وبالفعل بدأت عملية التهجير القسري للشعب العربي الفلسطيني وبشكل ممنهج منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين, وتعد هذه العملية من أكثر عمليات انتهاك حقوق الانسان في تاريخ البشرية, لذلك لا عجب أن تتشكل منظومة قيم عدائية تجاه هذا العدو الصهيوني المغتصب للأرض والتي تعرف في الثقافة العربية التقليدية بأنها عرض, وبالطبع وجد العدو الصهيوني في القوى الاستعمارية ضالته المفقودة, حيث ساعدته ومكنته من عمليات التهجير القسري ما مكنه من إعلان دولته المزعومة قرب منتصف القرن العشرين.
وفي أعقاب إعلان الدولة المزعومة للعدو الصهيوني كان الصراع العربي معه قد بدأ حيث تحركت ستة جيوش عربية للدفاع عن الأرض العربية الفلسطينية المغتصبة في عام 1948 وكانت هزيمة الجيوش العربية بداية جديدة لترسيخ قيم العداء لهؤلاء الصهاينة ليس فقط على مستوى الشعب الفلسطيني بل على مستوى الشعب العربي بكامله من المحيط الى الخليج, وما زاد ووسع رقعة العداء هو مشاركة العدو الصهيوني في العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956.
ثم كان التحرك الأكبر لتوسيع رقعة العداء وترسيخه داخل منظومة القيم العربية بالعدوان الجديد في 5 حزيران 1967حيث نالت الأمة العربية هزيمة جديدة في مواجهة العدو الصهيوني وتم اغتصاب أرض عربية جديدة في فلسطين ومصر وسورية والأردن ولبنان وهي دول المواجهة مع العدو الصهيوني وبذلك تأكدت الفكرة الصهيونية التاريخية التي تتجسد في مقولة «دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات» وهي العبارة المسجلة فوق باب الكنيست والتي تجسد الأطماع الصهيونية في الأرض العربية.
وتحت ضغط الشعب العربي الغاضب خاضت مصر وسورية وبدعم عربي شبه كامل حرب تشرين1973حيث تمكنت ولأول مرة من هزيمة العدو الصهيوني الذي قرر بعدها اتباع سياسة جديدة يسعى من خلالها إلى إنهاء الصراع العربي معه, وإحلال سلام مزعوم عبر تسويات عربية منفردة, وهنا جاءت «كامب ديفيد» التي شكلت بداية الخلل في منظومة القيم العربية في مواجهة العدو الصهيوني حيث بدأ التطبيع الرسمي مع العدو, ورغم المقاومة الشعبية إلا أنه مع الوقت بدأت تتسع دائرة المطبعين سراً ثم جهراً.
ولم تعد المسألة تطبيعاً رسمياً فقط بل بدأت بعض الأصوات داخل النخبة السياسية والثقافية العربية تنادي بالتطبيع مع العدو الصهيوني وهو ما ألقى بظلاله على منظومة القيم العربية تجاه هذا العدو, حيث تأثر العقل الجمعي بشكل كبير، فعندما أعلن ترامب مؤخراً نقل سفارة بلاده الى القدس لم نشهد تلك التحركات الشعبية الغاضبة التي كانت تنفجر في مواجهة أي فعل عدائي يقوم به العدو الصهيوني ضد مجتمعاتنا العربية, بل أصبح هناك من يرى زيارات ومقابلات المسؤولين الصهاينة أمراً عادياً لا يستدعي الغضب.
لكن على الرغم من هذا الخلل الواضح في منظومة القيم العربية في مواجهة العدو الصهيوني منذ «كامب ديفيد» حتى الآن إلا أننا نستطيع التأكيد أنه مازال هناك قطاع كبير داخل الشارع العربي يتمسك بمنظومة القيم العدائية تجاه العدو الصهيوني ويدعم محور المقاومة للاستمرار في عمليات المواجهة لإيمانه بأن حالة السلام لا يمكن أن تتحقق مع هذا العدو إلا بانسحابه من كامل الجغرافيا العربية, وهو ما لا يمكن أن يقوم به العدو طواعية بل عبر مواجهة عسكرية شاملة.
لذلك يجب أن ندعم قيم العداء ونعيد ترسيخها داخل العقل والضمير الجمعي العربي تجاه العدو الصهيوني, ونكشف زيف ادعاءات تيار التطبيع السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي مع العدو الصهيوني سواء كان رسمياً أو غير رسمي والذى يرفع راية السلام المزعوم, وهو التيار الذي ترسخ منذ «كامب ديفيد» وحتى اليوم واستطاع عبر السنوات الأخيرة أن يكسب أرضية واسعة لدى الأجيال الشابة.
ولابد من العودة لرفع الشعارات نفسها التي رفعها الزعيم جمال عبد الناصر «لا صلح لا تفاوض لا اعتراف», و«ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة», بل مواجهة كل الذين ينادون بالسلام المزعوم مع العدو الصهيوني أن البندقية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي في مواجهة العدو الصهيوني ومن يرى غير ذلك فإنه يسعى الى خدمة المشروع الصهيوني, ومن يرى عدم قدرتنا على مواجهة العدو الصهيوني فعليه أن ينظر فقط للمقاومة اللبنانية البطلة والشجاعة التي يرتعد منها العدو الصهيوني ويخشاها ويعمل لها ألف حساب, اللهمَّ بلغت… اللهمَّ فاشهد!.

*كاتب من مصر