مما لا شك فيه أن سياسيي أوروبا من مختلف دول القارة العجوز سعوا جاهدين عندما وضعوا أهداف الاتحاد الأوروبي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي لوضع مجموعة من الأهداف النظرية علها تجد طريقها للتطبيق بما يسهم في إنشاء قوة عظمى تقارع القوى الكبرى التي كانت سائدة في حينه.
وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية الكبرى لديها تاريخ استعماري في وجدان معظم البلدان النامية، إلا أن هذه البلدان كانت تأمل في نجاح الاتحاد الأوروبي بأن يصبح قوة موازنة في مواجهة القطب الواحد المتمثل في الولايات المتحدة وسياساتها القائمة على التسلط وشن الحروب والتدخل في شؤون الدول الأخرى، خاصة أن أحد الأهداف الرئيسية التي تضمنتها اتفاقية الاتحاد الأوروبي نص على الحفاظ على السلام، ومنع النزاعات، وتعزيز الأمن الدولي.
بالإضافة إلى أهداف أخرى منها تعزيز ودعم الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، ومبادئ القانون الدولي، ومساعدة السكان، والدول، والأقاليم الأوروبية على مواجهة الكوارث الطبيعية والكوارث التي هي من صنع الإنسان.
لكن، وبعد ما يزيد على ثلاثين عاماً من توقيع الاتفاق، هل نجحت مؤسسات الاتحاد الأوروبي وساسته بتحقيق أهداف إنشائه؟
من المعروف أن مقياس نجاح أي كيان سياسي هو في كيفية معالجته للأزمات التي يمر بها، وإذا استعرضنا القليل من تصريحات ساسة أوروبيين بارزين حول تعامل الاتحاد مع جائحة كورونا كمثال نرى أن المؤسسات الأوروبية فشلت إلى حد بعيد وصل إلى حد ضرب مصداقيته وجدواه، كما أعلنت وزيرة الشؤون الأوروبية في الحكومة الفرنسية أميلي دو مونشالان، التي قالت لراديو “فرانس إنتر” العام الماضي: “إذا كانت أوروبا مجرد سوق موحدة في أوقات الرخاء، فلا داعي لها”، فيما حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الخطر الذي يمثله فيروس كورونا على القارة العجوز وعلى المشروع الأوروبي.
بينما كتب سفير إيطاليا لدى الاتحاد الأوروبي ماوريتسو ماساري مقالة، عقب رفض الدول الأعضاء طلب المساعدة من إيطاليا: “يجب ألا تترك إيطاليا وحيدة في مواجهة هذه الأزمة.. هذا الموقف يعد مؤشراً سيئاً على التضامن بين بلدان الاتحاد الأوروبي”.
هنا يبرز فشل أحد الأهداف الرئيسية التي وضعها ساسة أوروبا في إطار إنشاء الاتحاد ألا وهو “مساعدة السكان، والدول، والأقاليم الأوروبية على مواجهة الكوارث الطبيعية والكوارث التي هي من صنع الإنسان.
أما فيما يتعلق بهدف الاتحاد الأوروبي المتعلق بالحفاظ على السلام، ومنع النزاعات، وتعزيز الأمن الدولي، فقد أثبت القيادات الأوروبية المتعاقبة منذ إنشاء الاتحاد أنها تفتقر لانتهاج سياسة فعالة مستقلة عن الولايات المتحدة، لذلك نادراً ما تجد دوراً أوروبياً حقيقياً فاعلاً ساهم في إيجاد حل لنزاع هنا أو حرب هناك، بل اقتصرت فعاليتهم على إطلاق بيانات وتصريحات بعيدة عن الواقع، لا بل يمكن القول إن بعض المواقف الأوروبية ساهمت في تأجيج الصراعات وزعزعة الاستقرار في مناطق مختلفة من العالم.
قد يقول البعض إن الاتفاق النووي الإيراني الذي أعلن عنه في 14 تموز 2015 بين إيران والدول الكبرى متمثلة بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا المعروفة بمجموعة 5+1 يعتبر نجاحاً دبلوماسياً أوروبياً، ولكن دول الاتحاد فشلت في اتخاذ موقف جاد يسمح باعتبار هذا النجاح حقيقياً عندما انسحبت الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق واكتفى قادة بريطانيا وألمانيا وفرنسا الموقعين على الاتفاق مع الصين وروسيا بإصدار بيان مشترك وصفوا فيه القرار الأميركي بأنه يدعو “للأسف والقلق”، وامتنعوا عن اتخاذ أي خطوات فعلية في مواجهة الموقف الأميركي ليثبتوا مجدداً أن سياسات أوروبا لا تنفصل عن نهج البيت الأبيض إلا في الشكل والتصريحات.
الفشل الأكبر في السياسات الأوربية فيما يتعلق بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وتعزيز ودعم الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، ومبادئ القانون الدولي، تجسد خلال سنوات الحرب على سورية وما اتخذه الاتحاد الأوروبي من مواقف وما انتهجه من سياسات خاطئة، على أقل تقدير، ساهمت بشكل مباشر في سفك دم السوريين من خلال دعم الإرهاب من جهة، ومعاقبة الشعب السوري بسبب خياره عدم السماح بالتدخل في شؤونه وحقه في تقرير مصيره من جهة ثانية.
والأخطر من ذلك أن السياسيين الأوروبيين، وعلى الرغم من الأصوات الشعبية الأوروبية المتصاعدة لمراجعة سياستهم إزاء سورية، ما زالوا يصرون على انتهاج السياسات الفاشلة نفسها التي تقطع الطريق أمام وجود أي دور أوروبي مؤثر وفاعل ليس فقط في سورية بل في أي مكان في العالم.