تحدثوا عنه بلغة تعبيرية عميقة، عندما يقرأها القارئ يرى فيها معاني الإنبهار والإعجاب بشخصية فذة، فريدة في مظهرها عظيمة في معنوياتها ونتائجها، فلم يبالغ من عبر عنه بلسان المقرّ برفعة قامته العلمية وعلوّ شأنه القيادي في تعريفاته، علماء وسياسيون واعلاميون، تحدّثوا عنه بإسهاب، خصوصا أولئك الذين واكبوا مسيرته الثورية، فتنوّعت تعابيرهم لتضع العالم أمام قائد كبير، لم يدّخر جهدا من أجل خدمة دينه وحسن قيادة شعبه.
وماذا يمكن أن يضيفه على هذه الشخصيّة النّادرة كل من تحدّث عنها، وكل الشواهد دالة على أنه فريد في ذاته، لم يوجد له مثيل في عصره غير ذلك الإمام الذي أحصى الله فيه علم نبيّه وغيب وعده المحتوم، رجل كافح طوال حياته ولم يهادن، كما كافح أبوه من قبل فقضى شهيدا، أخاف أعداءه من المفسدين في الأرض فأبعدوه عن وطنه وشعبه، لكنه استمر في كفاحه إلى أن استوت الثورة على ساقها، فعاد ليشرف على قيادة شعبه من الداخل، فكانت عودته التاريخية، مجسّمة مدى عشق الشعب الإيراني لقائده الإمام الخميني رضوان الله عليه، وبين يوم وصوله إلى طهران بتاريخ01/02/1979 في استقبال شعبيّ قُدّر بثلاثة ملايين من أنصاره، انتظروا ساعات طوال حول مطار مهرباد حتى نزلت الطائرة المقلّة له، فكان لقاء مشهودا شدّ إليه اهتمام دول وشعوب العالم، وبإصدار توجيهاته وفتاويه، واستجابة الشعب الإيراني لها، تحقق انتصار الثورة الإسلامية التي قادها بحكمة بالغة، فكانت عشرة الفجر (11/02/1979) إيذانا بعصر جديد دخلته ايران لتكون لها كلمتها المعتبرة بين دول العالم.
لقد كان لذلك الإنتصار المشهود أثر بالغ، في رفع مستوى الوعي بين شعوب العالم الإسلامي، أعاد الأمل الذي كان في حدّه الأدنى، فنشأت على منوال ذلك الفكر الثوري، حركات إسلامية في فلسطين ولبنان، إيمانا بمن أسسها، أنه لا سبيل لنيل استحقاقات الشعوب بغير المقاومة والتضحيات، وفي مقدّمة هذه الاستحقاقات قضية الشعب الفلسطيني المظلوم التي أولاها الإمام الخميني أهمّية قصوى، بحيث جعلها قضيته الأولى وقضية شعبه الإيراني، على أساس أنها معضلة إسلامية، يجب أن تُحلّ بنفس الطريقة التي اغتصبت فيها.
التأثّر بالثورة الإسلامية وفكرها العميق حملا الشهيد فتحي شقاقي إلى تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، فكانت رافدا مهمّا لإسناد حركات مقاومة العدوّ الصهيوني، وتعليقا على حدث الثورة الإسلامية الإيرانية قال: (لقد منح انتصار الثورة الإسلامية في إيران الثقة لشعب فلسطين. لقد أوضح لنا أن انتصارنا يعتمد ويتبع لانتصار الإمام الخميني. إن الانتفاضة هي إحدى ثمار الصحوة الإسلامية التي أوجدها الإمام الخميني في المنطقة وخاصة في فسطين.)(1)
لقد كان لموقف الإمام الخميني تجاه قضية فلسطين أثر بالغ في إحياء أمل كسبها، خصوصا بعد الرعاية الكاملة التي أولتها دولته لمحور مقاومة العدو الصهيوني المحتل، وبلوغه اليوم بمختلف فصائله مستوى قوة الرّدع في مواجهته، ولولا الامام الخميني لذهبت فلسطين وحقوق شعبها في خبر كان، من جراء خيانات وتقاعس أغلب حكام العرب، وكل الدّلائل اليوم تشير إلى أنّنا نعيش مرحلة الوعي الكامل لهذا المحور المبارك، والعمل الجاد والناجع من أجل بلوغ غاية تحرير كامل فلسطين، مسنودا بشعبية واسعة من قوى الأمة الإسلامية.
تسع سنوات كانت كافية لتعانق فيها إيران التحدّي الذي رفعه الإمام الخميني، واثقا بقدرة شعبه وكفاءته في كسبه، وقضى ربك أن يرحل هذا الإمام الفذّ، بعد كفاح مرير ومعاناة مع المرض ليلتحق ببارئه قرير العين، مطمئنا بأنّه ترك وراءه رجلا كفؤا هو الإمام الخامنئي، الذي استلم قيادة شعبه ليواصل مشوار المقاومة وتحدّي قوى الإستكبار العالمي أعداء الله ودينه وأوليائه، وفيّا لنهجه، وشعبا مؤمنا بحقانية ولايته، مستمرّا في تحقيق أهدافه السّامية مهما بلغت به التضحيات.
وقد شكل رحيل الإمام الخميني بتاريخ 03/06/1989 يوما حزينا جدا للشعب الإيراني، فبمجرد أن أذاع راديو طهران نبأ التحاقه بالرفيق الأعلى نزلت جماهيره الى شوارع طهران ناعية باكية معبرة على مدى شعورها الحزين بفقده، وتقاطر الى مكان جثمانه الطاهر ملايين من الحشود من مختلف مناطق ايران، فبلغ تعداد أثر من ثلاثة عشرة مليونا من عشاق نهج ولايته، وسجل التاريخ ذلك اليوم برسم أعلى قيمة بلغها مشروعه في الحكومة الإسلامية، وكان بمثابة الضربة القاصمة التي تلقاها أعداؤه، يأسا منهم في ثني الشعب الإيراني عن مسيرته الثورية، والوفاء لصاحبها رضوان الله عليه.
نيلسون مانديلا هذا المناضل الجنوب إفريقي، المنتصر على عنصرية الغربيين في بلاده، بعد تاريخ طويل من الكفاح والسجون، عبّر عن رأيه في الإمام الخميني، وكان متابعا لسيرته مهتما بأفكاره وأهدافه، فقال بشأنه: ( الإمام الخمينيّ كان قائداً فريداً من نوعه، إذ إنه تمكّن من إنجاح الثورة الاسلامية بأيد فارغة وإنه ليس قائداً كبيراً لإيران فقط، وانما قائد لجميع الحركات النهضوية والثوروية التحررية في العالم. كان الإمام الخميني نموذجاً مثالياً لنا لاستمرار دربنا نحو الاستقلال. إنه احد الأبطال الذين شكلوا مصدر إلهام لنا للاستمرار في مواجهة الأبارتايد.)(2)
ولم يتخلّف الصحفي المصري الشهير محمد حسنين هيكل عن التعبير بما اختلج مشاعره وهو من بين المتابعين للإمام الخميني وثورته الإسلامية فقال: (إنّ الإمام الخميني هبة ربانيّة وسماوية لأهل الارض. كأنه إحدى شخصيات صدر الإسلام، عادت بمعجزة الى الأرض، كي تقود جيش الإمام علي بعد غلبة الأمويين واستشهاد أهل البيت. إنه كان كرصاصة انطلقت من صدر الإسلام مستهدفة قلب القرن العشرين.)(3)
أمّا المفكر المصري فهمي هويدي فقد قال بعد متابعات وزيارات لإيران قبل وبعد الثوة: ( حقّق الإمام الخميني (رض) الانتصار للمستضعفين والتّقدّم المهمّ للموقف الإسلامية في العالم المعاصر، لقد أثبتت أقواله أنّ الدين عنصر مؤثر وفعال في تحريك الشعوب على عكس الذين إدّعوا أنّ الدين هو افيون الشعوب وعامل خمولها وضعفها.(4) رضوان الله على قائد مسيرة اعزاز الدين وأهله، وفي هذا الإطار نعاهده أننا سنبقى أوفياء له ولنهجه وأفكاره، نستلهم منها قيمة الإعداد والتمهيد لمولاه ومولانا صاحب العصر والزمان مهدي الإمة الإسلامية ومنتظر اشعاع دينها على يديه المباركتين.
المراجع
1 – 2 –3 – أقوال علماء وشخصيات عالمية في الإمام الخميني
https://arabicradio.net/news/80336
4 – الإمام الخميني من وجهة نظر الساسة ومفكري العالم
http://ar.imam-khomeini.ir/ar/c74_5488/