كانت ظروف العمال في قديم العهد والزمان جد صعبة، بحيث ان العامل يمضي الاوقات الطوال لأجل الحصول على عمل يرتزق بواسطته، كان ارباب العمل يشغلون العمال الساعات الطوال، بينما الاجر لا يكاد يسد الرمق، ولا يمثل ذلك الاجر إلا الجزء اليسير من دخول ارباب العمل، انها الحاجة اذَا ولا سبيل للرفض فكما يقولون البصيص افضل من العمى.
من اجل تخفيض ساعات العمل، قامت العديد من التظاهرات في كل من امريكا وكندا، في العام 1894 وعقب سقوط العديد من العمال على ايدي الجيش الامريكي في احداث ما عرف اضراب بولمان، سعى الرئيس كليفلاند الى وضع تسويات مع العمال وقلصت ساعات العمل الى ثمان ساعات، وصار الاول من مايو من كل عام عيدا للعمال في غالبية دول العالم للاحتفال بانجازاتهم، التي ولا شك تصب في مصلحة ارباب العمل، ويلقى الى العمال بالفتات من انتاجهم.
انطلاقا من المبدأ الغربي في التعامل بين العمال وأرباب العمل ، ظهر شعار: دعه يعمل دعه يمر، الذي ورد في كتاب ادم سميث” ثروة الامم “، الذي يعتبر الشعار الامثل للنظم الرأسمالية ، اي ان يترك للإنسان حرية اختيار النشاط الذي يريد.
وحيث ان غالبية الحكام يأتون الى السلطة بأموال اصحاب الثروات الطائلة حيث يتم شراء ذمم العامة (الاصوات) فيعمد المتسلطون الجدد الى خفض الضرائب على الانتاج للشركات الكبرى وخفض ما يسمى بضريبة القيمة المضافة او ما يعرف (V A T) كما تقوم السلطات بفرض ضرائب على دخول العمال ووعليه فإن العمال لم يعودوا قادرين على الايفاء بالتزاماتهم الاسرية، فيعمدون الى الاضراب لأجل المطالبة برفع الاجور، سرعان ما تقوم بالدولة برفع الاسعار كنتيجة حتمية لرفع الاجور، ان ان ما يأخذه العامل باليد اليمنى يعطيه باليد اليسرى، وظلت المشكلة القائمة الى يومنا هذا .
استمر الحال على هذا المنوال، رفع الاجور ومن ثم رفع اسعار المواد الاساسية، ما جعل هناك تكدسا من القوة العاملة بالقطاع العام لضمان الحد الادنى لتوفير الحاجيات، والقطاع العام عادة يكون ذا مردودية انتاجية منخفضة تقابله مرتبات بالنتيجة منخفضة مقارنة بالقطاع الخاص، وبالتالي فان هناك طاقات بشرية هائلة معطلة عن الانتاج.
وكنتيجة لعدم اتباع الدول المختلفة سياسات ضريبية ومالية ناجعة تساهم في توفير موارد للخزينة العامة، فإنها (الدولة) تظل عاجزة عن توفير الحد الادنى من متطلبات الحياة المتزايدة، فالأشياء التي كانت بالأمس كمالية، اصبحت اليوم ضرورية ومن الصعب على العامل العادي اقتنائها، وبالنتيجة ساءت الخدمات العامة من صحة وتعليم واستتبع ذلك جيل متخلف جاهل يعاني الكثير من الامراض، التي اصبحت متوطنة.
عمدت المصارف الى اقراض العامة لأجل توفير الاحتياجات برهن ما يملكه العامل البسيطة’ لذلك شهدت امريكا مؤخرا وبعض الدول الرأسمالية ازمة مالية خانقة حيث ان غالبية الناس لم يعودوا قادرين على الايفاء بالتزاماتهم تجاه الجهات الدائنة (المصارف والجمعيات الاستثمارية المختلفة) ما ادى الى طرد العديد من الافراد من مساكنهم لأنها مرتهنة للمؤسسات المالية، ما ادى الى انخفاض اسعار العقارات حيث ان المصارف تسعى الى استرجاع ديونها. ولاح في الافق شبح الازمة الاقتصادية التي عمت العالم وهو الكساد الذي حصل بدءا من العام 1929 حيث انهارت سوق الاسهم الامريكية في 29 اكتوبر من العام نفسه وسمي بيوم الخميس الاسود واستمرت الازمة لحوالي الاربع سنوات.
لم تعمل الحكومات الرأسمالية بمختلف انحاء العالم على ايجاد حل جذري لقضية العمال من حيث توفير اماكن الشغل ومساعدة القادرين على الانتاج في تكوين مشروعات انتاجية صغرى بقروض ميسرة تساهم في توفير مواد اساسية بسعر اقل كما تؤدي الى تخفيف العبء على القطاع العام من حيث تحول بعض العاملين به الى الانتاج.
لم يعد الاول من مايو عيدا للعمال، بل كثيرا ما تحول المتجمهرون الى متظاهرين منددين بسياسات دولهم الاقتصادية وفشلها بالإيفاء بوعودها تجاههم، حيث يصطدمون بقوى مكافحة الشغب ويحدث ما لا يحمد عقباه.للأسف الشديد فان العمال ورغم مرور عقود على نضالهم من اجل الحصول على حقوقهم كاملة ولكنهم لم ينالوا إلا جزءا يسيرا منها، فأصبح العامل بالكاد يسد رمقه، بينما يذهب جل جهدهم الى جيوب ارباب العمل وفق التشريعات النافذة في البلدان التي تدعى كرامة مواطنيها، مسيرة نضال لم تكتمل، الأول من مايو يوم لإذلال العمال في كافة انحاء العالم.