لم يكن العرب والمسلمون قبل مجيء الإسلام، سوى قبائل وشعوب متناحرة، يعتدي بعضها على بعض، فلم توحّدهم حتى أعراقهم، فعاشوا على وتيرة العدوان دهرا طويلا، ولما جاءهم الدين الإسلامي بنبذ ما كانوا عليه من شرّ مستطير، ودعوته الصريحة إلى التعاون والوحدة، والعمل بآداب الأخلاق الحميدة بينهم، مراعاة لأحكام نزلت لتكون فاتحة عهد جديد، بُنِيَ عنصرين أساسيين، التوحيد الله باعتباره الها واحدا، ونبذ غيره من الآلهة الجادة والمتحركة التي كانت شعوبهم عاكفة عليها، ووحدة الكلمة التي هي مقدّمة لوحدة الصّف، لكننا عندما نبحث في تاريخنا الإسلامي عن مواضع تطبيق هاذين الأساسين فيه، لا نجد لهما أثرا حقيقيا معبّرا عن الأمرين الإلهيين.
ولا أعتقد أن مسلما لم يستوعب قوله تعالى: ( إنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون ) (1) وقوله جلّ شأنه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا وأذكروا نعمة الله عليكم اذا كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (2)
في مدينة مراكش المغربية، بتاريخ 17/2/1989 ، تأسس اتحاد الغرب العربي من طرف خمس دول هي: ليبيا تونس الجزائر المغرب وموريتانيا(3)، هذا التأسيس وإن كان متأخرا جدّا عن تاريخه المفروض أن يكون قريبا من استقلال هذه الدول، لتتمكن من التعاون المباشر وبناء توازناتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية، بما يتيح لها ان تحقّق استقلالا حقيقيا لا اعتماد فيه على فرنسا المستعمرة ولا بقية الدول الغربية المتورّطة في استعمار افريقيا واستنزاف خيراتها فوق امتهان شعوبها واستباحة دمائها وأعراضها.
ومن أراد أن يتعرّف على هذا المشروع الاستراتيجي والحيوي فلن يتمكن من تحصيل شيء ذو فائدة غير صفحة اتحاد شبه خاوية على عروشها، بمجلس اتحادها وأمينه العام الطيب البكوش، وبعض التواريخ التي لا تعني شيئا، فيما أمّلته الشعوب المعنيّة بالاتّحاد، والتي بقيت خارج هذا الإطار، بعيدة عن تحقيق طموحها في إقامته، تنتظر عشرية وراء أخرى باعثا يعيد لها الأمل في نشوء اتّحاد حقيقي يمنحها القوّة لبناء صرْحٍ متين تنصهِرُ فيه الشعوب الأربعة، لتمضي بثبات نحو النموّ السريع الذي يعوّضها ما ضاع من سنين مضت سلبية بلا فائدة من التأسيس المزعوم.
هذا البطء السلبي المُتعمّد فرضته السياسات الخارجية للدول المغاربية، التي بقيت محكومة فعليا بتأثير الدولة الاستعمارية الفرنسية، وهي التي لا تريد لمثل هذه المبادرات المهمّة، أن يتحقّق منها شيء يضرّ مصالحها في المنطقة، وقد سعت من قبلُ ولا تزال تسعى، من أجل أن يبقى اتحاد الغرب العربي مجرّد ملهات حكومات، من أجل تسكين شعوبها بجرعات سياسية مؤمّلة رؤية المشروع مُفَعّلا أمامها، وتسويفها بأن الاتحاد جار بين أعضائه، والعمل على تطويره كلّ مرّة بجهود متظافرة بينها.
طوال هذه المدّة والتي تجاوزت 35 سنة، لا شيء يبرّر هذا البطء الشديد في تحقيق وحدة، طالما انتظرتها الشعوب المعنية، وهي مؤمنة بأنها السبيل الوحيد، الذي بإمكانها أن تتّخذ منه وسيلة للتطوّر السريع، ومواكبة الدول المتقدّمة اقتصاديا وعسكريا، النموذج المغاربي لو تحقق كما يجب أن يكون الاتحاد، لكان حافزا سيدفع دول المشرق على النسج على منواله، وتحقيق اتحاد مثله بين بلدانها، فلا شيء بالنسبة للشعوب العربية أبلج من نموذج حيّ، يرون فيه تحقّق طموحاتهم العالقة، في وحدة الأمّة العربية والإسلامية.
العائق الذي تأكدنا اليوم من كونه حجر عثرة يحول دون تحقيق الوحدة المأمولة، وهو الاستعمار وتأثيراته التي لا تزال تحول دون إرادة الشعوب، والذي يجب أن لا يغيب عن أذهاننا، أنّنا حكومات وشعوبا لا نزال نعيش تحت تأثير السياسات الاستعمارية الفرنسية والبريطانية والأمريكية والغربية عموما، هذه الدّول التي تتحكم في مصير دول العالم المصنّف ثالثا، لا تريد أن نتجاوزها في القرارات السياسية، والتي ستفضي بعد تحقّقها إلى استقلال تام وحقيقي عنها، وبالتّالي سوف تخسر امتيازاتها ومصالحها هناك.
إن في الاتحاد قوّة، وهو ما تخشاه دول الغرب الظالمة المتعجرفة بسياساتها المنحازة عن حقوقنا التي نسعى إلى تحقيقها، لعلّ أهمّها عامل التحرّر الحقيقي من التسلّط الغربي علينا، للحيلولة دون بلوغ ما نأمله من تعاون فيما بين دولنا، لذلك نرى المصلحين في عالمنا العربي والإسلامي يدعون جميعا إلى الوحدة ويسعون من اجل تحقيقها، ولم نجد في عصرنا من دعا اليها وعمل بإخلاص من اجل تحقيقها غير الإمام الخميني، الذي دعا إلى العمل من أجل تحقيق وحدة إسلامية صافية، بعيدة عن الدعاوى العرقية الفاقدة للعنوان الإسلامي، العنوان الواجب اتخاذه هدفا بقِيَمه وأحكامه ومقاصده الإنسانية، الخالية من النزعات العرقية المضللة.
إنّ لدينا فضلا عن منابر الجمعة المنتشرة بين مدن عالمنا الإسلامي، والتي لم يقع استغلالها لبناء ثقافة الوحدة الإسلامية كما يجب أن تكون الدّعوة الصالحة لها، منبرا عالميا له أهمّيته العالية، بالتأثير في المسلمين القاصدين لأداء مناسك الحج، وهذا ما التفت إليه الإمام الخميني، وجعل منه وسيلة للدعوة إلى الوحدة بين المسلمين، فهو فضلا عن رمزية مناسكه لها جميعها بعدا وحدويا عميقا، سعي واحد، وطواف واحد، ورميٌ واحد، وجهة واحدة، تدعو أن نكون كما قالها تعالى أمّة واحدة، لا فرق فيها بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.
الوحدة الإسلامية ضرورة حتمية وأمرا إلهيّا جاءت في كتاب الله، وهي قدرنا الوحيد للتخلّص من سلطان هيمنة الدول الغربية الاستعمارية، وبناء تكتّل قويّ، من شأنه أن يكون سدّا منيعا، يحول دون استمرار الغرب في العبث بنا، واستنزاف مقدّراتنا التي نحن أولى بها من أعدائنا في بناء أمّة يجمعها الكثير من الثوابت، وليس هناك ما يفرّقها سوى الدعاوى الباطلة.
أخيرا أقول لهؤلاء أدعياء الوحدة الكاذبة، إلى متى تبقون تطاردون سراب أوهام، نسجتها مخيّلات من أسسوها أوّلا، وغادروا الدنيا دون أن يحققوا منها شيئا، وأثبتت عمليّا أنها ترتيبات لم تقدّم للشعوب المعنية شيئا، كما حصل من قبل في مشروع الجمهورية العربية المتحدة، بين مصر وسوريا الذي أقيم في 22/2/1958(5) وسقط سريعا، تاركا خيبة في نفوس الشعبين السوري والمصري، وهذا الفشل الذريع، أثبت أن الوحدة بدون فكر وعقيدة إسلاميين، هي مشروع فاشل بالدليل، والتجربتين المصرية السورية أوّلا والمغاربية ثانيا، فهل ستأخذ شعوبنا العبرة مما سبق وتعيد النظر في السبيل الواجب نهجه بشأن الوحدة.
المراجع
1 – سورة الأنبياء الآية 92
2 – سورة آل عمران الآية 103
3 – اتحاد المغرب العربي
الصفحة الرئيسية – البوابة الرسمية لاتحاد المغرب العربي (maghrebarabe.org)
4 – سورة الحجرات الآية 10
5 – الجمهوري العربية المتحدة
الجمهورية العربية المتحدة – ويكيبيديا (wikipedia.org)