عندما انتصر الشعب الإيراني في ثورته التي اشعلها ضد نظام الشاه الاستبدادي العميل للغرب والصهيونية، بقيادة الامام الخميني، كان ذلك مؤشّرا كبيرا، دالا على افتتاح عصر الوعد الإلهي، حيث يبدأ الاسلام دورته الحديثة، من أجل قيادة العالم الى حياة ملؤها الامن والعدل، وذلك لم يكن ليرضي أعداؤه وخصوصا أمريكا، وتاريخ مؤامراتها على الدول وشعوبها، أجلى من أن يستدلّ عليها، لذلك كان لا بد من توجيه صفعة أولى وقائية، في وجه غطرسة واستكبار أمريكا سدّدها لها شباب الثورة الإسلامية، أصابت صميم نظام الشاه العميل، فأطاحت به الى غير رجعة، ومثّل صدمة كبرى، اصابت الغرب فشلّت تفكيره، وحوّلته الى مجرّد متابع مكره لما يجري دون أن يقدر على شيء.
وجاءت الضربة الاستباقية، المتمثلة في احتلال مقر السفارة الامريكية بطهران، وكر الجاسوسية في المنطقة والخطر المحدق بالثورة الاسلامية، ليكون الضربة الثانية التي وجّهها الثوّار الإيرانيون لأمريكا، وافشال مخططاتها في احتواء الثورة واسقاط نظامها، واجهاض حلم الامة الاسلامية في عودة الاسلام حاكما على الارض، وهذا ما خدش كبرياء أمريكا، ووضعها في موقف ضعيف، أمام شعب حطم قيوده كلها، وانطلق لا يملك في رصيده المادّي شيئا تقريبا، غير استجابته لله وتوكله عليه، وراء قيادة تعتبر بحق، حاملة أمل مسيرة انبياء الله، في اقامة حكمه على الارض.
لقد كانت ثورة الشعب الايراني المسلم بقيادته العلمائية الحكيمة، درسا مهما ومعتبرا في الثورة أسلوبا وقيما وأحداثا وقيادة، ومن المفيد هنا الاقرار بأن أصالة هذه الثورة ومبادئها الثابتة، وقيادتها الربّانية، وقواعدها الشعبية المنتشرة حتى خارج إيران، جعلتها تقف على ساق القدرة، وتَثبتُ في جميع امتحاناتها، وتستوعب صدمات أعدائها، ولا تنتكس في ابتلاءاتها، وهي لمن واكبها بعقل الانصاف، ومن درسها من خلال تاريخها وتعرف عليها من ثقافتها، أنموذج فريد في تاريخ السياسي العالمي.
وطبيعي أن يقف أعداء النظام الاسلامي العتيد في وجه قيامه، واستمرار عطائه الثوري، وفي مقدّمتهم أمريكا والكيان الصهيوني الذي تلقى بدوله صفعة لا تقل شدة على الصفعة التي تلقتها أمريكا، بطرد سفارته بطهران مباشرة بعد سقوط النظام الذي سمح لهم بالدخول الى البلاد رغما عن ارادة الشعب الايراني المسلم، كما هي حال تركيا اردوغان الذي لن يجرؤ على فعل شيء لعلاقات بلاده المتطورة مع الكيان الصهيوني، مع أنه كثيرا ما يتلوّن باسم الاسلام والدفاع عن فلسطين.
لم تجد أمريكا بعد فشل محاولاتها رد الصاع صاعين خصوصا بعد تحطم عملية مخلب النسر في استعادة رهائنها غير الرئيس العراقي صدّام، فصدّق الوعود التي قطعت له وحجم الامدادات المالية والعسكرية، وتسخير جميع الامكانات اللوجستية له، حتى تلك الاسلحة المحرّمة دوليّا، فبادر بالهجوم على ايران، مستغلا وضعها الانتقالي، ملبيا دعوة شيطانية ومنخرطا في حرب عدوانية استمرت ثماني سنوات أسفرت على ما يزيد عن مليون قتيل، ومئات الاف الجرحى المعوقين، زيادة على خسائر كبرى في البنى التحتية والموارد.
حرب اطلقت فيها امريكا والغرب وحلفاؤهم من الاعراب يد صدّام فمكنوه من الاسلحة الكيماوية، عندما انكسرت هجمات جيشه أمام صمود الشعب الايراني واستبساله في الدفاع عن ارضه ومشروع حكمه، وعجز عن تحقيق شيء من تمنيات محرّضيه، فلم يتردد في ضرب قطاعات الجيش الايراني – التي كسرت الخطوط العراقية ودخلت جزر مجنون ومثلث الفاو العراقي – بغاز الخردل وغاز الاعصاب.
جاء في موقع ويكيبيديا ذكر الهجمات الكيميائية العراقية، وهي هجمات نفذها الجيش العراقي باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد إيران، بين السنوات 1980و1988 م في حرب الخليج الأولى، وفقًا للوثائق التي رفعت عنها السرية، في الأرشيف الوطني في كوليدج بارك College Parkبماريلاند Maryland، دعم الغرب نظام صدام حسين في استخدام الأسلحة الكيميائية، في الحرب العراقية الإيرانية أفادت التقارير الرسمية، بان استخدم الجيش العراقي الهجمات الكيماوية، ضد القوات العسكرية الإيرانية، والمدنيين في المدن والقرى الحدودية، وقد أفاد أكثر من 30 هجوما ضد المدنيين الإيرانيين، وكانت هناك ايضا هجمات كيميائية اخري من قبل الجيش العراقي علي بعض المراكز الطبية والمستشفيات الإيرانية، وفقاً لمقالة صحيفة ستار- ليدجر The Star-Ledger نشرت عام 2002، أن 20,000 جنديا ايرانيا قتلوا على الفور نتيجة اصابتهم بغاز الأعصاب، و 5000 شخصا من الناجين لايزال يواصلون علاجهم، بينما يواصل 1000 شخصا آخر علاجهم وهم راقدين في المستشفيات، مع ان بروتوكول جنيف حظر استعمال الأسلحة الكيميائية، في النزاعات المسلحة الدولية، ولكن دعم الغرب الجيش العراقي في استخدام السلاح الكيماوي، لإبعاد إيران من الانتصار. (1)
ونجاة اكثر من 100.000 جندي من الموت اثناء تلك الهجمات، التي تمّت بدعم وتشجيع امريكي غربي صهيوني، لكنهم بقوا تحت مخلّفات اعراضها من آلام واضطرابات رئوية حادّة، جعلهم اليوم أكثر عرضة للموت من عدوى فايروس كورونا، نظرا لحالتهم الرئوية الهشّة، وضعف مقاومتها للفايروسات.
لا تغرنّكم هذه الاعترافات الرسمية، فقد جاءت متأخرة جدّا عن مطالبة ايران بفتح تحقيق وادانة النظام العراقي، وكانت مقررات الامم المتحدة ومجلس أمنها، تتفادى ذكر العراق وادانته كل مرة، مما أعطى المجال واسعا لاستمرار القوات العراقية جرائمها الكيماوية، بحق العسكريين والمدنيين الايرانيين على السواء، ويبدو أن هذه الاعترافات الدّولية قد جاءت متاخرة 20 سنة لم تكن منصفة من حيث صدقها في ذكر عدد الهجمات الكيماوية، التي اعلنت ايران انها فاقت ال150 هجوما منذ 1981 الى 1988.
ظهور الحقيقة وان طال بغربتها الزمن ظهرت بلسان من أجرم بحق ايران فقد جاء في كتاب الدكتور المصري أحمد السيد الحسيسي بعنوان الرسائل المتبادلة بين رئيسي جمهوريتي إيران والعراق يحتوي على 10 رسائل 6 منها لصدّام في 21 /4/1990 و4 اجابات من رفسنجاني في 18/8/1990 اعتذر صدام في الرسائل من القيادة الإيرانية على شن الحرب وان من ورطه فيها أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات والكويت والأردن، بما يعني أن الشعارات التي كانت وسائل الإعلام العربية المساندة لعدوانه بمختلف مصطلحات الكراهية والحقد العرقي الطائفي (العدو الفارسي المجوسي) (حماية البوابة الشرقية من تصدير الثورة)
ترحّم صدام في تلك الرسائل واقتراحه سلاما دائما على ايران وتخليه عن المطالبة بالمناطق الحدودية وشط العرب، ابتداء من 17/8/1990 ، داعيا ايران الى اسناده في غزوه للكويت، التي كانت من بين الداعمين له في حربه على ايران، لكن هيهات أن يجد اذانا صاغية لدعوته، التي ما كان لينطق بها، لولا وقوعه في المصيدة الأمريكية، للتخلص منه كشاهد، بإمكانه فضح الغرب بكل الأسرار التي يملكها. (2)
جرائم نظام صدّام بحق الشعب الايراني وبحق شعبه وكمجزرة حلبجة الكردية 16/3/1988التي راح ضحيتها أكثر من 5000 مدني بين اطفال ونساء وشيوخ، لا تسقط بالتقادم ولا بالاعتذار، فرب عذر يكون أقبح من ذنب.
**********************************************
(1) https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D8%B6%D8%AF_%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86
https://www.skypressiq.net/2019/5/14 (2)