هناك رايان يتنازعان تحليل قضية استقالة عادل عبدالمهدي ومايمكن ان تفضي اليه الاحداث او تؤول له الامور , المتشائمون يرون ان الاستقالة هي فاتحة دخول العراق في نفق مظلم بعد ان فشل العراقيون في تشخيص اسباب الفساد والمحاصصة والتحزب الاعمى , وهي تعني في نفس الوقت سقوط للتجربة الشيعية باسرها بما فيها المؤسسات الدينية والحزبية والفكرية , وان تحميل رئيس الحكومة وزر ومسؤولية فشل النظام السياسي باسره هو ظلم وابتعاد عن الحقيقة وان جريرة الرجل انه اراد ان يحقق مشاريع استثمارية طموحة للبلد بالدخول في شراكة مع الدول الناجحة والدول الندية كالصين وايران وروسيا , وهذه هي الطامة الكبرى التي اججت الاوضاع بالشكل المشهود ويرى هؤلاء ان تفاقم الوضع العراقي جاء بعد زيارة نائب الرئيس الامريكي بنس لشمال وغرب العراق والذي وضع المخطط المرسوم بالشكل المطلوب من خلال توزيع تطمينات للسنة غرب البلاد وذلك عبر استقبال زعاماتهم في قاعدة الاسد وتطمينات للاكراد من خلال زيارته لاربيل وبالتالي سحب الفيتو السني الكردي الرافض لاستقالة عادل عبدالمهدي خوفا من فقدانهم المكاسب التي اتاحها لهم الدستور المفصل على المقاسات الامريكية , وهم الان بصدد الحصول على مكاسب جديدة بعد سقوط حكومة عادل عبدالمهدي التي ربما تكون في احد مضامينها تقسيم العراق وفقا لاجندات امريكية وصهيونية يجري العمل عليها منذ سنوات .اما المتفائلون فيرون ان استقالة حكومة عادل عبدالمهدي تجسد انتصارا للحِراك الشعبيّ ربّما تَكون بدايةً لسلسلةٍ من التّنازلات من قِبَل النّخبة الحاكِمة والطبقة السياسية ، ولكنّها ليسَت كافيةً لعودة حالة الهُدوء إلى الشّوارع، وانسِحاب المُحتجّين، لأنّ هذه الاستقالة لم تكُن المَطلب الأساسيّ، وإنّما رحيل كُل الطّبقة السياسيّة الفاسِدة، وإلغاء دُستور بريمر، وإجراء إصلاحات شامِلة تُحَقِّق العدالة الاجتماعيّة وإلغاء المُحاصصة الطائفيّة وكُل إرث الاحتِلال الأمريكيّ مصدر كُل الأزَمات.
ويرى هؤلاء بان مجئ عادل جاء وفق سلة من التفاهمات التي شملت بقية اطراف المثلث الحكومي وان سقوطه يعني سقوط لبقية اطراف السلة وهم رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان سيما وان شخصا من الرئاسات متهم بقتل المتظاهرين عمدا.
ومابين التشاؤم والتفاؤل يجب القول ان استقالة عادل عبدالمهدي تاتي لتفكيك الازمة ولتسليط الاضواء على حقيقة الوضع الراهن في العراق والذي هو نتاج تراكمات وافرازات سابقة للنظام الصدامي وللحرب الداعشية ولفشل الحقبة الامريكية ,التي مازالت تدير الوضع العراقي من وراء الكواليس وعبر نقاط حساسة في المشهد العراقي , وان اية قراءة سياسية ناضجة للاية الكريمة التي افتتح بها الرئيس المستقيل عادل عبدالمهدي كتاب الاستقالة ( يا ابت افعل ماتؤمر ستجدني …) يكتشف دلالات كبيرة لحقيقة الاستقالة والوضع المربك في العراق وماينتظره من تداعيات ومعطيات .
اؤكد هنا … اولا :ان الاستقالة هي فعل ديمقراطي حضاري تعني الكثير في ظل التجربة الراهنة كما انها تسديد للوضع الراهن ويجب ان لاتقف عند حدود مرحلة عبدالمهدي بل يجب ان تشمل بقية اضلاع المثلث الحاكم .
ثانيا : الاستقالة عكست وعيا متقدما في مواجهة الجهات التي ارادت احراق العراق وتدميره والاستفراد به بعيدا عن فضائه المقاوم .
ثالثا : يجب ان تتحرك كل اطياف الشعب العراقي لملأ مرحلة ما بعد عبدالمهدي وان لانقف على الاطلال او نواصل عملية الاحراق بل يجب البحث عن البديل الكفوء والقوي والحاسم الذي يختصر الطريق نحو الحكومة الحضارية المطلوبة .
رابعا : الحراك الشعبي هو بالحقيقة زلزال اصاب المجتمع العراقي وهو مطلوب رغم كل الالام والماسي , وهذا هو فعل الطبيعة والسنن الكونية لان العراق مر بمراحل مختلفة ومتفاوتة وعصيبة وجديدة , وفيه من الالغام الخطيرة التي من المفترض تفريغها من شحنات الماضي وتوجيه بوصلة الاحداث نحو المستقبل .
خامسا : الحراك الشعبي ميز بين الخبيث والطيب واوجد معادلة جديدة لايمكن التنازل عنها بسهولة وهي ان الشعب الراشد الواعي هو من يجب التوقف عنده وسماع صوته في كل شؤون البلد وعدم التعويل على الاحزاب والفعاليات والجماعات المدسوسة وغيرها ممن شوهت وجه الحقيقة وقادت البلد الى الدمار وقدمت لنا تجربة سيئة وفاشلة للغاية .
واخيرا يجب القول ان ماجرى في العراق هو مخاض وارهاصات للحكم الراشد القادم في العراق وان الاحداث الاخيرة كشفت معدن الناس واعطت خبرة جديدة للجيل الناشئ الذي تعامل بداية الاحداث بشكل عاطفي فارغ لكنه ومع مجريات الاحداث اكتشف ان مايقوله شيوخه وعقلاءه وعلماؤه هو مصدر الحقيقة ومربط الفرس , تفاؤلوا فستجدون ان عنق الحقيقة بين ايديكم وان العراق محكوم بسقف الهي لايمكن ان تمسه شهب الشياطين .