من الواضح إن اجتماع رئيس السلطة الفلسطينية عباس وحركة حماس ممثلة بالرئيس هنية لم يفض بأي شيء جديد. ان الخلافات ما زالت قائمة وما طرحه رئيس السلطة في الاجتماع في تركيا لم يختلف البتة عما طرح سابقا من ان على الفصائل اعتماد اتفاقيات وتفاهمات اوسلوا التي وقعتها “منظمة التحرير الفلسطينية” التي وقعت وراء ظهر الفصائل قاطبة ووراء شعبنا الفلسطيني والالتزام بقرارات الشرعية الدولية التي تآكلت على الأرض بالوقائع التي فرضها الاحتلال دون أن يتحرك هذا المجتمع قيد انملة للوقوف ضد هذه القرارات مكتفيا بالتنديد والبيانات الفارغة التي شجعت الاحتلال في تمرير سياسات ضم الأراضي وإقامة مزيد من المستوطنات اليهودية السرطانية على الأراضي التي احتلت عام 1967 . ودول هذا المجتمع الدولي أصبحت تجرم الواحدة تلو الأخرى لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها الى جانب تمرير تشريعات تجرم الانتقادات في إسرائيل وتعتبرها لاسامية يعاقب عليها القانون…الخ.
ما فات السلطة الفلسطينية وزبانيتها التي ما زالت متمسكة باسلوا والتنسيق الأمني المقدس هو أن المجتمع الدولي لا يؤمن الا بالقوة وأن الدارج في هذا المجتمع هو شريعة الغاب وهذا المجتمع لن يقيم لك أي وزنا أو اهتمام دون ان تمتلك عناصر القوة التي تفرض من خلالها عليه احترامك وتلبية على الأقل جزء من مطالبك بالحد الأدنى “الشرعية” بعد كل هذه التنازلات المجانية.
وعنصر القوة لن يتأتى في الإعلان والتفاخر أمام وسائل إعلام العدو الصهيوني ليلا ونهارا إنك ضد “الإرهاب” ومتمسك بالمقاومة الشعبية السلمية والسلمية فقط ودون ان تفعل شيئا حتى في هذا المضمار فأجهزة الامن الفلسطيني تقمع حتى المظاهرات السلمية وتعتقل المتظاهرين وتقوم بتعذيبهم وتهديد أهاليهم. وهذا يعني ببساطة إنك تسقط عنصرا هاما من عناصر القوة لو تم استخدامه بالشكل الصحيح الا وهو الشعب الفلسطيني لشكل قوة ضاغطة حقيقية على العدو الصهيوني. فكم من مرة تم التدخل مع الشخصيات الوطنية في القدس والتي لها تأثير ربما عما يدور هنالك من مقاومة شعبية والطلب منهم بذل الجهود لتهدئة الأوضاع. لا نقول ان السلطة قد نجحت في ذلك (ولن نعتقد انها ستنجح)، ولكن موقفها وسلوكها هذا ينم على عدم تواجد النية الحقيقية في استخدام هذا العنصر الهام الا وهو المقاومة الشعبية واللجوء الى الشعب وحشد طاقاته وقدراته على التحدي.
أما عامل القوة الاخر فالسلطة تقف ضده على طول الخط وهو المقاومة المسلحة وخاصة في الضفة الغربية الاخذة بالتنامي والتطور الى الحد التي باتت تؤرق مضاجع العدو الصهيوني وتغير من تكتيكاته واستراتيجيته عند اقتحام المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية والتي لعل أبرزها ما حصل في مخيم جنين مؤخرا. والاحتلال أبدى تخوفه الشديد من انتقال “عدوى” مخيم جنين الى أماكن أخرى في الضفة الغربية. والقضية مع السلطة انها لا تكتفي بعدم الايمان بالمقاومة المسلحة، بل انها تعمل جنبا الى جنب مع قوات الاحتلال في محاولة لقمع واستئصال هذه الظاهرة سواء بملاحقة المقاومين واعتقالهم وتعذيبهم وتمرير المعلومات الاستخبارية عنهم لقوات وأجهزة ان المخابرات الصهيونية او بتقديم الاغراءات المادية والوعود بالوظائف والمعاشات الخيالية والكف عن ملاحقتهم كما حدث في نابلس ونجحت جزئيا في تحقيق ذلك. لقد أصبح الجميع يعرف ذلك بالتمام والكمال والسلطة لا تخجل من التصريح بأن التنسيق الأمني مقدس ضاربة بعرض الحائط كل مقررات الاجماع الوطني الفلسطيني. ولقد وصل الحد قبل عدة أيام الى قمع الأجهزة الأمنية الفلسطينية لمسيرة استقبال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الأسير المحرر نظير نصار ومصادرة رايات الحركة شمال طولكرم. هذا في الوقت التي يقوم به بن غفير الفاشي وقطعان المستوطنين باقتحام المسجد الأقصى المبارك وإقامة الصلوات التلمودية في باحاته.
وعامل القوة الاخر والذي يكتسب أهمية كبيرة والذي يساهم في تعزيز شعبنا وصموده على أرضه والمغيب كلية منذ قدوم السلطة وللآن هو بناء اقتصاد مقاوم على الأرض والسبب الرئيس لذلك هو ان فريق اوسلوا قد غادر مربع حركة التحرر الفلسطيني الى ما سمي بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية الوهمية. هذا الوهم من إقامة دولة تحت سلطة احتلال لا نجد له مثيلا في تاريخ البشرية على الاطلاق. والأخطر من ذلك تبني اقتصاد نيو ليبرالي رأسمالي متخلف أدى الى نشوء طبقة برجوازية غير وطنية بكل معنى الكلمة همها الرئيس هو تحقيق وتكديس الأموال الطائلة من الاحتكارات التي وزعت على الشريحة المتنفذة الفاسدة وعلى زبانيتها المرتبطة بالسلطة وخاصة في قطاع الخدمات مثل قطاع الاتصالات على سبيل المثال.
وضمن هذا الواقع ومع نشوء طبقة برجوازية غير وطنية كان لا بد من اتخاذ العديد من التشريعات المناهضة للفئات العاملة والمسحوقة والمهمشة والبرجوازية الصغيرة والتي مست قطاعات عريضة مثل النقابات العمالية ونقابات المدرسين ..الخ. والتي أصبح همها الرئيس هو الجري لتوفير لقمة العيش لعائلاتهم وسداد الديون والقروض التي كبلت غالبية الفئات للبنوك. وكل هذا كان له تأثير واضح على المزاج العام الشعبي ومقاومة الاحتلال شعبيا. وربما من الجدير بالذكر ان الضرائب التي فرضت حتى على المواد الأساسية كانت مجحفة للغاية وأدت الى جانب جشع البرجوازية غير الوطنية الى ارتفاع أسعار المواد الأساسية الى أضعاف أسعارها مقارنة بالبلدان المحيطة مثل أسطوانات الغاز والأدوية للأمراض المزمنة التي تفوق أسعارها ثلاثة أضعاف أحيانا من أسعارها في الأردن ومصر على سبيل المثال. وبقي المجتمع الفلسطيني بكليته مجتمعا استهلاكيا لا منتجا على جميع الأصعدة بما فيها الزراعية والصناعية مما زاد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. نعم الاحتلال يتحمل المسؤولية الأولى عن هذا الحال، ولكن يجب ألا تعفى السياسة الاقتصادية للسلطة ولا شجع البرجوازية غير الوطنية والفساد المستشري في أجهزة السلطة وعدم وجود استراتيجية لبناء اقتصاد فلسطيني مقاوم ولو بالحد الأدنى من جزء كبير من مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع الاقتصادية الخانقة.
وفي النهاية نؤكد على القاعدة الذهبية المستقاة من ثورات الشعوب وحركات تحررها إن التخلص من الاحتلال والاستعمار يتأتى عندما يشعر المحتل أن ثمن احتلاله وعلى جميع الأصعدة أصبح باهظا لا يمكن تحمله. فأين السلطة الفلسطينية من هذا؟
كاتب وأكاديمي فلسطيني