عندما أقدمت إدارة الإرهاب الأمريكي على اغتيال اللواء الشهيد قاسم سليماني، كان في حسابها المطابق لحساب العدوّ الصهيوني، أنّها تخلّصت من غريم عنيد، أفسد عليها عبثها بالعراق وسوريا، وأنهى مشروعها الإرهابي التكفيري ممثّلا في داعش، وهي التي كانت مؤمّلة تغيير خارطة العراق وسوريا ولبنان والأردن وإيران، تمهيدا لهيمنة صهيونية مستدامة، ونهائية على المنطقة بأسرها.
عملية الإغتيال الغادرة، وقعت في محيط مطار بغداد، نفذتها قوة أمريكية بواسطة طائرة مسيرة، بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتاريخ 3/1/2020 (1)، وأدّت إلى استشهاد القائدين الميدانيين أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني ومرافقيهما، قوبلت برشقات صاروخية عنيفة على مواقع القوات الأمريكية بقاعدة عين الأسد، تحية لهذا القائد العظيم – فيما أنجزه وقدّمه من خدمات جليلة ومعتبرة لحركات محور مقاومة الاستكبار والصهيونية- قبل أن يوارى الشهيد سليماني ثرى مثواه الذي اختاره الى جانب رفيق جهاده في الحرب المفروضة، مع تأكيد المعنيين بأن قصف قسم من قاعدة عين الأسد، هو عبارة عن فتح سجلّ الثأر الذي لن يغلق قبل تحرير القدس وفلسطين.
وعمليات اغتيال الشرفاء والعلماء والمقاومين للظالمين، ليست من شيم الأحرار، وإنّما هي جرائم الجبناء التّعساء، المتحصّنين وراء جدرِ حكمهم، ولا أعتقد أن القصاص من هؤلاء سيبقى بدون إجراء أبد الدّهر، طالما عُرف المجرمون وأماكن إختبائهم، ومن أعمته غطرسة تفوّقه العسكري، سيكون في يوم ما ضحيّة حساباته الخاطئة، وستنعكس سياسات الإدارة الأمريكية مستقبلا على داخل ولايتها، وهي بنظري محكومة بالتفكّك، وتلاشي كيان اسمه الولايات المتحدة الأمريكية، بمجرّد ضربة شديدة تتلقاها، عندها ستنهار بوصاتها ودولارها، وجيشها الذي تتباهى به وتستقوي على دول العالم، بعدها سوف تَدرس الأجيال قادمة حقيقة أمريكا، تاريخا معاصرا مخزيا، تعمّد على تجاهله الاعلام الفاسد المهيمن على الساحة العالمية، سيلتفت إليه عامة الأمريكيين، الذين يعتقدون أنفسهم أرقى شعوب العالم، فيفزعون منه ويعبّرون عن براءتهم منه، ولكن بعد فوات الأوان.
إنّ ما تسوّقه أمريكا لنا – نحن شعوب العالم المعبّر عنه بالثالث- ليس من الحقيقة في شيء، ومن أراد أن يقرأ تسويقاتها المضلّلة، فلنعكس كل جملة واردة فيها من تقاريرها وبياناتها تماما، عكس ما أرادته إدارتها الشيطانية الخبيثة، عندها سنحصل على المعلومة الصحيحة، مثال ذلك لائحتها السّوداء، التي عادة ما تدرج فيها الدول والمنظمات والمؤسسات والشخصيات العالمية، تحت عنوان الداعمين للإرهاب، بينما أغلبها معادية ومحاربة للإرهاب، المنظمات الإرهابية الحقيقية كداعش وأخواتها، مع أن هؤلاء هم صناعة أمريكية غربية بتوافق بينهم، للسيطرة على محيط فلسطين، وخصوصا سوريا والعراق ولبنان.
عندما تدرج الإدارة الأمريكية، ومعها على نفس الوتيرة تقريبا الإتحاد الأوروبي تبيعها الأعمى، إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية وحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية على رأس قوائمها المزعومة كداعمة للإرهاب، فهي تريد أن تدين تلك الدّول ومنظماتها وحركاتها، لبلوغ الغاية من ذلك بقطع الإمدادات المادية عنها، وافزاع الشعوب والدول والشركات والمؤسسات من التعامل معها، خشية أن تلحقها بدورها العقوبة الأمريكية، وخلط مقاومة الشعوب لعدوان المعتدين عليها، والصاق صفة الإرهاب بها، هو أسلوب خبيث يريد نزع روح المقاومة من تلك الشعوب وتدجينها لترضى بما وجدت أنفسها عليه.
ضرر العقوبات الأمريكية المسلطة دون موجب قانوني على شرفاء هذا العالم، هي عقوبات ظالمة صادرة عن أنجاسه، لم يفتّ في عزم وإرادة الشعوب الحرّة ودولها وحركاتها التحررية، المقاومة لكافة أشكال الإستعمار والعنصرية والظلم، مصداق المثل القائل: ما ضاع حق وراءه طالب. مما يثبت الفشل الذريع الذي مُنيت به السياسة الأمريكية الخارجية تجاه تلك الدول، وحركاتها النضالية المتواصلة، والتي لم تنقطع منذ بدأت عقوباتها حيّز التنفيذ، بل زادت ضراوة وشدّة على ما كانت من قبلُ، ويبقى المثال الفلسطيني من أقوى الأدلّة على الفشل الأمريكي الذّريع، دون أن ننسى المثال الكوبي والإيراني والفنزويلي والكوري الشمالي وليست الصين وروسيا ببعيدين عن تخرّصات(2) أمريكا.
من أراد أن يعرف الأبعاد الحقيقية للسياسات الخارجية الأمريكية، فليعد قراءة أحداث 11 سبتمبر 2001(3)، حينها سيكتشف أن فكرة جهنّمية حاكتها إدارتها، (فقد كتب الصحافي الفرنسي، تري ميسان، كتابا تحت عنوان “الخديعة”، فيه الكثير من المعلومات الدقيقة والموثقة حول تلك الأحداث، أثبت فيه بالحسابات العملية والعلمية الدقيقة، أن تلك العملية لا يمكن أن تقوم بها منظمة أو جهة أو مجموعة متمردين متمركزين في مغارات أفغانستان، وتلك الإمكانات لا تتوفر إلا لدى الولايات المتحدة الأمريكية.)(4) في قلب عاصمتها الاقتصادية نيويورك وبعدد من مواطني الغافلين، حتى تبدأ في مشروعها التمهيدي للشرق الأوسط الجديد الذي تراه بعيون صهيونية مناسبا لكيانها المحتل لفلسطين، بل تراه أكثر إرضاء لها، عندما يهيمن هذا الكيان الغاصب على الدول المحيطة به كلها.
عندما تدّعي أمريكا أنها تحارب الإرهاب في العالم، فهي كاذبة بلسان شخصياتها الحاكمة، والاعتراف سيد الأدلّة، حيث ( اعتبر السيناتور الأمريكي ماركو روبيو أن عقودا من حكم النخب غير الكفؤة جعلت الولايات المتحدة تقف الآن “على حافة الهاوية”، واقترح عددا من الخطوات التي لا بد منها لـ”إنقاذ” البلاد.السيناتور الجمهوري عن فلوريدا كتب في مقال لموقع The American Conservative يبقى هناك شيء واحد ثابت لا يتغير في الولايات المتحدة هو أن المؤسسة (الحاكمة) مهتمة باكتناز القوة أكثر من اهتمامها بتحسين الحياة لمعظم الأمريكيين”. وأضاف أن “عقودا من هذا الانحطاط وعدم الكفاءة دفعت أمريكا إلى حافة الهاوية. لقد تم تدمير المجتمعات والمؤسسات، وتهميش الإيمان وتجاهل الصالح العام”.) (5)
هذه بعض علامات من الإدارة الامريكية المخادعة وما خفي بالتأكيد هو أعظم، وزمن أفول هذا النجم الشيطاني بات قريبا، وسيزداد قربا كلما أمعنت هذه الإدارة في غيّها واجرامها، ومن شدّة استكبارها وغبائها تكثير أعدائها حولها، ومن كثّر أعداءه فلا يلومنّ إلا نفسه.
المراجع
1 – قاسم سليماني https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – خرص بمعنى كذب، وتخرّصات بمعنى أكاذيب
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar
3 – هجمات 11 سنتمبر
https://ar.wikipedia.org/wiki/
4 –11سبتمبر… الخديعة الكبرى التي سوقتها أمريكا للسيطرة على العالم
https://sputnikarabic.ae/20190911/11-1042857328.htm
5 – سيناتور أمريكي: عقود من حكم النخب الفاشلة أوصلت بلادنا إلى حافة الهاوية
https://www.rtarabic.com/world/1422832-