بقلم: المحامي محمد احمد الروسان |
من يحرّك عجلات الدبلوماسية العادية المواتية ومعها فعل المخابرات، والدبلوماسية العسكرية ومعها فعل الاستخبارات، على طول خطوط العلاقات الدولية والثنائية بين الكيانات والساحات والدول، هي عمق وعميق المصالح المشتركة، والأخيرة هي التي تحكم العلاقات بين الدول والكيانات والساحات، وان كانت العلاقات الدولية الآن قد تعسكرت أفقياً وتكاد تصل الى التعسكر العامودي، بسبب السياسات الامريكية المتطرفة بجانب الحدث والمسألة السورية، التي عمل الطرف الثالث الخارجي والذي تماهى وتساوق معه وبه البعض العربي المنبطح، على عسكرتها لشطب الدولة والمؤسسات في سورية وفشلوا جميعاً وسيفشلون. الدولة الاردنية بكافة مكوناتها كنسق سياسي واجتماعي بعنوانها الملك، تدرك السابق ذكره، كما تدرك الدولة ويدرك الملك أنّ المنظومة الدولية ومخيوط علاقاتها، بدأت بالتغيير ولم تعد أحادية قطبية، ويمتد هذا الادراك الدولاتي والملكي الى أنّ عمق وحقيقة خطاب نواة الدولة الروسية بعناوينها المختلفة، في فضاءات الشرق الأوسط حيث نوعية الخطاب، ومدايات الرؤية والأداة للوصول الى عالم متعدد الأقطاب للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. كما يتمدد هذا الأدراك الأردني للخطاب الروسي الأستراتيجي في الفضاء الأوراسي وتشابكه مع الخطاب الصيني في ذات نطاقات الفضاء الأوراسي، فعمّان تعلم أنّ من يسيطر على أوراسيا يسيطر على قلب العالم، ومن هنا يشكل ذلك سبب بجانب أسباب أخرى لحقيقة الصراع الروسي الأمريكي بفعل الطاحونة السورية، والتي قادت الى الطاحونة الأوكرانية، وهذا ما تعيه عمّان جيداً بجانب ادراكات ملكية أردنية أنّه ثمة فوبيا عميقة الهدوء، ولكنها صاخبة فوق المشهد الدولي، على طول خطوط العلاقات الروسية الأمريكية، وخطوط العلاقات الروسية ازاء الشرق الأوسط. والأردن بحاجة الى موسكو لمساعدته في تثبيت مساره المسربي في نصف الاستدارة على الأقل نحو دمشق، والروس يعظّمون ويقدرون هذا التحول الأيجابي في الرؤى الأستراتيجية الأردنية الجديدة، والتي قد تخرج من استراتيجيات الطبخ الرديء الى استراتيجيات الرياضيات السياسية، وعلم المناخ الجغرافي حيث التلاسق الجغرافي والمناخي وتأثيراته وعقابيله بين سورية ودول جوارها. الاردن صار أكثر ادراكاً ويتعمق ادراكه كل يوم، أنّ ما يجري في الشرق الأوسط، هو حصيلة جمع نتائج التصادم الدولي حول المصالح الأقتصادية وأوثق استثماراتها وعلاقاتها، بجانب صناعة الأزمات والأرهاب والأستثمار في العلاقات العسكرية، والسيطرة على الموارد الطبيعية وعلى منابع الطاقة ومسارات عبورها ووصولها، بأقل تكلفة وبأسرع وقت الى مصانع ومجتمعات منظومات الدول المتصارعة، لذا الملك قد يذهب الى موسكو قريباً، لغايات التأكيد على التفاهم مع روسيّا بخصوص حالة الاستقرار في الجنوب السوري(نلحظ محاولات أمريكية واضحة في خلخلة استقراره، والعبث بالمثلث المشترك بين العراق وسورية والاردن في التنف السوري المحتل، مع انسحابات أمريكية من بلدة الرطبة العراقية قبل اسبوعين والتي تبعد عن أول نقطة حدود أردنية 70 كم، ومحاولات أمريكية واضحة في اعادة هيكلة الارهاب وعلى رأسه داعش، للعبث بالاردن هذه المرة مع قرب الاعلان الامريكي من الانتهاء من تطبيق الجزء الاكبر من خطة السلام الامريكية، والتي كتبت بقلم ليكودي اسرائيلي متطرف، وتنفذ عبر بعض عرب روتانا الليكوديين، وما الاتفاقية الدفاعية الامريكية التي وقعتها الحكومة الاردنية تقع مدياتها ضمن هذه السياقات. وقد يذهب الملك الى موسكو(طال غياب الملك الاردني عن العاصمة الروسية)لغايات تأكيده أيضاً ودعمه مسارات سوتشي وجنيفات القادمة، ولتطوير ستاتيكو سياسي سوري سوري، وليس لأنتاج 14 أذار سوري. وأنّ الأتفاقيات الأستراتيجية بين أقوى المكونات الدولية موجودة، والخلافات صارت محصورة في الأهداف وكيفية المعالجات، ومقاربات المصالح الدولية الأقتصادية والسياسية، خاصةً مع وصول الفدرالية الروسية الى المياه الدافئة، حيث منابع النفط والغاز والصخر الزيتي واليورانيوم واستثمارت موسكو الحقيقية في ديكتاتوريات الجغرافيا، للوصول الى عالم متعدد الأقطاب وحالة من التوازنات الدولية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. الملك يدرك أبعاد ما طرحه الرئيس بشّار الاسد، من نظرية البحار الخمسة ونظرية الفالق الزلزالي، وأنّ العنوان الرئيسي لهذه المرحلة هو الخلع الاستراتيجي من المنطقة وفي المنطقة، و المتمثل في اعادة هيكلة الوجود الأمريكي في أفغانستان وليس بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بعد اعادة(هندرة)الوجود الأمريكي في العراق المحتل، وثمة أدوار قادمة للناتو في العراق، والذي صار يعود من جديد عبر ما يحدث في الأنبار وتحت عنوان مكافحة الأرهاب، من هنا تأتي أهمية إرباك المنطقة الشرق الأوسطية كحاجة أميركية للخروج من متاهاتها العميقة، عبر اعادة تموضعها وحصر أولوياتها وتنازلات هنا وهناك، للوصول الى تفاهمات مع التكتل الدولي الاخر وعنوانه موسكو. كما تعي عمّان أنّ نواةّ البلدربيرغ الأمريكي ومن تقاطع معها من أطراف في المنظومة الدولية المعادية للنسق السياسي السوري، ومن يدعمه من الحلفاء كروسيّا وايران والصين وجلّ دول البريكس الأخرى وباقي المقاومات في المنطقة وفي العالم، هذه النواة الولاياتية الأمريكية الأممية وأدواتها في المنطقة، تريد حرباً من زاويتها لا تنهي داعش ومشتقاته والقاعدة ومشتقاتها، بل تعمل على اضعاف هذه الفيروسات وتثبيط نشاطاتهم الأرهابية لغايات اعادة الهيكلة والتوجيه من جديد نحو الآخر(حلفاء دمشق)الداعم للنسق السياسي السوري في أكثر من ساحة وأكثر من منطقة في العالم، مع استنزاف مستمر لسورية الدولة والمؤسسات والقطاع العام والجيش وباقي المنظومة الأمنية، فهذه النواة البلدربيرغية الأمريكية تعي وتعلم أنّ النظام في سورية أقوى من أن يسقط وأضعف من أن يسيطر ويحتوي عقابيل ومآلات التآمر عليه، هكذا تعتقد وتظن والى أبعد الحدود وبشكل مفعم وعميق في التفاؤل في(استراتيجياتها الصامته الجديدة)العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي. الأردن بات يرى أنّ الغارات على مجتمعات الدواعش في الداخل السوري تتقلص نوعاً وكمّاً ونتيجةً، والساحات في المنطقة تترابط، وادارة جوزيف بايدن كناطق رسمي باسم الدولة العميقة ومفاصلها وتمفصلاتها، لا تبحث عن شريك حقيقي لمحاربة أبنائها البيولوجيين من الدواعش كفيروسات أنتجتها تماماً، كفيروسات الكورنا ووفيروس أيبولا والأيدز ضمن نطاقات وسياقات الحرب البيولوجية، حيث لم تعد تسيطر عليها وقد مسّها الكثير من النصب والأرهاق والتعب. ولأنّه لا ثمة علاقة بين السياسة والتنجيم، حيث الضرورات تبيح المحظورات، فنرى أنّ منظومات المصالح الأمريكية وتوثيق العلاقات الأقتصادية، تدفع بالحكومة الأمريكية كصدى حقيقي للمجمّع الصناعي الحربي الأمريكي والبلدربيرغ، الى الدخول في استراتيجية الضرورة: وهي البحث عن الشريك الحقيقي لها في محاربة المنتج من الفيروسات الأرهابية غير المسيطر عليها في الداخل السوري والمنطقة، ولكن جوزيف بايدن وبعض كارتلاته لا يريدون ذلك، ويعملون على اللعب بالورقة الكردية(الكرد تروتسك صهيوني عميل معولم الجميع يستثمر فيه وبه)بشكل مزدوج ازاء دمشق وازاء أنقرة، ويعتبرون الكرد بأنّهم شريك الضرورة واستراتيجيتها للولايات المتحدة الأمريكية في القضاء على الدواعش و أو تجميدها، واعادة هيكلتها وترويضها من الزاوية الأمريكية الصرفة – دقق من زاوية واشنطن ومصالحها؟ فمن كان في أذنيه وقر وصمم من دول الدمى في المنطقة ليسمع، ومن كان منها على قلبها أكنّة، لتعمل على ازالتها والعودة الى ثقافة الحياة لا ثقافة الموت، الذي تروّج له عبر فكر ابن تيميه، وأن لا تتجاوز وترتكب الحماقات في تجاوز حقيقة الجغرافيا وترابطها، وحقيقة التاريخ المشترك وتداعياته. ولسان حال الفدرالية الروسية يقول: بأنّ هناك حصار تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ضربه حولنا، من قلب أوروبا وحدودنا الحيوية في مواجهة شبكة صواريخها هناك، حتى آسيا الوسطى، فالمسألة تبدو بالنسبة إلينا كأنها استعادة أميركية كاملة للأجواء التي كانت سائدة بيننا قبل أكثر من نصف قرن، لمجرد أن واشنطن أدركت فقدانها لأحادية قطبيّتها العالمية، عادت معالم الحرب الباردة، ثم لدينا مصالحنا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في المتوسط، لم يعد لدينا موطئ قدم هنا إلا في دولتين اثنتين: الجزائر وسورية، ومن الخطأ الفادح التفريط بأي منهما، خصوصاً في سورية الدولة المركزية المحاذية لكل قضايا الشرق الأوسط والمشرق العربي، فضلاً عن القضايا الملامسة لبعدنا الاستراتيجي في أوراسيا وحدودنا الجنوبية. وثمة تفهم أردني أنّه وبفعل الدبلوماسية الروسية الجادة، والعقيدة العسكرية الجديدة للجيش الروسي، قد يذهب الأمريكي تكتيكيّاً الى امتطاء ظهر الديك الرومي بدلاً من ظهر الحصان ازاء سورية وازاء بؤر التسخين الأمريكي البلدربيرغي الأخرى بفعل الحدث السوري ومفاعيله وتفاعلاته، ازاء أوكرانيا وجورجيا تحديداً أيضاً، وفي ظل انشغالات العالم بمسألة جائحة كورونا، وكذلك المسألة السورية وتداعياتها، وخاصة بعد الفعل الروسي المتصاعد في المسألة السورية والأوكرانية، والتي خلطت كل أوراق الطرف الثالث ومن ارتبط به من العرب بالحدث السوري والحدث الأوكراني، خاصةً وأنّ موسكو تدرك مدى نسبة الضعف الأمريكي السياسي، وتعقيدات الموقف العسكري الأمريكي الولاياتي، فهي تريد(أي الفدرالية الروسية)استغلال وتوظيف وتوليف هذا الوهن السياسي العسكري الأمريكي الى أبعد أبعد الحدود. لذلك وعبر الدبلوماسية الروسية والمخابراتية العسكرية الجادة، طرحت موسكو خطة لحل جلّ المسألة السورية تموضعت في مؤتمر الحوار السوري السوري في سوتشي، وما زالت بعض تفاصيلها طي الغموض الأيجابي المقصود رغم انعقاد سوتشي للحوار السوري السوري، كما استطاعت الدبلوماسية الروسية(قلنا ذلك في أكثر من تحليل ومقابلة ونكرر ذلك)الجادة والفاعلة من جعل الأمريكي يمتطي ظهر الديك الرومي بدلاً من امتطائه ظهر الحصان وان لحين تكتيكياً، كما فعّلت دور الجنرالات الأمريكان الحقيقيين في وزارة الخزانة الأمريكية لا في البنتاغون والمجمّع الصناعي الحربي، فحلّت ثقافة الأرقام محل ثقافة القاذفات. ومن هنا مرةً ثانيةً وثالثةً ورابعةً، نقول أنّ الملك يدرك: نعم لسورية قيمة فالقيّة جغرافية استراتيجية فريدة من نوعها، وإنّ من يسيطر على سوريا(قلب الشرق)يسيطر على الممر الإستراتيجي لجلّ الشرق الأوسط، وبالتالي يتحكم ويسيطر على كلّ أوراسيا العظمى وأسيا الوسطى، حيث الصراع في سوريا وعلى سوريا على الجغرافيا قبل السياسة، هو صراع على الشرق وما بعد الشرق كلّه وقلبه سوريا بنسقها السياسي وموردها البشري، والفدرالية الروسية وبكين بجانب طهران وجلّ دول البريكس تدرك ذلك جيداً. لاشك أنّ القوام الجيو– سياسي السوري، يمارس ويتفاعل بقوّة على مجمل مكونات الخارطة الجيو – سياسية الشرق الأوسطية، وكما تشير معطيات التاريخ والجغرافيا، إلى أنّ تأثير العامل السوري، كعامل إقليمي حيوي في هذه المنطقة، تتطابق آليات عمله وتأثيره، مع مفهوم العامل الجغرافي الحتمي، والذي تحدث عنه جميع خبراء علم الجيويولتيك، وعلم الجغرافيا الإستراتيجية، وعلم الجغرافيا الإقليمية، وحتّى علم الجغرافيا المناخية، حيث تؤكد معطيات العلم الأخير، بأنّ الطبيعة المناخية لدول الجوار الإقليمي السوري، لن تستطيع مطلقاً الإفلات من تأثيرات العامل المناخي الدمشقي، فهل استعدت عمّان ولبنان والعراق وتركيا لذلك جيداً؟. الأمريكي وبتوجيه من البريطاني، حيث الأخير يدير الأول، حاولا انتزاع قيمة سورية الجيوبوليتكية، عبر محاولات انشاء منطقة عازلة في الشمال السوري وما زالوا وبالتعاون مع حزب العدالة والتنمية التركي والرئيس أردوغان، لعزل سورية عن تركيا وأوروبا(نشر التركي لمنظومات دفاع جوي في دار عزّة على الحدود مع سورية بحجة الكرد في عفرين؟ أم أنّه محاولة عاشرة لأنشاء منطقة عازلة هناك؟)ومنظومات اس 400 الروسية التي تم استلامها دخلت الخدمة في نيسان من العام الماضي 2020 م، ويستوليان على الشمال الشرقي لسورية والجنوب الشرقي وجلّ الشرق السوري الى الجنوب، فتحيلان سورية الى جزيرة معزولة عن أوروبا وأسيا جيوبوليتيكيّاً(وفشلا فشلاً ذريعاً، ونتائج لغة الميدان السوري طاغية، والجيش السوري في جلّ الجغرافيا السورية، والمعركة الأهم وفي الظل بدأت في استعادة ادلب وشطب جبهة النصرة هناك)، مع سعي آخر موازي لأقامة كيادن كردي تروتسكي صهيوني خوزمتشي(ادارة ذاتية لأضعاف المركز في دمشق)، بكونفدرالية مع ما استولتا عليه أو تسعيان للأستيلاء عليه في الشرق والشمال الشرقي والجنوب والجنوب الشرقي مع الأردن والكيان الصهيوني(اسرائيل)ثكنة المرتزقة، بعبارة أخرى تعزل سورية عن فلسطين المحتلة وقضيتها وصراعها الأستراتيجي، فتنتهي قيمة الجغرافيا الأستثنائية التي تتمتع بها سورية، فالمعركة والصراع هو على هذه الحغرافيا قبل أن تكون ويكون على السياسة في سورية ونسقها، لقد فشلوا جميعاً، والجيش السوري يقاتل الآن على سفوح جبل الشيخ واستعادة بيت جن خازوق مبشّم بعقد، في ايست الأسرائيلي الصهيوني المحتل. وسورية هي المنفذ الوحيد المتصل بين كل البر الأسيوي والبحر المتوسط، وحاول جلّ السفلة في الحدث السوري من الطرف الثالث من أصلاء ووكلاء عبر حرب البروكسي، الأستيلاء على شرقها من التنف وحتى السويداء(ما زالوا يحاولون وسيفشلوا)، ليصار الى قضم هذه الميزة الجيوبوليتيكية وتحويلها الى شبه جزيرة بمنفذ وحيد على البحر المتوسط، كما حاولوا الأستيلاء على وبعض من القنيطرة لكي تكون سورية عزلت بشكل كلي عن القضية الفلسطينية، لأخراجها من الصراع مع “اسرائيل” ليصار الى تصفية القضية الفلسطينية وعلى حساب الجغرافيا والديمغرافيا الأردنية ليس عبر مفهوم الوطن البديل بل النظام السياسي البديل بديمغرافيات جديدة حالية ولاحقة. نعم لسورية قيمة فالقيّة جغرافية استراتيجية فريدة من نوعها، بجانب أنّها نقطة تقاطع بين أسيا وأوروبا وأفريقيا، انتزعت فلسطين عبر بلفور فعزلت الشام عن أفريقيا، واليوم يراد عزلها عن أوروبا شمالاً وأسيا شرقاً وشمال غرب أسيا أيضاً بشكل خاص، حيث مفاتيح الأخيرة دمشق ومن يملك المفتاح السوري يملك جلّ أسيا. ثمة محاولات لترسيم معالم المرحلة المقبلة في جلّ المنطقة فهل ترضى موسكو بذلك؟ وهل ترغب في اجهاضه؟ اذا سورية دخلت مرحلة جديدة بعد فشل كلّ الرهانات السابقة وعناوينها السياسية مفتوحة في كل الأتجاهات والمسارات، والحلفاء صامدون الى جانب دمشق، ولكن الأسرائيلي ومعه مستحثّات الرجعية العربية الحديثة والمستحدثة بسبب المال الخليجي قادرون على تسويق هذا المشروع دوليّا وهنا الخطورة في الشرق السوري والجنوب السوري. الروس يدركون أنّ المحور الدولي الخصم بزعامة العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي والمتحالف مع بعض العرب، يعملون على توظيف وتوليف مسارات واتجاهات التطرف الديني وبث الفتن لتقسيم المنطقة واعادة ترسيمات تشكلها على الجغرافيا وخلط الديمغرافيات لتبقى أسباب الفرقه والأشتعال قائمة. ويمتد هذا الأدراك الروسي الى أنّ الأستراتيجية الأمريكية البلدربيرغيّة تقوم على مجالاتها الأمنيّه القومية في الشرق الأوسط والمتمثله في “اسرائيل” ومصادر الطاقة. والروس يستثمرون هذا الأوان لا أقول فشل استراتيجية نواة الدولة الأمريكية في محاربة داعش في العراق وسورية بقدر تعثرها وبطئها، حيث هي في الأصل والأساس اعادة هيكلة الأرهاب ثم هندرته وتوجيه نحو مساحات ودول أخرى، وليس لها علاقة بالأرهاب أصلاً بقدر علاقتها بادارة الأرهاب، لتفكيك محور خصومها المقاوم حلقة حلقة عبر بث الفتن الطائفية والتركيز على مظلومية السنّه في مواجهة ظلم الشيعه، حيث من المعتقد لدى الروس وفعلهم الديبلوماسي والأستخباري أنّه يمكنهم فعل شيء حقيقي لقطع الطريق على الأستفراد الأمريكي بالمنطقة وشؤونها، عبر السعي نحو تطوير ستاتيكو الحل السياسي في سورية عبر سوتشي للحوار السوري السوري وحولها، وليس لأنتاج 14 اذار سوري، وأعتقد أنّ عمان صارت أكثر قرباً لهذا الستاتيكو الروسي كحل سياسي، بحيث أنّه قد يكون ذلك بداية لحل سياسي لكثير من البؤر الساخنة في المنطقة. الفعل الروسي يدرك أنّ واشنطن تعمل على تحويل النفط من سلعة الى سلاح لمحاربة روسيّا وايران وفنزويلا في أبشع صور وتجليات الخبث السياسي، بالمقابل تتلمس موسكو وترصد بقرون استشعاراتها شعور واشنطن بضعف قوتها، من خلال سعي الأخيره لتوريط بعض حلفائها في المنطقة في شكل جديد قديم من الأستعمار، فبعد أن سحبت واشنطن جزء وازن من قيادة أسطولها الخامس من البحرين، وجعلت جزء منه يتمركز في خليج دولة مجاورة لسورية – الاردن قطعاً، ها هي لندن أوشكت على الانتهاء من بناء قاعدة عسكرية مقابل القاعدة العسكرية الفرنسية في الأمارات بالأتفاق مع مملكة البحرين، وكلا الدورين البريطاني والفرنسي في سياق التعاون والتكميل للدور الأمريكي وتابع له، وان كان الدور البريطاني والذي هو أصلاً في جوهره وباطنه دور صراعي مع الأمريكي، ويسعى لأستعادة مناطق نفوذه التي خسرها بعد الحرب العالمية الثانية، بعكس الفرنسي الملتهم بالكامل أمريكيّاً، وأعتقد أنّه من باب التكتيك وافقت لندن أن تشترك مع باريس في خدمة المجال الأمني القومي الأمريكي الى حين أن تلوح اللحظة التاريخية الأنجليزية. موسكو تدرك أنّ سورية وحزب الله قادران على استغلال أي حدث لتحويل المحنة الى نصر ومنحه والتحدي الى فرصة، وأنّ المشروع الحربي الحالي على سورية قد يلفظ أنفاسه الخبيثة، والوجود الأمريكي في المنطقة بدأ ينحسر كما أسلفنا سابقاً حيث نلحظ سحب واشنطن لجزء وازن لقيادة أسطولها الخامس من المنامة، وهذا مؤشر على أنّه لا نقول تراجع عميق بقدر ما هو تآكل للوجود الأميريكي، وليس أمام واشنطن سوى خيارين اثنين: حيث الخيار الأول يتموضع في المسارعة الى عقد مذكرات التفاهم المكتوبة وغير المكتوبة مع الدول والحركات الفاعلة في المنطقة، مع تفويض أمريكي محدود لأنجاز تسوية سياسية في سورية وحولها للروس بالمعنى الأستراتيجي، وأن لا يكون هذا التفويض تكتيكيّاً لحين تغيير موازين القوى عسكرياً لصالح أدواتها في الداخل السوري على أرض الميدان. في حين الخيار الثاني يتموضع في ترك جلّ مشروعها ينهار، ثم تعمل على اعادة تجميع فتات الفتات عبر ناتو اقليمي عربي سني اسرائيلي لمحاربة ما أنتجته من دواعش(ما زالت واشنطن ترعاها) بجانب حركة حماس المقاومة وكما صرّح ممثل البلدربيرغ الأمريكي الحقيقي في ادارة جوزيف بايدن، وأنّ هناك ثمّة رد عسكري روسي مخبأ في ثنايا الديبلوماسية الروسية وفعلها الحالي. لقد صار واضحاً للجميع وعلى رأسهم الاردن، أنّ أي تفاهمات حول الأزمة السورية لن يخرج ولا يخرج الاّ من تحت مظلّة وعباءة الفدرالية الروسية، ولا اتفاق حول سورية وأزمتها السياسية ما لم توافق عليه موسكو. اذاً الدبلوماسية الناعمة وبعمق وبشقيها الأستخباري الدبلوماسي والسياسي الرياضياتي، والتي تنتهجها الفدرالية الروسية وادراكاتها لحالة التشابك بين السياسي والأقتصادي والمخابراتي والعسكري والفكري الثقافي، أفسحت المجال أمام حلول وسط لنتائج الحروب البديلة أي الحروب الداخلية والتي أنتجتها واشنطن في الدواخل العربية، وتحت مسميات الحريّة والديمقراطية وحقوق الأنسان والحاكمية الرشيدة ضمن وعاء ما سمّي بالربيع العربي. حيث هناك مصلحة مشتركة على طول خطوط العلاقات الروسية الأمريكية بأن لا تكون الأزمة السياسية السورية، مدخلاً لأنفجار كامل على صعيد المنطقة، بما معها من سياسات عرجاء أممية ازاء ايران ومسألتها النووية ودورها ونفوذاتها وفائض قوتها، فلا بدّ من من محاصرة ما تم ادخاله من ارهاب مدخل الى الداخل السوري وعلى مدار سنوات المسألة السورية، والبحث عن مخارج سياسية ودبلوماسية لأخراجها من اللعبة الأممية حولها. إذاً أيّاً تكن اتجاهات المسألة السورية وجوهرها، فانّ النسق السياسي السوري وعنوانه الرئيس الأسد باقون وباقون(يرحلون ونبقى ويبقى)، سواءً جنحت المسألة السورية، إن لجهة عودة المسار العسكري البحت مع سلسلة جولات من العنف أشد ضراوة(الاتفاقية الدفاعية الاردنية – الامريكية مؤشر للقرب الجغرافي الاردني من سورية)، وان لجهة المسار السياسي عبر المبادرة الروسية لبدء حوار سوري سوري، والتي تموضعت في مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري مؤخراً، بمضامين جنيفات جديدة. كما تدرك نواة الدولة الأردنية، أنّ النواة الصلبة في الدولة الأممية الروسية، نجحت في جعل عنوان النسق السياسي السوري العقدة والحل معاً، لا بل وعقدة الحل نفسه حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، ونكايةً بالطرف الخارجي بالحدث السوري من أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وبعض العرب، والروس أرسوا توازناً دقيقاً حال وما زال يحول دون تدخل عسكري خارجي في سورية، كما يحول دون سقوط الرئيس الأسد واخراجه كرهاً أو حبّاً، من أتونات المعادلة السورية الوطنية، إن لجهة المحلي وتعقيداته، وان لجهة الإقليمي وتداعياته ومخاطره، وان لجهة الدولي واحتقاناته وتعطيله وأثاره على الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي أثاره على نسب النمو الاقتصادي واستعادة المنظومة الاقتصادية الأممية لعافيتها، بعد أزمة الرهن العقاري وارتباطاتها في الولايات المتحدة الأمريكية – شرارة وجوهر الأزمة الاقتصادية الأممية. نعم من حق النواة الصلبة في الفدرالية الروسية وعنوان هذه النواة الرئيس فلادمير بوتين أن يقول: ثبات وتماسك الجيش العربي السوري العقائدي ضمن وحدة وثبات النسق السياسي السوري وعنوان هذا النسق الرئيس الأسد قد جلبوا للفدرالية الروسية العالم أجمع. فالوضع الروسي في الشرق الأوسط له آفاقه الخاصة، فموسكو حاضرة وبقوّة على كل الجبهات: من إيران إلى فلسطين المحتلة، ومن مياه الخليج المسلوبة السيادة أمريكيا، إلى سورية التي تتعرض إلى حرب كونية سافرة، إلى لبنان الساخن مروراً بالعراق والذي يتعرض إلى حالات مخاض عسير، عبر بعض أطراف من العربان المرتهنين للخارج. موسكو تعود بقوّة ودبلوماسيتها أخذت تظهر دينامية متنامية إزاء الأزمات التي تهز المنطقة، وصارت موسكو وبشكل متجدد وجهة رئيسية للتعاطي مع هذه الأزمات، وعادة مرةً أخرى إلى المياه الدافئة في الخليج والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. وتأتي عودة موسكو على الجبهة الدولية والجبهات الإقليمية الأخرى، على أساس الاستفادة من الصعوبات التي تعاني منها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وهذا يمنحها صك تواصل وانفتاح على تلك الأطراف التي لا تتعامل معها واشنطن، حيث تستفيد وتوظف موسكو بؤر النزاعات والملفات الساخنة لأسماع صوت مختلف عن الصوت الأمريكي والغربي بشكل عام، وهذا ما يجعلها مسموعة ومقبولة لدى الجانب العربي لوقوفها إلى جانب حقوقه المشروعة، وأقلها إقامة دولته على الأراضي المحتلة لعام 1967 م وعودة القدس الشرقية لتكون عاصمة لتلك الدولة وعودة اللاجئين والنازحين إليها، فروسيا اليوم لاعب نزيه وحقيقي وعادل في كواليس الصراع العربي – الإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية، كما هي لاعب نزيه وعادل وحقيقي في تداعيات ما يسمّى بالربيع العربي، ودورها الحقيقي والفاعل والمتصاعد في الحدث السوري، للحفاظ على الدولة السورية وعلى الأمن والسلم الدوليين. تقول المعطيات النظرية لعلم العلاقات الدولية، بأنّ التوازن الإقليمي يرتبط دائماً بالتوازن الدولي، وبتنزيل هذه الحقيقية إلى الواقع الميداني، فقد كان التوازن الإقليمي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط يرتبط بالتوازن الدولي الخاص بنظام القطبية الثنائية خلال فترة وجود القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق ولكن بعد انهيار القطبية الثنائية وانفراد واشنطن بالزعامة محاولةً الهيمنة على النظام الدولي، بدا واضحاً أنّ منطقة الشرق الأوسط قد شهدت على أساس اعتبارات التوازن الدولي، حدوث فراغ في الميزان الأممي بسبب غياب القوّة السوفياتية التي انهارت وعدم تقدم روسيا أو الصين لملء الفراغ في الميزان الدولي، صعود قوّة إسرائيل في ميزان القوى الإقليمي، هبوط قوّة الأطراف العربية في ميزان القوى الإقليمي، مع الأخذ بعين الاعتبار حالة انقسام سادت في المنطقة العربية، بحيث أكد ما يسمى بمحور الاعتدال بالمنطقة(الذي يعاد انتاجه من جديد الآن)على ضرورة المضي قدماً في القبول بالنفوذ الأمريكي وتقديم التنازلات للمشروع الإسرائيلي – الأمريكي – الغربي. وعلى الطرف الآخر، أكد ما يسمّى بمحور الممانعة بالمنطقة على ضرورة المضي قدماً في الاعتماد على الإرادة العربية والقدرة الذاتية ومبادئ العدالة والحقوق المشروعة، كوسيلة لمواجهة المشروع الإسرائيلي – الأمريكي – الغربي في المنطقة الشرق الأوسطية. الآن تمثل جهود روسيا الفدرالية، بمواقفها المختلفة إزاء الحدث السوري وإزاء إيران وبرنامجها النووي السلمي، وإزاء الدور التركي المتلون وكافة الملفات الأخرى في المنطقة، بما فيها ملف التسوية السياسية، هذه الجهود الإستراتيجية والتكتيكية تشكل رسائل جديدة تحمل الإشارات التالية: بدء عودة روسيا لمنطقة شرق المتوسط ، من أجل ملء الفراغ الذي خلَفه انهيار الإتحاد السوفياتي، ردع النفوذ الأمريكي في المنطقة، عن طريق التأكيد بانّ أمريكا لن يكون في وسعها الإنفراد الكامل بممارسة النفوذ على المنطقة، ردع الأسرائليين من مغبة اعتماد استخدام القوّة الغاشمة المرفوضة، ودبلوماسية العمل من طرف واحد عن طريق وضع الأسرائليين أمام روادع على النحو التالي : إنّ موسكو تمثل لاعباً دولياً مؤثراً في الساحة الأممية، لأنّ لها دوراً كبيراً في إدارة الصراع الدولي الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية، إنّ موسكو قادرة على تعزيز قوّة الأطراف الأخرى، وإعادة نظام سباق التسلح الذي سبق أن شهدته المنطقة على النحو الذي يضعف التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي الحالي، ولموسكو خارطة طريق جديدة في الشرق الأوسط، حيث تتحدث المواقف الروسية عن نفسها، بأنّ موسكو تسعى حالياً إلى معاقبة الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق القيام بلعب دور معاكس لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، رداً على دور واشنطن المعاكس في منطقة البلقان وشرق أوروبا ودفاعاً عن مصالحها الإستراتيجية عبر الحدث السوري، لقد فعلت موسكو وعبر دبلوماسيتها الجادة فعلها ومارست شتّى الضغوط، على “إسرائيل” و واشنطن في الشرق الأوسط، إلى عقد تفاهمات بين موسكو و واشنطن تتراجع بموجبها واشنطن عن استهداف النسق السياسي السوري، وتقديم تنازلات لموسكو في ملفات نشر برنامج الدفاع الصاروخي والقواعد العسكرية الأمريكية وغيرها، وبالمقابل تتراجع موسكو عن ملفات الشرق الأوسط غير الإستراتيجية، وعدم استهداف المصالح الأمريكية وخاصة في جورجيا على أن يكون ذلك بالتفاهم معها. ولكن على العكس تماماً، تبدو التحركات الروسية وهي تشي إلى أنّ ثمة ” خارطة طريق روسية دولية ” تقوم موسكو بتقفي معالمها الرئيسية، كون التحركات الروسية المعاكسة لأمريكا شملت: منطقة الخليج العربي: سبق للرئيس الروسي فلادمير بوتين زيارتها. منطقة الشرق الأدنى: يوجد صعود روسي معاكس لأمريكا في أوكرانيا حيث القرم عادت للفدرالية الروسية من جديد، أرمينيا، منطقة القوقاز والقفقاس، إضافة إلى الموقف الروسي المتجدد والثابت والداعم للنسقين السوري والإيراني. منطقة آسيا الوسطى: استطاعت موسكو أن تضعف الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى عن طريق الاتفاقيات الثنائية مع دولها الخمس: تركمنستان، أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، وكيرغيزستان. منطقة الشرق الأقصى: تحركات روسيا في ملف الأزمة النووية الكورية الشمالية بحيث أدّت إلى إضعاف الموقف الأمريكي المتشدد في المنطقة، ويضاف إلى ذلك انخراط روسيا – بكين ضمن منظمة تعاون شنغهاي كمنظمة إقليمية، التي استطاعت أن تفرض نفوذها الجيويوليتيكي على الإقليم الأوراسي الذي يضم روسيا، الصين، منغوليا، دول آسيا الوسطى، والذي سبق أن أجمعت كل النظريات الإستراتيجية على انّه يمثل مفتاح السيطرة على العالم باعتباره يمثل منطقة القلب الاستراتيجي لخارطة العالم . من ناحية أخرى، إن انخراط روسيا في أجندة الصراع العربي – الإسرائيلي ضمن جهد شامل ونوعي، بالإضافة لما ذكر سابقاً في متن هذا التحليل يهدف من جهة أخرى مكافحة ومواجهة انخراط واشنطن المتزايد في إقليم أوراسيا ( آسيا الوسطى، القوقاز، القفقاس )، كذلك البدء بالتحركات المتعلقة بالملف النفطي، مع كل من مصر والجزائر وغيرها من البلدان الشرق الأوسطية النفطية، لبناء قوّة ناعمة نفطية روسية لجهة بناء تحالف نفطي روسي – شرق أوسطي . حتّى الآن، تنظر التحليلات الأمريكية إلى أن التحركات الروسية في الشرق الأوسط تهدف إلى معاقبة أمريكا، ولكن كما هو واضح فانّ التحرك الروسي يمكن أن يكون جزئيّاً بسبب هذه المعاقبة، وما لم تنتبه إليه التحليلات الأمريكية الصادرة حتّى الآن، هو أنّ روسيا قد باشرت التصدي للسلوك الأمريكي في ملف كوسوفو ومنذ البدء وقبل سبع سنوات من الآن، عن طريق استخدام الملف الجورجي وتداعيات هذا الاستخدام الروسي المشروع من وجهة نظر موسكو، على اعتبار أنّ ذلك يمس أمنها القومي ومجالها الحيوي . وكما هو معلوم للجميع في المجتمع الدولي، إنّ جورجيا تمثل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة القفقاس، تتعرض لتكريس أزمة انفصال أبخازيا الشركسية، وانفصال أوسيتيا الجنوبية، وفي رد الفعل الروسي على انفصال كوسوفو، أعلنت روسيا وما زالت عن استعدادها لتأييد ودعم وتجذير انفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا إذا تجرأت جورجيا على الانضمام إلى حلف الناتو. وبسبب الإخفاقات الأمنية المخابراتية، وعبر فجوة إشكالية المعلومات الأستخباراتية التي عانت وتعاني منها وكالة المخابرات المركزية الأميركية، لجهة الأخطاء في التخمينات والتقديرات وخاصة في المشهد الصيني، والمشهد الكوري الشمالي، والمشهد التايلندي ومناطق جنوب شرق أسيا، وحيال المسرح الإيراني والباكستاني، والمسرح الأفغاني، والمسرح العراقي، والمسرح المصري، والمسرح التركي، والمسرح السوري، المسرح الأوكراني وعقابيله المستمرة، العلاقات الروسية – الصينية ومسارات تطورها، وفي الملف اللبناني – المقاومة وحزب الله، وفي ملف الدولة الأردنية – الحراك السياسي المتذبذب في الصعود أحياناً والأنخفاض أحياناً كثيرة داخل مؤسسات الدولة الأردنية الرسمية والشعبوية. فالوكالة فشلت فشلاً ذريعاً، إن لجهة تقديم المعلومات الضرورية والكافية التي تتمتع بالمصداقية والدقة، في وقتها المناسب والداعمة لقرارات الإدارة الأميركية، وخاصةً قرارات مجلس الأمن القومي الأميركي، و وزارة الخارجية الأميركية، ومؤسسة البنتاغون، ودعم تخمينات وتقديرات مجمّع المخابرات الأميركي، فكانت النتائج مخيبة للآمال وفي غاية السوء. الاختراقات الأمنية المخابراتية لأروقة الوكالة نفسها ومنشآتها من قبل شبكة المخابرات الإسرائيلية مستمرة وتجري على قدم وساق الآن، جهاز الموساد والشين بيت وآمان، حيث درجت هذه الأجهزة على تقديم تخمينات وتقديرات أمنية وسياسية مغلوطة، ليتم تظليل المخابرات الأميركية ومراكز القرار السياسي الأميركي، لجهة مجريات الأوضاع في الشرق الأوسط، وعرفنا وشرحنا وفي أكثر من تحليل أنف لنا، كيف كان يفبرك كل من السفير جيفري فيلتمان المساعد السياسي لأمين عام الأمم المتحدة، ودينيس روس الفاعل والمتفاعل بعمله الحالي كمستشار غير معلن لشعبة الدراسات في الموساد الأسرائيلي ولجهاز استخبارات لدولة عربية توصف بالأقليمية – السعودية، كيف كانا يفبركان تقاريرهم إلى رئيس مجمّع المخابرات الأميركي – حيث كان قليل الاهتمام بها ولم يكترث بتفاصيلها – من خلال مكتب المخابرات والبحوث التابع للخارجية الأميركية، حيال الملف الإيراني، والملف السوري، والملف اللبناني(حزب الله)، وملف الأوضاع الفلسطينية ومآلاتها، وملف الحراك السياسي في الدولة الأردنية وملف الحراك الشعبي الآن والمحرك له الظروف المعيشية الخانقة، وآلية تفاعل مجتمع المخابرات والأستخبارات الأردني معه. كما أمعنت بالفشل السي أي إيه في التخمينات والتقديرات، لردود أفعال شعوب وحكومات الدول الحليفة والصديقة، لجهة توجهات السياسة الخارجية الأميركية، فتجذّر العداء لأميركا وزاد وتفاقم، ولم تستطع الدولة العميقة سواءً عبر الجمهوري أو عبر الديمقراطي وحتّى هذه اللحظة، من وضع إستراتيجية مواجهة التحولات والتقلبات، لأمزجة القيادات السياسية للدول وأمزجة شعوبها. حيث أدّت تحولات السياسة الخارجية التركية، وعلى المستوى التكتيكي والاستراتيجي، إلى إرباك كل حسابات السياسة الخارجية الأميركية ذات العلاقة والصلة، بملفات الشرق الأوسط، والشرق الأدنى، والبلقان، والقوقاز الشمالي والجنوبي على حد سواء. وتساوقاً مع مخطط استراتيجية وكالة المخابرات المركزية الأميركية التوسعي “بشراهة”، وما يلقي بأعباء نوعية على كاهل البعثات الدبلوماسية الأميركية، في العالم والشرق الأوسط بشكل خاص، وعلى كاهل ميزانية الدفاع والأمن الأميركية، تتحدث معلومات تم تسريبها لتلك الميديا المقرّبة والموثوقة، ضمن هذا النسق والسياق وتحت عنوان “الهندرة” الأستخباراتية للسي أي ايه وتعزيز عملها الخارجي، حيث أصدر وزير البنتاغون الأميركي في ادارة بايدن قراراً واضحاً، برفع مخصصات العمليات السرية الأميركية في اليمن وايران وليبيا ومصر والجزائر وتونس والمغرب، وفي سورية وأوكرانيا وفي جنوب أفريقيا أيضاً، وفي تايلند والحدائق الخلفية للفدرالية الروسية بشكل عام. حيث تهدف هذه العمليات السريّة الأميركية، الى تدمير الأهداف المعادية والعمل على بناء الشبكات الصديقة، والقيام بالأستطلاعات وجمع المعلومات واعداد وتمهيد المسرح الميداني، استعداداً للعمليات والمواجهات المحتملة القادمة، هذا وقد برزت التقارير الأمنية المسرّبة بقصد الى بعض مجتمع الميديا المقرّب الواسع الأنتشار، بسبب نوعية وكم المعلومات، بشكل متزامن مع اقصاء بعض كبار ضبّاط المخابرات في داخل مجاميع الأستخبارات الأمريكية في الداخل والخارج. حيث تم تحميل من تم اقصائه(الضحايا) مسؤولية كل نقاط الضعف والأخطاء والأختراقات الأمنية المخابراتية العسكرية، وما ترتب عليها من نجاحات لحزب الله اللبناني في تعزيز قدراته العسكرية، ونجاحات لمجتمع المقاومة الفلسطينية في الداخل الغزيّ المحتل بالرغم من القاء أكثر من عشرين ألف طن متفجرات بما يعادل ستة قنابل نووية، وصعود حركة طالبان باكستان وطالبان أفغانستان من جديد وبقوّة، وصعود حركة أنصار الشريعة في ليبيا، وصعود الجماعات المسلحة في سيناء من أنصار جماعة بيت المقدس وغيرها وفي درافور وما يجري في داخلها سرّاً الآن، وحركة بوكو حرام وتصاعدها في نيجريا، ونشاطات للجماعات المسلحة في الجزائر وهي في تصاعد، بجانب ما يجري في تونس في جبل الشعانبي، وما يحضّر الآن للمغرب وموريتانيا، وملف دولة جنوب السودان( اسرائيل أفريقيا). وتقول معلومات استخبارات، وبعد تفاقمات الأزمة الأوكرانية وثبات النسق السياسي السوري، ومضي الدولة الوطنية السورية في برامجها السياسية والعسكرية، وتماسك الجيش العربي وتماسك القطاع العام السوري، فأنّه وبناءً على توصية مشتركة شارك في بلورتها البنتاغون، ورئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي سوليفان، بالتعاون مع انتوني بلينكين وزير الخارجية الحالي، ومدير السي أي ايه وليام بيرنز مهندس الاتفاق النووي مع ايران، والذي ينشد ويشحد الحوار وزيارة ايران وعلناً، قام مؤخراً قائد القيادة الوسطى الأميركية، باصدار قرار لوحدات القيادة الوسطى، بضرورة استخدام وحدات القوّات الخاصة لتنفيذ المزيد من العمليات السريّة في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً والعالم عموماً، حيث تقوم القيادة الوسطى الأميركية باعدادات متزايدة للبنى التحتية، التي سوف ترتكز وتقوم عليها العمليات السريّة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية حالياً وفي المرحلة القادمة في الشرق الأوسط، وباقي مناطق العالم ذات العلاقة والصلة بالرؤية الأستراتيجية الأميركية، حيث هناك عمليات سريّة تم القيام بها وعمليات أخرى قيد التنفيذ، وأخرى ما زالت تخضع لمزيد من الدراسة، وبالتنسيق مع المخابرات الأسرائيلية وبعض الدول العربية الحليفة لواشنطن، كلّ حسب قيمته ودوره وحاجة أميركا له. ويعترف قادة الجيوش الحربية الأمريكية بوضوح، أنّ العمليات السريّة الأميركية الحالية والقادمة، سوف تزيد الشرق الأوسط سخونةً على سخونة، وبالتالي سوف تؤدي الى تصعيد عسكري في مختلف مسارحه وبؤره الملتهبة، ويضيف أحدهم أنّ هذا التصعيد العسكري المتفاقم، له تاثيرات حيوية وايجابية لناحية، تحفيز ودعم خطط المساعدات العسكرية والمخابراتية الأميركية، حيث تسعى واشنطن من خلالها الى تعزيز المصالح الأميركية القومية في المنطقة، والى دعم حلفائها الأسرائليين والمعتدليين العرب. كما تؤكد قيادة الجيوش الحربية الأمريكية على أنّها ستعمل على نشر المزيد من القواعد العسكرية الأميركية، حيث تتمركز فيها أسراب الطائرات بدون طيار، كالقاعدة المنوي اقامتها في منطقة قريبة من الحدود بين سورية والأردن في منطقة الأجفور لطائرات دارون الأمريكية، وتطويرات لقاعدة موفق السلطي في الأزرق وقد أعلن عن ذلك سابقاً، وبناء القدرات التكنولوجيا المتطورة المربوطة بالأقمار الصناعية، لتوجيه واعادة توجيه الطائرات بدون طيار بشري، وتحقيق القدرات على الأستطلاع وجمع المعلومات ذات القيمة الأستخبارية في المنطقة، ومتابعة دقيقة لمختلف الأهداف ذات القيمة الأستخبارية الأستراتيجية والتكتيكية في المنطقة أيضاً(الاتفاقية الدفاعية الاردنية الامريكية فعّلت كل ذلك). نعم المؤسسة السياسية والأستخبارية والعسكرية في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وبالتماهي والتساوق والتنسيق مع جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ) و وول ستريت وشركات النفط الكبرى، يسعى الجميع لتدمير الوجود الروسي في المنطقة، وهذا هو الهدف من الأزمة التي خلقها وأحسن خلقها بخبث مجتمع المخابرات الأمريكي والبريطاني والفرنسي بالتعاون، مع استخبارات البنتاغون والأستخبارات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية في أوكرانيا، كنتيجة للآستعصاء في المسألة السورية وتماسك صلابة الموقفين الروسي والصيني. والسؤال الذي يحفّز العقل على التفكير الان: ما مدى الترابط والتزامن وتفصيلات مواد الاتفاقية(قرأتها بعمق بلغتين انجليزية وعربية)بين توقيع الاردن لأتفاقيته الدفاعية مع الامريكي(بطريقة غير دستورية)وما كشفته صحيفة لوموند الفرنسية – عبر تسريب مقصود من جهاز المخابرات الفرنسي الفرع الخارجي بادارة برنار ايميه بالاتفاق مع قصر الاليزيه الى الليموند الفرنسية، عن مشاركة 27 دولة في برنامج سري، ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية، ويهدف إلى جمع وفرز وتشغيل ملايين الأدلة في(مركز بيانات)ضخم في قلب قاعدة عسكرية أمريكية في المملكة الأردنية(ملفات، هواتف، آثار الحمض النووي)من أجل التمكن من تحديد ومركزية جميع الآثار التي خلفها الجهاديون من جميع الأطياف، في كل مكان في العالم، من أجل مقاضاتهم بغضّ النظر عن أي شيء، وربما حتى أمام المحاكم؟! هذا المشروع الاستثنائي جالانت فونيكس، تقوده وزارة الدفاع الأمريكية، وقد ظل سرياً تماماً منذ انطلاقه عام 2016م، وبمرور الوقت، على الرغم من أنه ما يزال سريّاً، فقد انتهى به الأمر إلى أن يكون موضوعاً لإشارات موجزة من مصادر رسمية عبر المحيط الأطلسي، وبعض المعلومات الخاصة من أجهزة الاستخبارات التي تم نقلها في بعض وسائل الإعلام الأوروبية. بيانات عملية جالانت فونيكس هي ليست كمثيلاتها، إذ يتعلق الأمر بما يسميه العلماء دليل حرب، حيث يتم جميع ومشاركة جميع ما تم العثور عليه على الإنترنت والشبكات الاجتماعية أو تم التخلي عنه على الأرض من قبل الجماعات الجهادية، أو حتى تم العثور عليه عندما تم أسرهم. وقد تركزت هذه العملية في البداية على مقاتلي القاعدة وتنظيم الدولة في المنطقة العراقية- السورية، ويمكن الآن لشبكات Gallant Phoenix أن تمتد إلى جميع الفروع التابعة لها، حتى في أفغانستان واليمن وليبيا وأماكن أخرى في أفريقيا، ولا سيما في الشريط الساحلي- الصحراوي. المساهمون الرئيسيون في عملية الجمع الضخمة هذه هم أولئك الذين، بطريقة أو بأخرى، وجدوا أنفسهم في المستنقع العراقي- السوري في السنوات الأخيرة: الجيش العراقي والقوات الكردية، وكذلك عدد كبير من القوات الخاصة من الدول المشاركة في التحالف الدولي (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا وغيرها) تم حتى الآن جمع ملاييين البيانات في هذا المركز السري الضخم في الأردن، إذ أن هناك كل شيء: الهواتف المحمولة والكاميرات وأجهزة الكمبيوتر ووحدات USB. كما أن عملية Gallant Phoenix هي أيضا قاعدة بيانات ضخمة لوثائق الهوية وبصمات الأصابع والحمض النووي(العناصر التي غالباً ما توجد في العبوات الناسفة أو الجثث). وقد ولد هذا المشروع الأمريكي قبل كل شيء من جنون تنظيم الدولة، من هذا الطموح الذي كان مشروعا سياسيا – لبناء دولة أولية تحكمها الشريعة، جمعت عملية جالانت فونيكس، أعدادا كبيرة من المستندات الرسمية المكتوبة بخط اليد ودفاتر الحسابات وكشوف التسجيل وقسائم الرواتب، وإيصالات الإيجار، أو حتى إيصالات الدفع. وقد تمت إضافة حوالي 700 وثيقة إثبات حرب إلى الإجراءات القانونية الفرنسية المتعلقة بالإرهاب، تعود إلى حوالي 500 جهادي من رجال ونساء، وحوالي 200 شخص يأتون من تسريبات داعش. لكن المزيد والمزيد من قضايا غالانت فينيكس لا تزال قيد التحقيق. ويعود تاريخ رفع السرية الكامل لبيانات شراكة الحكومة المفتوحة، مع بعض الاستثناءات، إلى عام 2018م فقط، كما يقول تقرير الليموند الفرنسية والذي هو أصلاً تقرير لجهاز المخابرات الفرنسي، تم مشاركته مع أكثر من جهة في أكثر من دولة بينها الاردن، ويطرح مشروع Gallant Phoenix أسئلة غير مسبوقة، بحيث إنه يساهم أكثر في جعل ساحة المعركة، التي لطالما اعتُبرت مكانا غائبا عن العدالة، شكلاً من أشكال مسرح الجريمة القضائي. كما تطرح هذه العملية التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية السؤال التالي: هل سيتم استخدام أدلة الحرب التي تم جمعها يوما ما لإنصاف السكان المدنيين المحليين، الذين كانوا أول من عانى من فظائع الجهاديين في سوريا والعراق؟ فعشرات الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة محتجزون في شمال شرق سوريا من قبل قوات سوريا الديمقراطية الكردية التي حاربتهم على الأرض.
Mohd_ahamd2003@yahoo.com