وفي تصريحات قادتها تولي إسرائيل أهمية كبيرة لهذا النوع من العمليات العسكرية السرية. وقد أشادوا بالضابط الذي قتل في الاعتداء وحظرت الرقابة العسكرية نشر اسمه، مكتفية بالإشارة له بالحرف الأول من اسمه «م».
وقال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمس إنه يطأطئ رأسه بسقوط المقدم «م» مقاتل شريف سقط في عملية للجيش الإسرائيلي في غزة. وتابع «سيأتي اليوم وتُروى بطولته بكاملها ومواطنو إسرائيل مدينون له دينا عظيما، وقد عملت قواتنا الليلة ببطولة وشجاعة. وأنا أقدم تحية عسكرية للمقدم «م» ورفاقه في السلاح».
وفي تطرقه للعملية التي كشف أمرها، اكتفى الناطق بلسان جيش الاحتلال رونين مانليس بالقول إن هدفها لم يكن «لا الاغتيال ولا الخطف»، لافتا لبقاء هوية الضباط الإسرائيلي الذي قتل فيها طي الكتمان بسبب حساسية الموضوع.
وقال مانليس إن الخلية الإسرائيلية كانت تقوم بنشاط متواصل حينما اصطدمت بـ «واقع مركّب»، زاعما أن أفرادها قاتلوا بشكل بطولي من أجل «إزالة تهديد ومن أجل عملية تخليص مركبّة جدا بالنسبة لإسرائيل وقد أصابوا من هددهم». وتابع «لا يمكن الكشف عن هوية الضابط الإسرائيلي الذي سقط خلال الاشتباك لكنه جدير بالتقدير والتعظيم على مشاركته بهذه العملية وبعمليات أخرى قام بها». ورفض الناطق العسكري التطرق للسؤال هل حققت العملية هدفها وماذا كان يفعل القيادي الحمساوي الشهيد بركة في المكان؟.
وانتقدت جهات إعلامية إسرائيلية قرار الرقابة العسكرية بعدم الكشف عن هوية الضابط القتيل، فيما كانت منتديات التواصل الاجتماعي باللغتين العربية والعبرية قد كشفت أن القتيل هو المقدم محمود أحمد نجم خير الدين (41) من قرية حرفيش في الجليل، وينتمي للطائفة العربية الدرزية، مع نشر صورته أيضا. وقال جيش الاحتلال إن ما كشف عنه حول العملية ليس سوى جزئية صغيرة جدا من فعاليات سرية تهدف لتكريس تفوق إسرائيل، وإن الوحدة تصرفت بشجاعة وثبات، وإنه سيتم استخلاص الدروس.
وقال وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن إسرائيل خسرت مقاتلا كثير الأفعال ساهم في تعزيز أمنها عبر عمليات ستبقى سرية لسنوات طويلة. وعبّر رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين عن صدمته وحزنه على مقتل المقدم المذكور وعن تمنياته بالشفاء للضابط الآخر الجريح. وأوضح الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الجنرال بالاحتياط غيورا آيلاند في حديث مع إذاعة جيش الاحتلال أمس أن دخول قوة إسرائيلية الى عمق غزة يشكّل خطرا عليها ووقوع أفرادها بالأسر مهما بلغت لياقتهم ودرجة تدريبهم من شأنها التسبب في تدهور الحالة الأمنية، ولذلك فهي تتم بعد مصادقة وزير الأمن بنفسه عليها. لافتا إلى أن مثل هذه العمليات تتم في حالات وظروف خاصة وفقط عندما لا تتوفر وسائل استخباراتية وعملياتية أخرى تستبدل وجود الجنود على أرض العدو وتحقق الأهداف المأمولة بالنسبة للجيش والمخابرات.
وتابع «بشكل عام الحديث يدور عن عملية تلزم التشخيص عن قرب وبشكل مؤكد للهدف الاستخباراتي أو الجهة المستهدفة أو تلزم التحقيق الأساسي وسط اتصال مباشر مع الهدف المراد جمع معلومات استخباراتية حوله».
كما أوضح أن مثل هذه العمليات تتم بعد توفر فرصة نادرة لاغتيال «إرهابي» كبير أو القيام بعمل عسكري آخر أو الحصول على ورقة مساومة (كاختطاف مصطفى الديراني في 1994 من أجل الحصول على معلومات حول الطيار المفقود رون أراد) بفضل الحصول على معلومات استخباراتية ذات جودة. وتابع «يبدو أن هذا لم يكن هدف العملية في خان يونس».
وقال المحلل للشؤون العسكرية في موقع «واينت» رون بن يشاي إن السؤال هو ماذا حصل هناك، ولماذا تم فضح أمر العملية السرية وتورط باشتباك، وكيف تواجد القيادي في حماس في المكان وقتل فيه، وهل الوحدة الإسرائيلية جاءت لتعقب تحركاته وفعالياته كحفر الأنفاق مثلا؟
حماس اكتشفت الوحدة الإسرائيلية
وقال زميله المعلق العسكري أمير بوحبوط في موقع «والا» إن خلية تابعة لحركة حماس هي التي اكتشفت القوة الإسرائيلية، وسارعت لفتح النار نحوها مما تسبب بقتل ضابط وإصابة آخر وخلال الاشتباك استشهد سبعة من عناصر المقاومة، ومن تلك اللحظة بدأ سباق مع الزمن لتخليص الجنود الإسرائيليين وسط نيران كثيفة من الجو للإسناد والتغطية على عملية انسحابهم.
وأكد بوحبوط أيضا ان مثل هذه العمليات تحتاج لمصادقة قائد الجيش ووزير الأمن ورئيس الحكومة لما يترتب عليها من احتمالات انفجار مقابل حركة حماس وحساسية إقليمية. ويرجح أن مثل هذه «العمليات المركّبة» تتم عدة مرات في السنة بهدف استحضار المعلومات الحساسة جدا حول العدو والاستعداد لسيناريوهات متطرفة داخل الحلبة الفلسطينية حسب مبدأ: إذا كنت معنيا بتوقع المستقبل فعليك التحرك داخل ملعب العدو بغية فهم ما يخطط له بذلك تزود صناع القرار في الطبقتين السياسية والعسكرية أكبر عدد ممكن من خيارات العمل في أرض العدو. «إسرائيل لم تنجح بصنع رافعات ضاغطة على حماس لشق الطريق نحو صفقة ممكنة لاستعادة
جثتي الجنديين غولدن وشاؤول وعلاوة على المواطنين الإسرائيليين الثلاثة المحتجزين في غزة. ومن أجل ذلك عليك الحصول على معلومات استخباراتية حساسة وهذا هدف العملية في خان يونس. وأضاف «لا يمكن تجاهل النتائج القاسية للعملية وبذلك ما يدلل على التوتر القائم بين الطرفين وعلى الثمن الذي من شأن حرب ممكنة أن تجبيه من إسرائيل في حال نشبت.
واستغرب المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، توقيت هذه العملية العسكرية في عمق القطاع، كونها جاءت في وقت تُبذل فيه جهود من أجل التهدئة، بينما نتنياهو يشارك في مؤتمر سياسي في فرنسا، اضطر أمس لقطعها والعودة للبلاد لمراقبة تبعات العملية عن كثب.
وفي الوقت الذي تفرض فيه إسرائيل تعتيما على طبيعة هذه العملية العسكرية، فإن الفصائل الفلسطينية اتهمت إسرائيل بالسعي إلى اغتيال القائد في كتائب القسام، نور بركة، الذي استشهد فعلا خلال الاشتباك. لكن الجيش الإسرائيلي أرسل، الليلة الماضية، القائد السابق للجبهة الجنوبية، اللواء في الاحتياط طال روسو، ليتحدث إلى قنوات التلفزيون والإذاعات الإسرائيلية، حيث نفى أن يكون هدف العملية اغتيال بركة، وإنما هو قُتل خلال الاشتباك، وأن «هذه عملية كُشفت على ما يبدو. ليست محاولة اغتيال. فلدينا طرق أخرى للاغتيال».
الأسرى والمفقودون
هرئيل الذي يخشى مثل أوساط إسرائيلية واسعة من تبعات العملية على الاستقرار الأمني المأمول، اعتبر أنه «يصعب التصديق أن تصادق القيادة السياسية الإسرائيلية، في الظروف الحالية، على عملية اغتيال ناشط بمستوى متوسط، فيما ليس واضحا ما هو المكسب من ذلك. وقال إن نتنياهو غارق جدا في جهود التسوية مع حماس، وهو لن يسمح بخطوة كهذه»، علما بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية أكدت أن نتنياهو، ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، ورئيس أركان الجيش، غادي آيزنكوت، صادقوا على تنفيذ هذه العملية.
يرجح أن هذه كانت عملية جمع معلومات استخباراتية، تتعلق ببنية تحتية عسكرية لحماس، مثل تطوير سلاح معين، وربما تتعلق بوجود معلومات مرتبطة «بقضية ملحة» أخرى بالنسبة لإسرائيل في غزة، مثل قضية الأسرى والمفقودين. ويرى هرئيل أن هذه العملية العسكرية الفاشلة ستغيم على الجهود المصرية لتحقيق وقف إطلاق نار لفترة طويلة، لكنه توقع أنها لن تُنهي بالضرورة الاتصالات حول التهدئة. ويستند برؤيته لوجود مصلحة لإسرائيل وحماس في استئناف التهدئة، بحيث أنه رغم الحادثة غير المألوفة والخطيرة، لا يزال يبدو أن العملية لا تقود إلى تصعيد وإلى عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في القطاع.
القدس العربي