باشرت السلطات التركية تعبئة سد مبني على نهر دجلة بالمياه ما سيشكل بحيرة ستغمر مواقع أثرية، كما يثير قلق العراق الذي يعبره النهر نفسه، حسب ما أفاد ناشطون الجمعة.
ويعاني العراق أصلا من أزمة مياه وسيمثل المشروع الذي دفع ودافع عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديدا للأمن المائي العراقي وينذر بشح في المياه وجفاف، ما يهدد الزراعة والحياة على ضفاف دجلة والفرات.
وسد إليسو هو سد اصطناعي ضخم تم افتتاحه في فيفري 2018 و بدأت عملية ملء خزانه المائي في 1 جوان من العام الماضي.
وقد أقيم على نهر دجلة بالقرب من قرية إليسو وعلى طول الحدود من محافظة ماردين وشرناق في تركيا. وهو واحد من 22 سدا ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول والذي يهدف لتوليد الطاقة الهيدروليكية والتحكم في الفيضانات وتخزين المياه.
وتقول السلطات التركية إنه عند اكتماله، سيوفر طاقة مقدارها 1200 متر مكعب وستكون سعته 10.4 بليون م3. وقد بدأ إنشاء السد في عام 2006 وكان يفترض أن يكتمل في 2014. وكجزء من المشروع، سيتم إنشاء سد جزرة على مجرى النهر بقصد الري والطاقة.
وللسد آثار لأنه سيغرق حصن كيفا القديم وسيتطلب إخلاء السكان المقيمين في المنطقة، ولهذه الأسباب، فقد السد التمويل الدولي في 2008.
وقال رضوان أيهان المتحدث باسم مجموعة من الناشطين تعارض بناء سد ايليسو لتوليد الكهرباء والواقع في جنوب شرق تركيا “لقد سدوا المنافذ داخل السد ومستوى المياه يرتفع”.
وتكشف صور التقطتها أقمار اصطناعية بين 19 و29 جويلية أن المياه بدأت بالارتفاع وتتجمع وراء السد.
ويشكل ايليسو جزءا أساسيا من مشروع جنوب شرق الأناضول الذي يراد منه تطوير الوضع الاقتصادي لهذه المنطقة الفقيرة من تركيا عبر مشاريع ري ضخمة وتوليد كهرباء.
لكن سكانا من المنطقة ومدافعين عن البيئة أعربوا عن قلقهم إزاء تأثير هذا المشروع على البيئة وعلى تراث المنطقة، فالبحيرة الاصطناعية التي ستتشكل ستغمر مدينة حسنكيف التي يعود تاريخها إلى 12 ألف عام.
إلا أن الحكومة ترفض الاعتراضات وتؤكد أن غالبية آثار حسنكيف قد نقلت، كما تم بناء مدينة جديدة لسكانها قرب مكانها الأصلي ستستقبل سكانها الثلاثة آلاف.
وخاض أردوغان معركة من نوع آخر في خضم حملات انتخابية سابقة لتمرير مشروع ايليسو أيا كانت التأثيرات على سكان المنطقة وأيا كان رد الفعل العراقي الرسمي. ولا تختلف هذه المعركة عن معارك خاضها لتمرير مشاريع مثيرة للجدل.
وأضاف أيهان “نطالب السلطات بإفراغ السد، فهي لم تبلغ السكان بشيء والأمر مقلق”، موضحا أن بضعة أشهر لازمة قبل أن تغمر المياه مدينة حسنكيف.
من جهتها أعلنت تنسيقية حسنكيف التي تعارض مشروع السد أن مستوى المياه بدأ بالارتفاع منذ أسبوعين.
وتمتنع هيئة إدارة المياه الحكومية المسؤولة عن السدود في تركيا عن تقديم توضيحات لسكان المنطقة وللمنظمات المحلية المدافعة عن البيئة.
ويتخذ بناء سد ايليسو بعدا جيوسياسيا أيضا لأنه يدخل في إطار مفاوضات حساسة بين تركيا والعراق بشأن مياه نهر دجلة.
وتخشى بغداد أن يؤدي تجمع المياه في السد إلى انخفاض كمية مياه دجلة التي تدخل الأراضي العراقية، في الوقت الذي يعاني فيه العراق أصلا من نقص في المياه.
وملء خزان السد الضخم سيحجز المياه عن العراق ويتسبب في كوارث بيئية وجفاف واحتجت بغداد رسميا في صيف العام الماضي عندما احتجزت أنقرة لفترة وجيز مياه دجلة.
وتجاهل أردوغان التحذيرات العراقية والمخاوف من تداعيات المشروع المثير للجدل، متملصا في الوقت ذاته من الالتزامات المقرّة بموجب القانون الدولي بخصوص الدول المتشاطئة في ما يتعلق بنهري دجلة والفرات الذي تشترك فيه تركيا والعراق.
واضطرت السلطات العراقية في العام الماضي إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات بسبب نقص في تدفق المياه إلى نهر دجلة فحظرت زراعة الأرز ما دفع المزارعين لهجر أراضيهم، فيما شهدت مدينة البصرة مظاهرات حاشدة استمرت لأشهر احتجاجا على نقص حاد في المياه الصالحة للشرب.
وبدء ملء خزان سد إليسو سيتسبب حتما في أزمة مياه في العراق، حيث سيقلل إلى حدّ كبير تدفق المياه في نهر دجلة وهو أحد النهرين اللذين تعتمد عليهما الدولة العراقية في تأمين معظم احتياجاتها من الماء.
والمشروع الذي قد يعود بفوائد كثيرة على تركيا رغم الأضرار البيئية التي سترافقه، ستكون نتائجه كارثية على العراق، حيث أوضح مسؤول في وزارة الزراعة العراقية في تصريحات سابقة أن المساحات الزراعية انخفضت إلى نحو نصف المساحة مقارنة بالعام 2017 اثر موجة جفاف وانخفاض في منسوب نهري دجلة والفرات.
وبحسب السلطات، فإن الخسائر التي سيتكبدها العاملون في زراعة الأرز قد تصل إلى 34 مليون يورو هذا العام.
ومن المتوقع أيضا أن يؤثر المشروع التركي على الثروة الحيوانية في الأهوار، حيث تسبب انخفاض منسوب المياه التي تتدفق على دجلة في نفوق جواميس في الأهوار
كما تتاثر بالجفاف الثروة الحيوانية بسب نفوق جواميس تعيش في الاهوار نتيجة العطش.
وفي مدينة الناصرية، نزحت اكثر من 400 عائلة من قراها لتستقر في مناطق لديها مصادر مياه افضل من اجل قطعانهم، وفقا لمسوؤلين محليين.
ويعاني العراق الذي يطلق عليه بلاد النهرين نسبة الى دجلة والفرات من شح اثر انخفاض منسوب المياه بشكل كبير منذ سنوات.
وبعيدا عن قلة الامطار، يبقى السبب الرئيسي للجفاف تحويل وقطع الانهر التي تصب في دجلة والفرات من قبل تركيا، بحسب الخبراء.
كما باشرت تركيا مؤخرا بتشغيل سد اليسو على نهر دجلة ما يشكل ضربة للزراعة في العراق ستظهر تداعياتها في مختلف نواحي الحياة.
وقد اثار هذا الامر غضب العراقيين والقلق لدى السلطات التي تواجه اصلا مشاكل بسب النقص المزمن في الطاقة الكهربائية.
وكالات