الثلاثاء , 19 نوفمبر 2024
Breaking News

الإمام الخميني القائد المُدّخر زمن غربة الإسلام وأهله…بقلم محمد الرصافي المقداد

يمكن القول بأن قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الراحل، الإمام الخميني رضوان الله عليه، مثّل ظاهرة استثنائية في النصف الأخير من القرن الماضي، قد تكون مؤشّراتها الغيبية متوقّعة، عند المهتمّين بمستقبل الشأن الإسلامي، والباحثين بين ثنايا كتب تراثه، عن تباشير ظهور الدين الخاتم على الدّين كله مستشرفين ما سيأتي به غيْبُه، كل ما كان بأيديهم وفي متناولهم، أنّ مجدّد الدين سيكون من قوم سلمان المحمّدي – يعني من الفرس – لا أكثر من ذلك، حسب النصوص التي ملأت كتب الحديث والتفسير، ولكنّ تلك الظاهرة الفريدة في فكرها وأدائها، اعتبرها العالم شخصيّة القرن العشرين بدون منازع، وإن اختلفت الآراء حولها بين معجب بها، مؤيّد لحركتها الإصلاحية الثورية، ومبغض ضمن الاطار الإسلامي، لا يملك مبرّرا واحدا لبغضه، يجعله يتخذ موقفا سلبيا تجاهها تقعُ تبعاته عليه.

الإمام الخميني رضوان الله عليه فيمن رآه من رأى، واعتبره من اعتبر مجدّد الدين الخاتم، ومحيي شعائره في عصرنا هذا، بانتصار ثورته وقيام نظامه الإسلامي، وظهور مناصريه من قوم سلمان من داحل إيران ومن خارجها، مظهر الصلابة في الثبات على مبادئ دينهم، واستحقاقات أمّتهم الاسلامية في قضاياها العالقة، التي لم تجد لها شعوبها حلّا لعُقدِها، لم يكن مجرّد منظّر لفكرة الحكومة الإسلامية، التي أطلقها منذ أن كان منفيّا بالنجف الأشرف، دون أن يكون ساعيا لتحقيقها بعزم وإرادة شديدين، بل كان جادّا في جمع أنصاره عليها، فوجد من ورائه رجالا كزبر الحديد، تماما كما جاء ذكرهم في تراثنا، فمضى نحوها مصمّما على تحقيق إنجازه العظيم، قائدا لثورة إسلامية لم تحصل على مرّ التاريخ مثيلتها .

ولم يقف مشروع الامام الخميني رضوان الله عليه عند قيام نظامه الإسلامي فقطـ، بل ذهب إلى إتّخاذ جملة من المواقف الجادّة، تزامنا مع الانتصار الإلهيّ الباهر، كلّل عشرة فجر مباركات( 1/2/الى 11/2/1979)، تجاه قضايا الأمّة الإسلامية العالقة، وفي مقدمتها قضية فلسطين وأعلن مشروعه الحقيقي الهادف إلى تحريرها، وهو مشروع المقاومة واستنهاض الشعوب الإسلامية إليه، بعدما اثبتت الحكومات العربية فشلها الذريع، في معالجة القضيّة بما تقتضيه من حلّ جذري وحيد، في مقاومة العدو الصهيوني الغاصب بكلّ السّبل المتاحة، ووصل الأمر اليوم إلى دخول هذه الحكومات مرحلة من التخاذل، والتفريط في حقوق الشعب الفلسطيني، لحدّ التطبيع المخزي مع غاصبيه، وفتح جميع مجالات التعامل معه بكل جرأة ووقاحة، في عمليات إسقاط جبانة لحقوق الشعب الفلسطيني .

إن جنْي ثمار انتصار الثورة الاسلامية الايرانية، لم يتوقف عند تأسيس نظام ولاية الفقيه العادل، ونجاح إيران حكومة ومؤسسات وشعبا، في تحقيق أهداف الإسلام بتقدم مشاريعه السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعلمية، لتظهر للعالم الإسلامي نموذجا يُحتذى بها، بمنافسة الدول الكبرى، في تحصيل العلوم وتقنياتها، وتركيز صناعاتها التي تتقوى بها الشعوب وتتقدم، وقد شاهدنا بأمّ أعيننا كيف استطاع الشعب الإيراني المسلم المؤمن بقيادته الحكيمة، كيف اجتاز كل العقبات التي وُضِعتْ في طريقه، وأفشل جميع مخططات أعدائه في ثنيه عن بلوغ أهدافه المشروعة، سواء أكانت داخلية أم خارجية، وهذه النتائج الإيجابية الحاصلة على ميدان كفاحه، كافية وحدها لتؤلّب عليه أعداءه المستنفَرِين، وهم حقيقة أعداء الإسلام المحمّدي الأصيل، أعداء الأمة الإسلامية، أينما كان تواجدهم في الداخل أو الخارج.

لم تكن ثمرة الوعي الإسلامي في عالمنا، سوى ثمرة فكر الإمام الخميني وثورته المباركة، التي قادها بحكمة وحسن تدبير، فقد امتدّت آثارها شرقا وغربا، آمن بها رجال تميّزوا بوعي وبصيرة كاملين، أذكر من هؤلاء الأفذاذ رجلين هامّين، نال كل واحد منهما الشهادة في سبيل تأييد مشروع الإمام الخميني والمضيّ فيه، عبّر كل واحد منهما على قناعته بأسلوبه، الأول هو الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه، عالم العراق وفقيهها المُتميّز، الذي قال كلمته الشهيرة: ( ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام .. كيف تطلبون مني أن لا أؤيّد الإمام الخميني، وقد حقّق ما كنت أرجوه وأسعى اليه؟ إنكم تطلبون المستحيل، ولن أبخل بحياتي إذا توقّف عليها تحقيق هدفي.) (1) جهود الشهيد السعيد كلفته حياته، فقضى نحبه مع أخته بنت الهدى رضوان الله عليها، تاركا وراءه سيرة ومواقفا، جسّدا حقيقة الوليّ الواجب إتّباع ولايته، والموقف الشرعي الذي يجب على الأمّة إتّخاذه، نسجا على منواله.

وأثمر فكر الثورة الإسلامية الذي تبنّى نهجه الإمام الخميني رضوان الله عليه، تأسيس أحزاب وحركات مقاومة، كحركة الجهاد الإسلامي التي أسسها الشهيد الدكتور (فتحي الشقاقي)، بعد أن حسم خياره، في تبنّي فكر الثورة الإسلامية للإمام الخميني، وقد عبّر عن ذلك من خلال الكتاب الذي أصدره في مصر بتاريخ 16/2/1979 بعنوان (الخميني .. الحل الإسلامي والبديل)(2) ولقي ما لقي بسببه من نظام السادات القمعي.

لقد كان تأسيسه لحركة الجهاد(1/11/1981) (3)، باكورة المقاومة الإسلامية، سابقة كل من حزب الله لبنان، وحركة حماس فلسطين، باشرت عملياتها الفدائية الناجحة سنوات 1993، و1994، و1995، وكان لها الأثر البالغ في إرباك أجهزة الكيان الصهيوني السياسية والعسكرية، فقررت اغتياله، خصوصا بعد الضربة عملية (بيت ليد) عام 1995، والتي أسفرت عن مقتل 22 جندياً إسرائيلياً، وجرح 108 آخرين،(4) فتم الاغتيال بتاريخ 26/10/1995 (5)

كلمات كثيرة ومعبرة قالها الدكتور الشهيد بشأن الثورة الاسلامية الايرانية، وقائدها الإمام الخميني رضوان الله عليه، أثبتت تأثّره بالقائد الكبير، ومسيرته الاسلامية المظفّرة، كانت نتيجة قناعاته الفكرية التي ترسّخت في ذهنه، أن الخط الذي انتهجه صادق ومبارك، ميّزه تحدّي القوى الإستكبارية وفرض منطقه عليها، وقد شهدنا انكسار تلك القوى وفشل مؤامراتها، الشهيد السعيد عبّر عن قناعة ترسّخت في نفسه، أسوقها هنا للدّلالة على مدى التأثير العميق الذي حصل في أعماق شخصيتين بارزتين في عالمنا الإسلامي، نتيجة قناعة تامّة بجدوى وصدق وفعالية طرح الإمام الخميني، لحلّ قضايا الأمّة المصيرية: (لقد منح انتصار الثورة الإسلامية في إيران الثقة لشعب فلسطين، لقد أوضح لنا أن انتصارنا يعتمد ويتبع لانتصار الإمام الخميني رضوان الله عليه، إن الانتفاضة هي إحدى ثمار الصحوة الإسلامية التي أوجدها الامام الخميني في المنطقة وخاصة فلسطين.)(6)

هذا ولا يزال الإمام الخميني شخصية وفكرا ومشروعا يتفاعل في الساحة الإسلامية، وهؤلاء ابناؤه من ايران ومن خارجها يحملون وصاياه ماضون في تحقيق مشروعه التحرّري، بنجاح كامل، شهد به قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، ليس هذا فقط بل إننا اصبحنا نشاهد ارتباك العدوّ الصهيوني وعجزه عن كبح جماح المقاومة الفلسطينية، وذلك لعمْري نتاج مشروع الإمام الخميني رضوان الله عليه، رجل الإصلاح في الأمّة الإسلامية في عصرنا هذا، والعاقبة للمتّقين والحمد لله ربّ العالمين.

المصادر

1 – هكذا قالوا في الامام الخميني (رض)

http://www.taghribnews.com/ar/news/132494

2 – الخميني .. الحل الإسلامي والبديل – فتحي الشقاقي

https://www.kutubpdfbook.com/book/

3 – حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين

https://ar.wikipedia.org/wiki/

4 – فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

http://www.islamist-movements.com/3798

5 – فتحي الشقاقي https://ar.wikipedia.org/wiki/

6 – الامام الخميني من وجهة نظر الساسة ومفكري العالم

http://ar.imam-khomeini.ir/ar/c74_5488

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024