما أسلفت الذّكر، ورغم كل العراقيل والعقوبات والدعايات المغرضة التي تعرّضت لها، فقد أثبتت نجاحات كبيرة وتطوّرات هامة، على جميع الأصعدة العلمية والإقتصادية، المدنية منها والعسكرية، ولمن غُيّبت عليه إيران الإسلامية ومسيرتها الثورية، مسيرة التحدّي التي قطعها شعبها ونظامها، يجْدُرُ بي أن أستعرض أرقاما مبرْهِنَةً على صحّة هذه النجاحات، فماذا حققت ايران على مدى 45 سنة من انتصار ثورتها؟

فعلى الصعيد المعنوي – وهو لا يقلّ أهمّية على المادّي – فتحت مجالها الفكري الثوري، لينهل منه المسلمون التواقون إلى الحرية والإنعتاق الحقيقي من نير الإستعمار، وقد نشات بسبب ذلك التأثّر بأفكار الثورة الإسلامية، حركات تحررية في لبنان وفلسطين واليمن، نَمَتْ وتطوّرت برعاية إيرانية واضحة، وهي اليوم تشكل رقما صعبا في المنطقة، قابلا للتطوّر في كل مكان يوجد فيه استضعاف شعب.

أما على الصعيد المادي، فبدأ من العلوم وتحصيلها، وهي من أبواب التطوّر التقني في جميع المجالات، فإنّ إيران طوّرت مناهجها التعليمية ومعاهدها، لتجني من وراء ذلك ارتقاء جامعات إيرانية، لتصبح ضمن الترتيب العالمي لأوائل المؤسسات التعليمية العليا في العالم، فقد (أعلن رئيس معهد الاستشهاد والرصد للعلوم والتكنولوجيا (ISC) في إيران( أحمد فاضل زاده)، عن تصنيف 46 جامعة إيرانية ضمن قائمة الـ 1411 للجامعات المتفوقة عالميا، حسب تصنيف “لايدن” لعام 2023.(1)

وقد نجحت ايران من خلال تطوير مناهجها التعليمية، في فتح آفاق ومجالات صناعية واعدة للمهندسين الإيرانيين المتخرّجين من معاهدها العليا، والعائدين من دراستهم بالخارج، فقد حوّلوا بلادهم الى قطب صناعية واعد، وايران اليوم تصدّر منتجاتها المتعددة إلى دول العالم، وهي منتجات متعددة سوف أتناولها باختصار، (في النصف الأول من العام الماضي، شهدت القطاعات الصناعية جميعها في البلاد نموًا إيجابيًا، باستثناء ثلاثة قطاعات، وسجلت صناعات إنتاج المركبات، وصناعات إنتاج المصنوعات اليدوية، وصناعات السيارات أعلى مستوى من النمو، ما نسبته 57 و22 و21٪ على التوالي. في حين تمتعت الصناعات الخشبية والمشروبات والمعادن الأساسية بمعدل نمو عالي).(3)

وكانت الحرب العدوانية المفروضة على ايران، حافزا لدخول مهندسيها وخبرائها ميدان تصنيع الأسلحة بمختلف أنواعها، بعد أن امتنعت الدول المصنعة لها عن بيعها، ورُبّ ضارة نافعة، فقد بلغت إيران اليوم مستويات عالية ورفيعة، أهّلتها لتكون من بين الدول الكبرى، في صناعة الأسلحة المتطوّرة برّا وبحرا وجوّا، ولولا هذا التطوّر التقني في مجال الدّفاع لما أمكن تحقيق الأمن داخليا وخارجيا، والبلاد التي لم تمتلك أسلحتها للدفاع عن أراضيها وشعبها وأهدافها، تبقى فريسة سهلة بين يدي الدّول الإستكبارية وفي مقدّمتها أمريكا.

تطوّر لافت لإيران رغم العقوبات والحصار والمؤامرات، منه صناعة الأدوية المتطورة، ولها اكتفاء ذاتي في مجال الطبّ وعلاجاته، قمّة ما توصّلت إليه ايران برنامجها الفضائي، وإطلاق الأقمار الصناعية بواسطة صاروخها سيمرغ الحامل للأقمار، قادم الزّمن سيشهد لها مكانة مرموقة في هذا المجال، ترقّبوا إيران خصوصا في مشروعها لتحرير فلسطين، فإن مجال المقاومة الكيان الصهيوني الذي احتضنته، سيكون حاسما في تخليص شعبها من أسوأ احتلال على مرّ التاريخ.

مرت 45 عاما على تحقّق وعد الله بانتصار قوم سلمان المحمّدي، وقد بلغت إيران اليوم مكانة لم يكن أحد يتوقّع وصولها إليها بهذه السرعة، في تحدّ متواصل لم توقفه عقبة، مُبشّرا بغد أفضل مما وصل إليه الإيرانيون، وإن كان ما وصلوا إليه كافيا لإثبات عزّتهم، إلا أنّ سقف طموحاتهم أعلى وسيبلغونها قريبا.

المراجع

1 – زي النهارده .. 42عاما على ذكرة اقتحام السفارة الأمريكية في إيران

https://www.youm7.com/story/2021/11/4/

2 – السفارة الفلسطينية في طهران، بدلا من الاسرائيلية

https://www.irannewsagency.net/2023/10/15/

https://www.tasnimnews.com/ar/news/2023/07/01/2919188/46-

3 – ما هي الصناعات الإيرانية الأكثر ازدهارا على مدى العقد الماضي

https://mdeast.news/ar/2023/01/14/

 

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024