كان الإعتقاد السائد قديما أن الدول المستعمِرة يصعب أن يقع استعمارها واستغلالها حتى وقعت الحرب العالمية الثانية، وتبين بعد انتهائها أن تلك النظرية التي سيطرت على عقولنا بلا منطق، سقطت بهيمنة أمريكية بدت واضحة، مباشرة بعد انتهاء تلك الحرب الطاحنة، وبدء جني نتائجها لصالح البلد الجديد بتعبير الفلكي (نوستراداموس Nostradamus)(1)، وإذا بأوروبا قبل أن تجتمع حتى مظلة إتحادها، قد بدت راكعة ساجدة مسبحة بحمد أمريكا، لا تلوي لها عصا ولا ترفض طلبا.
يمكن اعتبار مبدأ مونرو Doctrine Monroe(2) الذي اقترحه الرئيس الأمريكي (جيمس منرو) على الكنغرس في 2/12/1883، كان النواة الأولى، التي مهّدت لبداية تدخلات أمريكية، في نصف القارة الجنوبي، وفي نفس الوقت منعا للدول الأوروبية، من استغلالها موارد تلك الشعوب، وهو مبدأ استكباري – وإن كانت قد رحّبت به دول أمريكا اللاتينية – تضمّن في فحواه العام منطق هيمنة واضحة، بدأت أمريكا برسم خططها، التي تسمح بالدخول فيها، هذا المبدأ بدأت أمريكا بتطبيقه بداية القرن العشرين، بتدخلها في الدومنيكان(1905)، ونيكاراغوا (1912)، وهاييتي (1915)، حوّل الدول الأوروبية المستعمِرة بجرة قلم، إلى دول لا حول لها ولا قوة، أمام الإرادة السياسية الأمريكية المستقوية بجبروتها وكبريائها عليها، وبانتهاء الحرب العالمية الثانية، بانتصار أمريكا وحلفائها على المحور وحلفائه، زادت أمريكا من نسبة هيمنتها على العالم، عبر فضاء الأمم المتحدة.
وبظهور قوى عالمية أخرى أصبحت منافسة بقوة هيمنة أمريكا، مثل الصين وروسيا وإيران، وهذا الثلاثي العنيد، معلوم بمعارضته المبدئية لسياسات أمريكا، قويت إمكاناته وقدراته، بحيث شكل خطرا حقيقيا، على مستقبل مواصلة تربّعها على عرش العالم بمنطق أرعن، لم يعرف يوما طريق العدل، وسياسة الكيل بمكيالين أسلوب أمريكي في التعامل مع قضايا الدول، وفي مقدمتها قضية فلسطين، التي تسعى أمريكا ومعها الإتحاد الأوروبي، لإنهائها بطرق خبيثة، ومنها دفع أصحاب القضية من العرب والمسلمين بأساليب مختلفة، للتفريط فيها بالتطبيع مع الكيان الغاصب.
إذا بإمكاننا أن نجزم بأن الاتحاد الأوروبي قد أسلم مقودته ناسخا سياساته الخارجية متطابقة مع الأصل، وهي السياسة الأمريكية، فلا يمكنها أن تحيد عنها قيد أنملة، وهذا ما لمسناه من خلال تعامل دول هذا الإتحاد مع الأزمات والقضايا العالمية، وعلى وجه الخصوص تطابق مواقفها مع المواقف الأمريكية، بشأن منشأ فايروس كرورنا، الذي يرجّح أن يكون معدّا في المختبر (لورنس ليفرمور)(3) المؤسسة البحثية الممولة من الحكومة الأمريكية(4)، وقد اجتهد هذا التكتّل على اتهام الصين الشعبية، بأنها سبب ومصدر انتشار الفايروس، وهو اتهام باطل، كانت أمريكا أولى بأن تُتّهم بنشر الوباء الذي عاد عليها، فانطبق عليها مثل (من حفر جبّا لأخيه وقع فيه)، ومع ذلك أقول إن ما خفي كان أعظم، فمن غير المستبعد أن يكون الوباء جريمة معدة بإحكام من أجل التخلّص من كبار السن ونفقات الصناديق الاجتماعية المُكْلِفة على أمريكا ومعها الدول الأوروبية.
وعندما تتعامى أمريكا على خطيئتها الأخرى، في صناعة الإرهاب التكفيري، وتسهيل تجميع عناصره في تركيا، ليدخل في مرحلة غزو عنيف، مخترقا حدود سوريا والعراق، ومؤسسا دولة إرهاب باسم داعش، تصطف معها الدول الأوروبية في تلك الصناعة والتسهيل، متظاهرين معا بمحاربته، متجاهلين أن من حارب الإرهاب عامة وداعش خاصة هم أهل الديار، من عراقيين وسوريين ولبنانيين وقفت إيران إلى جانبهم مضحية معهم بأسلحتها وأبناءها، تلبية واستجابة لنداء المرجعية الرشيدة، ولولا ذلك لكانت داعش على تخوم البلاد الأوروبية.
الحرس الثوري الإيراني دعا الإمام الخميني رضوان الله عليه إلى تأسيسه من شباب الثورة الإسلامية، الذين شاركوا فيها بفعالية، وانتصروا على نظام الشّاه العميل لأمريكا وأوروبا، وشكّلوا بعد تاسيسهم الدرع الواقي للنظام الإسلامي من التهديدات، والمساهم الفعال خلال الحرب المفروضة التي استمرت ثماني سنوات، والقلعة الحصينة الصامدة في وجه جميع دول الغرب المستكبر، المتربّص بالنظام الإسلامي، لذلك أقول إنه ليس هناك هاجس يؤرق راحة أمريكا والاتحاد الأوروبي، سوى قوة الحرس الثوري الذي يزداد كل يوم صلابة واقتدارا، وقد أثبت بمرور الأيام أنه صمام أمان فعال، لبقاء التجربة السياسية الإسلامية الوحيدة قائمة في عالمنا المعاصر، القادرة على تقديم أفضل نموذج للحكم بشريعة الدين الحنيف، بعيدا عن التطرف والإرهاب، زمن معاداة الإسلام المحمّدي الأصيل، دون الاسلاموفوبيا التي صنعها الغرب، وغذى بها مشاريعه الإرهابية، وبنتائجها أعطى لشعوب العالم صورة خاطئة تماما، عن الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله .
بعد فشل المؤامرة التي حركها الغرب داخل إيران، ورعاها ماديا وإعلاميا، وأمّل من خلالها زعزعة الاستقرار داخل البلاد، لعلّه يعطي صورة مغايرة لما هو سائد، من أن النظام الإسلامي نابع من ثورة عظيمة لم تحصل من قبلُ، ويمتلك حاضنة وقاعدة شعبية عريضة، لا يمكن أن يوهنها شيء من اضطرابات أعداء النظام الإسلامي من الداخل، باهتة على قلة مشاركيها، وغباء شعاراتهم، لم تفلح في اقناع غالبية الشعب للإيراني، أمام فشل المؤامرة الذريع، تحرك البرلمان الأوروبي في جلساته الأخيرة، ليصنّف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، مع إدراج الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، و المرشد الأعلى السيد على خامنئي و المدعي العام محمد جعفر منتظري، وجميع المؤسسات ذات الصلة بالحرس الثوري الإيراني، ضمن قائمة العقوبات، في تصويت غير ملزم.(5)
وقد وصف رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، آية الله ابراهيم رئيسي، خطوة الاتحاد الأوروبي المتمثلة بإدراج الحرس الثوري الإيراني في قائمة المنظمات الإرهابية، بأنها اجراء ينم عن انعدام الحيلة، ومخالف للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وأضاف: ان هذه الخطوة جاءت من منطلق اليأس، وبعد إخفاق محاولاتهم الفاشلة، في الشارع لضرب الشعب الإيراني، حتى يتمكنوا بزعمهم من عرقلة المسيرة التقدمية للشعب الإيراني. ووصف آية الله رئيسي الحرس الثوري الإسلامي بأنه قوة رسمية وجزء من المنظومة العسكرية للبلاد، وأضاف: هذا الاجراء مخالف للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة (6).
محاولات دول أوروبا للإضرار بالنظام الإسلامي عمياء ناجمة عن أمريكا العمياء الأكبر لن تفضي بهم إلى شيء، ما يمكن قوله هنا أن القطار الإيراني فاتهم ولم يعد بمقدورهم فعل شيء يؤذيه بعد الحصار والعقوبات الظالمة، غدا سيأتون أذلّة صاغرين عن أعتاب إيران.
المراجع
1 – نوستراداموس https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – مبدأ مونرو https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – صحيفة: تقرير أمريكي يخلص إلى أن فيروس كورونا ربما تسرب من معمل في ووهان
https://mubasher.aljazeera.net/news/2021/6/8/
4 – مختبر لورانس ليفرمور الوطني
https://areq.net/m/.html
5 – البرلمان الأوروبي يصوت لصالح إدراج الرئيس الإيراني وحرس الثورة الإيرانية على قائمة الإرهاب.. وطهران تنتقد القرار.. عبد اللهيان في اتّصالٍ مع بوريل: هذا السّلوك خاطئ وغير مدروس
https://www.raialyoum.com/\
6 – الرئيس الإيراني يعلّق على الإجراء الأوروبي ضد حرس الثورة
https://nournews.ir/Ar/News/126585