سقطت استعراضات الوجاهة والأناقة والتشاوف الزائل، بل سقطت ورقة التوت الأخيرة عن عورة تنظيم “الإخوان المسلمين” وذراعه السياسية حزب “العدالة والتنمية” سواء في تركيا أو تونس أو بعض المشيخات وآخرها في المغرب والذي يرأس حكومتها سعد الدين العثماني بعد إعلان الرباط تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية ما دفع “الشيخ “العثماني الجديد “الإخواني”العتيق” بارتجال بيان “صميدعي” محبوك ومتناقض كما هي عادة شعاراتهم البراقة الكاذبة.
فقد برر أن القرار “كان صعباً” ولكنه بعد ذلك راح يثني على قرار عاهله محمد السادس لأنه “سابق عصره وزمانه” فهو “استراتيجي” لأنه جاء ثمن اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء الغربية، وأنه “انتصار غير مسبوق وستتلوه انتصارات أخرى ” لا أعلم عن أي انتصارات يتحدث الشيخ العثماني بعد هذا السقوط الحر”، وفي الوقت ذاته المحافظة على الحقوق الفلسطينية والاستمرار بدعم نضال الشعب الفلسطيني حتى قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ” مجنون يحكي وعاقل يسمع”!
الغريب العجيب أن هذه السيمفونية والأسطوانة المشروخة هي ذاتها التي أطلقها بعض العربان والمشيخات لذر الرماد في العيون وهم يعلمون أن هذا الأمر لا يسمن ولا يغني من جوع..
الكيان الصهيوني كعادته لم ينتظر حتى يجف حبر الاتفاق ولم يرأف بماء وجه “ملالي الأخوان” الذي أريق بلا حياء، فراح يفاخر بأن الاتفاق الموما إليه يعد “اختراقاً وإنجازاً استراتيجياً”، لافتاً إلى أن “إسرائيل” تثق بحكومتي “العدالة والتنمية” في تونس و”الوفاق” “الإخونجيتين” لتقديم المزيد من الارتماء في حض الكيان الصهيوني، وبذلك حلقت “إسرائيل” – على حد تعبيرها- بجناحي الخليج والمغرب العربيين مع بعض الاستثناءات العصية على التطبيع .
نعم إن قرار جناح “العدالة والتنمية” في المغرب لم يكن مفاجئاً وكذلك سلوكيات “حكومة الوفاق الإخونجية” في طرابلس ولا بالدفاع المستميت من قبل “الغنوشي” وأزلامه عن سلوكيات رئيس النظام التركي الرعناء وحزبه ” العدالة والتنمية” في المنطقة وقبالة السواحل الليبية.
إن استذكار التاريخ ليس ترفاً ولا جلداً للذات لكنه ضرورة قصوى لاستقراء المستقبل، فالسوريون خير من خبروا وجربوا “الإخوان المسلمين” وشعاراتهم البراقة الكاذبة منذ العام 1979 في الوقت الذي كانت الكثير من الدول تحتضنهم وتدافع عنهم، والسوريون أكثر من دفع ثمن تنظيراتهم وخطاباتهم واستدارتهم ولولبيتهم وإرهابهم الدموي وآخرها، ولن تكون الأخيرة، مباركتهم لوهم أردوغان “بالصلاة الجامعة في الجامع الأموي “وخلفه “الإخوان”، وهم من باركوا دخول النظام التركي بشكل مباشر في الحرب على سورية عبر فتح حدوده البرية والبحرية والجوية لكل التنظيمات الإرهابية وضمن لهم الحماية والرعاية والتدريب وحتى الجنسية لمتزعميهم في إطار تقاطع المصالح مع “الأشقاء” الأتراك، وبعد أن فشل الوكيل بالمهمة باركوا للأصيل “التركي” بعمليات النهب الممنهجة لثروات الشعب السوري من نفط وغاز ومخازين الأقماح والأقطان وقطعان عواس الأغنام، وباركوا حروبه العدوانية المسماة”غصن الزيتون” عام 2018 و”نبع السلام” 2019 لاحتلال أراضٍ سورية على امتداد الحدود بطول 822 كم من “المتوسط” وحتى نهر دجلة وبعمق 35 كم للوصول إلى سدود المياه وآبار النفط والغاز، وهم من بارك للنظام التركي بقطع المياه عن الأهالي في الجزيرة السورية منذ أيام، وفي نهاية كل مغامرة لنظام أردوغان في الأراضي السورية يتلوها ترحيب ومباركة باعتبارها “توجهاً محموداً” على حد تسويغ “الإخوانجية”.
وهم من نسق ولايزال ينسق مع التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” و” جبهة النصرة” و” أحرار الشام” وما تم تفريخه من تلك “المفرخات” الإرهابية ؟ وهم من يبارك اليوم لنقل الإرهابيين المرتزقة إلى ليبيا للقتال إلى جانب “حكومة” فايز السراج “الإخوانية”، وهم من يبارك نقل الإرهابيين إلى إقليم ” ناغورني قره باغ” لقتل الأبرياء العزل تنفيذاً لغايات سياسية للنظام التركي “الإخواني”.
خداع ونفاق تنظيم “الإخوان” بات مكشوفاً وإن جاءت صحوة البعض متأخرة، ولكنه شيء محمود أن تصدر بعض الدول العربية بيانات رغم تحفظها على سلوك بعضها ورغم تأخرها، وهي من كانت ترعاهم في الأمس القريب وتقدم لهم السمن والعسل والمال والدعم والمنبر والمأوى لمتزعميهم، فهذا هو النظام السعودي يصدر بياناً يعتبر فيه تنظيم “الإخوان المسلمين” “جماعة إرهابية غايتها الوصول إلى الحكم ولا تمثل منهج الإسلام وتاريخها مليء بالشرور والفتن والقتل والاغتصاب، رغم أن دافع البيان هو على الأغلب خلاف النظام السعودي مع بعض رعاة “الإخوان”.
وبعيداً عن المقارنة، فقد أصدر الأزهر أيضاً بياناً اعتبر فيه “جماعة الإخوان” إرهابية تسير على خطا “داعش” وغيرها من الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى نشر الفوضى وتحقيق أجندات خفية .
تجربتنا مريرة مع “تنظيم الإخوان المسلمين” الذي يجيد التلون والمراوغة والقدرة على التسويغ والإصرار على “الإسلاموية” لاقتناص الفرص للوصول إلى السلطة، ولتحقيق مشروعه الإيديولوجي القذر تحذوه أفعال تفيض بالمراوغة والاستئثار والتمييز والإقصاء والعنف والإرهاب من قبل أولئك الخانعين الخاضعين لحسابات رئيس النظام التركي لأنهم يعيشون بين أحضانه ويتنعمون في فنادقه ومنتجعاته، ولأنهم يعتبرونه “الأب الشرعي والمرشد الروحي وحامي حمى” المشروع “الإسلاموي” في المنطقة، وكل هذا يتم بتمويل سخي من مشيخة قطر وبرعاية أمريكية – صهيونية مباشرة.
ولكن سيبقى الدين الإسلامي دين توحيد ووحدة وسلام وأمان ورباط وثيق بين الناس وربهم وبين المسلمين مع بعضهم ومع جميع الأطياف، بينما سيبقى تنظيم “الإخوان” نكرة مهما تلون ومهما خادع ومهما نمّق ذاته، فهو موسوم بالإرهاب ونشأته مشبوهة وتاريخه أسود، والتاريخ شاهد ولا ضرورة لإثبات الثابت.