مع اقتراب إنتهاء الولاية الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب, تزداد الحملة الإنتخابية زخما ًوقوة ً, ويزداد معها سعي الإدارة الأمريكية الحالية نحو جذب المؤيدين عبر سلسلة مواقف يمكن بلورتها تحت شعار “إسرائيل أولا ً”, فيما لجأ فريق ترامب في الحملة السابقة للتركيز على شعار “أمريكا أولا ً” بهدف الفوز بأصوات الطبقة المتوسطة والتي تشكل الشريحة الأكبر في المجتمع الأمريكي, على الرغم من أن السباق الحقيقي يتمثل بالسعي للفوز بدعم تحالف اللوبي الصناعي الحربي واللوبي الإسرائيلي والقوى التي تمثلها في الكونغرس, الأمر الذي يفسر تحرك البيت الأبيض المتزايد نحو دعم طموحات وأطماع الكيان الإسرائيلي المحلية والإقليمية.
في هذا السياق وفي الحديث عن الزيارة الشهيرة للسيناتور ليندسي غراهام برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي, لأراضي الجولان السوري المحتل, والوعد الذي أطلقه من هناك بإتخاذ خطواتٍ تسهل إعتراف واشنطن بأنها أراضٍ إسرائيلية, بالتوازي مع إصدار الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان الذي ذكرت فيه أن الجولان السوري “أراضٍ تسيطر عليها إسرائيل”, وليس أراضٍ “تحتلها إسرائيل”.
موقف مستهجن يصدر عن أحد صقور الإدارة الأمريكية, على الرغم من إعتراف العالم والأمم المتحدة ومجلس الأمن بأن الجولان أراضٍ تعود ملكيتها وحق السيادة عليها للجمهورية العربية السورية وأن “إسرائيل” احتلتها خلال عدوانها العسكري عام 1967, كذلك ما جاء في قرار مجلس الأمن في 17 تشرين الأول / ديسمبر 1981 وتأكيده بأن قرار الضم الإسرائيلي الأحادي الجانب غير قانوني وباطل, بالإضافة للإدانات الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة – المستمرة حتى يومنا هذا – لقرار الضم الإسرائيلي.
لكن الإدانات والإنتقادات الدولية لم تمنع ترامب لاحقا ًمن توقيع إعترافه وبلاده بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل, الأمر الذي منحه دعما ًإضافيا ًداخل المجتمع الإسرائيلي, والذي سيتحول إلى دعم ومساعدة المجتمع اليهودي داخل الولايات المتحدة في الإنتخابات القادمة.
من الواضح أن التماهي بين الرئيس ترامب والمجتمع اليهودي المتطرف, سمح لحزب اليمين الجديد بتقديم مشروع قانون ضم المستوطنات في غور الأردن ومستوطنة “معاليه أدوميم” شرق القدس وكتلة “غوش عتصيون” جنوبي الضفة الغربية, عبر استغلالٍ واضح للدعم الأمريكي وإدارته الحالية, فيما أعلن رئيس حكومة العدو الإسرائيلي للإعلان عن نيته بتحويل المشروع إلى قانون ضم من بوابة ضمان “الأمن القومي”, في سعيٍ واضح لضم عدد كبير من القرى الفلسطينية وبعض المستوطنات داخل خطوط ما دعاها “خريطة الحدود المستقبلية لدولة إسرائيل”, الأمر الذي يضع أراضي وادي الأردن وشمال البحر الميت داخل نطاق ما يسمى “الحزام الأمني” المزعوم… في وقتٍ تقدمت فيه الإدارة الأمريكية خطوة خطيرة ضد الحقوق الفلسطينية, وبحسب الوزير بومبيو: “بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض مع القانون الدولي”.
كما أن القلق الكبير الذي أظهرته فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا وإيطاليا وإسبانيا حيال قرارات ومشاريع الضم الإسرائيلية, لن يثني حكومة الإحتلال الإسرائيلي ويدفعها للتخلي عن أطماعها ومشاريعها, الأمر الذي يُساهم بمضاعفة تعقيدات حل الصراع العربي – الإسرائيلي, بالتوازي مع حالة الشرذمة والضعف والإنقسام العربي والتطبيع والعلاقات العلنية لبعض الأنظمة العربية والخليجية, والبيانات اللفظية لجامعة الدول العربية.
في ظل هذه المشهدية, تبدو العربدة الإسرائيلية في أعلى مظاهرها مع توفر الدعم الأمريكي الدائم والدعم الإضافي للرئيس ترامب بما يشجعها على ضم ما تشتهيه من الأراضي العربية المحتلة.
في وقتٍ سقطت فيه المراهنة على المواقف الأخلاقية لبعض الدول الأوروبية التي رفضت قرارات ومحاولات الضم الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة, وهي ذاتها التي وقفت وراء زراعة وتمكين العصابات الصهيونية وتسليحها ودعمها لتصبح “إسرائيل” اليوم, ولتكون الذراع العسكرية المسخرة لخدمة المشروع الغربي – الصهيوني في المنطقة, في وقتٍ لم يعد من الحكمة فيه تجاهل واستبعاد شركائها الجدد في أوروبا الشرقية, والحكومات اليمينية التي بدأت تغزو أمريكا اللاتينية, والذين قد يحذون حذو واشنطن في دعم الأطماع الإسرائيلية, إلاّ سلطات الكيان الغاصب لا تزال تعوّل على الدعم الأمريكي النوعي, الذي يرفع مستوى العلاقات الإستراتيجية بينهما بما يفوق تأثر الدور الأوروبي ويحصره بمتابعة إصطفافه في دعم استراتيجية الإحتلال ونهب الثروات.
في ظل هذا الواقع, وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها الدولة السورية, والضغوط الكبيرة التي تتعرض لها الدولة الإيرانية, وغالبية فصائل وأحزاب المقاومة في فلسطين المحتلة وغزة والمنطقة, إلاّ أنها استطاعت الحفاظ على منسوب الردع الكبير ومعادلاته وتطوير قواعد الإشتباك, ما جعل حال الإدارة الأمريكية وسلطات الكيان الغاصب ومطبعيها وداعميها لا يقل سوءا ً, فالإدارة الأمريكية تتردد حيال بقائها أو إنسحابها من سوريا وتقف عاجزة أمام مخاوفها من مواجهة مقاومةٍ شعبيةٍ عسكرية مدعومة من الدولة السورية, في وقت تبدو غير قادرة على شن الحرب على إيران, وسط انكشاف القيمة الفعلية لتحالفها مع الأنظمة الخليجية التي تأكد ضعفها وشللها بعد الضربة على أرامكو.
في هذا السياق يخشى الإسرائيليون إنسحاب ترامب من الالتزام الأمني الأمريكي تجاههم, الأمر الذي يضاعف حالة الذعر الإسرائيلي وأن تُترك وحدها لتواجه مصيرها, يبدو أن التحولات في المنطقة ستجبر “إسرائيل” على تغيير خططها وإعادة التفكير في قدرتها على خوض الحرب القادمة على أكثر من جبهة.
إن هروب الولايات المتحدة إلى الأمام وإعتمادها استراتيجية إشعال المنطقة حول سوريا من خلال “الثورات” في لبنان والعراق وفي الداخل الإيراني, لن يقلب الإجماع الشعبي والسياسي حول رفض إحتلالها ووجودها, ولن يؤدي لتخلي الدول والشعوب عن أراضيها وحقوقها, ولن يُساهم في صنع السلام معها وفق شروطها..
وبات عليها التفكير الجدي بالتخلي عن أطماعها وتحجيم الإطماع الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني والمنطقة, وبإعادة الحقوق لأصحابها سلما ًقبل فوات الأوان, ومراعاة تراجعها واستيعاب فكرة الرحيل والإنسحاب من سوريا, خصوصا ً بعد كلام الرئيس الأسد حول المقاومة العسكرية للإحتلال الأمريكي, وأنها “لن تكون مرتاحة في أي أرضٍ تحتلها”, ومع حتمية إنتهاء الحرب الكونية – الإرهابية على سوريا وخروجها منتصرة, سيكون من المستحيل منعها من تحرير الجولان السوري المحتل وباقي الأراضي العربية المحتلة, في ظل قيادة الرئيس بشار الأسد, الذي لن يتوان عن قيادة معارك التحرير, ووضع الحد للأطماع الإسرائيلية.