لقد ثبت بما لا يدعو مجالا للشك، ان السياسة الامريكية كانت ولا تزال ذات نزعة عدوانية استغلالية، تجاه البلدان المتأخرة عن ركب النمو الاقتصادي- نتيجة استعمار دول الغرب لها- وعلى وجه الخصوص، تلك الدول التي اتخذت مسارا معاكسا لسياستها الإستكبارية، وأعلنت مواقفها منها بكل وطينة، وفي مقدمتها جمهورية إيران الاسلامية، التي سارعت منذ بداية ثورتها، الى إنهاء التمثيل الدبلوماسي الامريكي من العاصمة طهران (4/11/1979)، وتامين الجبهة الداخلية، من وكر الجوسسة الذي كان يدار من مقر السفارة الامريكية، والذي كان يعد اكبر مراكز التجسس في الشرق الاوسط.
أمريكا التي ضاعفت من عدائها لإيران، ولم تتوانى عن تسليط أي عقوبة أو حضر على اقتصادها ومؤسساتها، من أجل الضغط عليها، وإجبارها على الخضوع لها، والعودة الى بيت الطاعة، الذي دخله طوعا وكرها من دخله، من انظمة وحكام دول العالم، تبدو اليوم في وضع غير نزيه ولا مشرف، عندما كشف الرئيس روحاني عن وساطات سرّية قامت بها أمريكا عبر وسطاء.
إن سياسة الخداع والمناورة التي اتخذتها الادارة الأمريكية منهاجا عاما، والتعامل بوجهين مختلفين ومتناقضين، في تعاملها الدبلوماسي مع دول العالم، قد برزت بوجهها الصّلف، في عهد الرئيس السادس والثلاثون لأمريكا، وقد كشف ترامب عن تناقض في سياسته الخارجية، حمله الى شفير السقوط، وأظهر مدى التخبط الذي وصل اليه طاقم البيت الابيض، في تعامله مع الدول المصنفة معارضة للسياسة الامريكية او عدوة لها.
وقاحة بلغت قمتها، عندما كشف الإيرانيون عن الوجه الآخر لترامب، مع ظهوره بمظهر المتشدد في موقفه من النظام الاسلامي في إيران، واستمراره في تشديد العقوبات الاحادية الجانب، على اقتصادها ومؤسساتها الحكمية، حاول من خلاله مرارا وتكرارا فتح قناة حوار معها، عبر وسائط أوروبية وعمانية، ليس من أجل مصلحة إيران أو الشعب الامريكي، وإنما من أجل إنقاذ نفسه من السقوط، خصوصا بعد أن اتهم بسوء استغلال منصبه، واستعمال حيل قذرة لتعزيز فرصه في الفوز بالانتخابات القادمة، وبالضغط على الرئيس الأوكراني(فولوديمير زيلينسكيVolodymyr Zelensky ) للبحث في معلومات تضر بمنافسه في الانتخابات (جو بايدنJoe Biden ) نائب الرئيس السابق أوباما، وهو المنافس الذي يخشاه ترامب و يعتبر الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
مواقف ترامب المملاة من طرف اللوبي الصهيوني، المسيطر على السياسة الخارجية الأمريكية، كشفت ضعف شخصية، وحماقة فيه اظهرته أمام العالم، حاكما قد سيطرت عليه نزعة استعلاء كبيرة، جعلته يرى العالم خاضعا له وتحت قبضته، وعلى دوله أن تستجيب لأوامره ونواهيه، لذلك فإن ما قام به الى حد اليوم، لم يرق لشركائه في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية، واعتبروه غير جدير برئاسة بلادهم، وقد باشروا تتبع عوراته ايها ثبتت ستفتح لهم طريقا الى عزله من منصبه، أو إجباره على الاستقالة، أو اسقاطه في الانتخابات القادمة نوفمبر 2020.
طريق تشديد العقوبات على ايران، بعد اتخاذ قراره السيء بالخروج الأحادي الجانب من الاتفاق النووي 5+1، والتدخّل في شؤون الدول الداخلية بدعوى حماية حقوق الانسان، وفرض ضرائب اضافية على سلع الدول المنافسة، كالصين والإتحاد الاوروبي، أفرزتها السياسة العقيمة لترامب، والتي لم تسفر عن شيء سوى مزيد من عداء الشعوب الحرة وحكوماتها لأمريكا.
أقلّ من سنة تفصل ترامب عن موعد خوض انتخابات لفترة ثانية، ولم يعد لديه سيناريو جديد يموّه به على الشعب الأمريكي، فالرئيس الكوري الشمالي قد أعاد حسابه بعد لقائه الوحيد، ولم يعد مستعدا للقاء آخر، في ظل العقوبات المشددة والمسلطة على بلاده، رافضا بشكل قاطع العرض الأخير الذي دعاه اليه، وهذا يدعونا الى تثمين الموقف الثابت للجمهورية الاسلامية، في عدم التفاوض مع أمريكا وهي تحت العقوبات الظالمة، فإيران ليست بالخبّ (1) ولا الخبّ يخدعها.
واعتقد أن ترامب ومن سبقه من رؤساء أمريكا، يدركون جيّدا حقيقة النظام الإسلامي الإيراني، وثباته على مواقفه وعمله بمبادئه، يفرضان عليه أسلوبا واحدا في التعامل مع العدو، بحسب الخطر الذي يمكن أن يشكله ذلك العدو، وقد نجحت في تحصين جبهتها الداخلية، من أي تأثّر قد يطرأ عليها نتيجة الدعاية المغرضة والمؤامرات المحاكة ضدها، وبعد فشل استغلال احتجاجات ارتفاع اسعار البنزين، لم يبق سوى تشويه ايران خارجيا، وهذا بدوره سيلاقي نفس مصير المؤامرات السابقة.
الى هذا الحدّ، يعتبر الكثير من الأمريكيين رئيسهم الحالي من أفشل رؤسائهم على مدى 230 عاما، رغم انه قد مارس الضغط السياسي والعسكري، وتحيّل لجلب مئات المليارات من الدولارات من النظام السعودي ودول الخليج، وهو تصرّف غير مشرّف ويدعو الى الاشمئزاز منه، واعتقد أن ورقة ترشحه القادمة قد احترقت، من سوء ادارته وتصرّفه الأرعن(2).
…………………………………………..
1 – الخِبّ: الرّجل الخدّاع أو المخادع
2 – الأرعن: الأهوج في منطقه والأحمق والطائش في قوله وفعله