الروابط الأيديولوجية والثقافية بين استراليا وأمريكا هي روابط تمتد عبر قرون من الزمن ولو ان هذه العلاقات الحميمة ظهرت الى الكثيرين منا ربما حديثا نسبيا. ما يربطهم تاريخيا هو هذا الاجرام المتوغل في وحشيته ضد السكان الأصليين واللذين استعبدوا. فالولايات المتحدة قتلت الملايين من الهنود الحمر السكان الأصليين للقارة الامريكية وفي مرحلة ما وبخلاف ما صورته أفلام هوليود فقد كان الأمريكي يعطى مبلغ من الدولارات لقتل الهندي بعد ان يقدم شهره بعد سلخه عن جمجمته. والى جانب ذلك تم ملاحقة السكان الأصليين ومصادرة أراضيهم وتجميعهم في معسكرات ومحاولة تدمير ممنهجة لثقافتهم وهويتهم وقيمهم وتقاليدهم وفرض النموذج الأمريكي “المتحضر” عليهم. وفي مرحلة العبودية كان هنالك من الامريكيين البيض المستوطنين وخاصة في الجنوب حيث ترعرع نظام العبودية القائم على اختطاف أفارقة من الدول الافريقية وبيعهم كعبيد لرجال المزارع من الأمريكيين كان الأمريكي يعطى رخصة من قبل السلطات “لصيد” من تمكن من العبيد بالهروب.
وفي استراليا كانت تصرفات المستوطنين البيض تحاكي وتتماهى مع ما حدث في القارة الامريكية تجاه السكان الأصليين. فقد تم الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي التي كان يقطنها “الابورجينيز” وهم السكان الأصليين لأستراليا ذوي البشرة الملونة الداكنة وتم أيضا “اصطيادهم” من قبل المستوطنين اللذين كانوا يتقاضون مبلغا عن “اصطياد” السكان الأصليين وهنالك بعض الصور من الأرشيف التي تبين هذا الإرث الاجرامي الذي كان يتفاخر به المستوطن الأبيض في استراليا.
هذا الإرث الاجرامي وثقافة وأيدولوجية المستوطن والمستعمر ربما هو من مهد الطريق للتعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وأستراليا تحت الشعار الخادع التعاون بين بلدان العالم الحر لنشر “الحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان” والتي لا تخرج عن يافطة خادعة للشعوب. وقد وصل التعاون بين البلدين الى التآمر على دول أمريكا اللاتينية في سبعينات القرن الماضي حيث بينت وثائق المخابرات المركزية الامريكية التي رفعت عنها السرية عن تورط استراليا وأجهزة مخابراتها وبناء على طلب من سي أي ايه التمهيد والتخطيط للانقلاب العسكري في تشيلي عام 1973 على حكومة سلفادور الليندي الاشتراكي والذي أتت بانتخابات عامة شهد الجميع بنزاهتها وهو ما حاولت الحكومة الاسترالية التغطية عليه لعقود من الزمن . ولقد جيء على اثر الانقلاب العسكري بالديكتاتور المجرم الجنرال بينوتشيه الذي عذب وبوحشية متناهية كل من له صلة بالفكر الاشتراكي وقتل المئات منهم مباشرة بعد الانقلاب واختفى الالاف من التشيليين اللذين لم يعرف او يكشف عن مصيرهم لغاية الان. وآتت العمليات في تشيلي والتي على اثرها اسقطت الحكومة الاشتراكية وتم قتل القائد الليندي الذي رفض الاستسلام وبقي يقاتل الى النهاية ضمن ما سمي بعمليات “اوبريشينكوندور” وهي الاسم الذي اعطي للعمليات السرية التي كانت تقوم بها أساسا سي أي ايه في الدول الامريكية ضد المد التقدمي والوطني والأحزاب اليسارية المناهض للسياسة الامريكية في تلك الفترة وهي فترة معروفة بكثرة الانقلابات العسكرية والاغتيالات لرؤساء نقابات عمالية وسياسيين تقدميين.
الاجرام والارث الاجرامي هو من جمع وما زال يجمع الولايات المتحدة وأستراليا حاليا والتي من خلاله تستخدم استراليا وقواتها العسكرية وموقعها الجغرافي كمطية ضمن مظلة الاستراتيجية الامريكية الكونية كما اتضح في الحرب على العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها والتي تستخدم الان أراضيها وبشكل علني في المجابهة مع الحرب التي تشنها أمريكا على الصين.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني