بقلم: محمد بن عمر |
دعاة حقوق الانسان في عصرنا كثيرون، أنظمة ومنظمات دولية وجماعات مدنية وشخصيات، رفعت راية حماية حقوق الانسان والدفاع عنها، لكننا إذا اقتربنا من مجالات نشاطاتها، واستكشاف أشخاصها وتأسيساتهم، وحاولنا استجلاء شيء مما تخفيه من مقاصد حقيقية، فسوف نجد انفسنا أمام بالون هوائي ضخم، يقترب من مجال شوكة، لينفجر باحتكاكه عليها قطعا وهميّة، إن أمعنت النظر اليه، لاحت لك صور متعددة ومتشابهة من الاحتيال فيه، تجزم انها مستنسخة لأكاذيب، تعاد لترمى من جديد على الخصوم، كلما دعت الحاجة.
زعيمة دعوى حماية حقوق الانسان في عالمنا، كما أرادت الظهور به هي أمريكا، وحسب تقاريرها السنوية، التي تصدرها دوائرها المتخصصة في فنون الدعاية السياسية، لم يستثنى من اتهاماتها نظام في العالم، سواء أكان منتهكا لحقوق الانسان أم محافظا عليها، سوى حلفائها الغربيين، وعملائها المنتشرين في القارات الخمس، وقد ترى في بعضها شيئا من النقد الذي لا يرتقي للإدانة لعملائها، عندما يصل الأمر الى الفضيحة، في ارتفاع سقف الانتهاكات التي تمارسها تلك الانظمة، فتشير اليها بصورة باهتة، لا تعبر حقيقة على ما يجري في ساحتها الداخلية، على المعارضين لها في أقبيتها وسجونها.
حقوق الانسان الاساسية التي يجب حمايتها من طرف المجتمع الدولي بناء على الوثيقة ذات 30 مادّة، صادقت عليها دوله في 10/12/1948 بباريس – ونحن نقترب من الذكرى السبعين على إعلانها مبادئ مقدّسة – تنتهك كل يوم في أمريكا وفي أوساط شعبها من طرف نظامها العنصري وقبضتها البوليسية الباطشة، والمعتدية بوحشية في أغلب الأوقات على مواطنيها السود، حيث لا تزال الشرطة تقتل السود، بأعداد لا تتناسب مع نصيبهم الإجمالي من عدد السكان، ويشكل احتمال قتل السود مرتين ونصف، احتمال قتل البيض من قبل الشرطة، كما أنّ احتمال مقتل أسود غير مسلح، فاق 5 أضعاف احتمال مقتل أبيض غير مسلح من قبل الشرطة.
وحقوق السود في امريكا لا تزال مهضومة رغم تعدد تركات الاحتجاج والمطالب التي نادى بها زعماء السود، والتي ذهب ضحيتها عدد منهم، وفي مقدمتهم مارتن لوثر كينغ(Martin luther king) (1929/1968)(1)، هذا دون أن نستحضر جرائم الغربيين الأوائل الذين استوطنوا أمريكا بعد إبادتهم قبائل الهنود الحمر، فكيف لهذا النظام المؤسس على تاريخ أسود مليء بانتهاكات فظيعة لحقوق الانسان، والقائم حاليا على استعباد الحكومات والشعوب الفقيرة والضعيفة، أن يعتبر نفسه راعيا لحقوق الانسان، وهو المبادر الى الدوس عليها؟
ويأتي استهداف أمريكا لدول بعينها، باتهامها انتهاك حقوق الانسان للإساءة اليها، وتحريض فئاتها وشعبها عليها، فكل من تعتبره أمريكا من دول العالم، خارج دائرة نفوذها، ومستقلا عنها، قد تناولتهم تقاريرها السنوية بالطعن والتشويه، فلم تسلم الصين ولا روسيا ولا فينزويلا، ولا سوريا من انتقاداتها، وطبيعي هنا أن يكون لإيران النصيب الاكبر، والحظ الأوفر في تلك التقارير، بانتقاداتها السنوية المستمرة، والتي لا تعبّر في شيء عن حقيقة الوضع الداخلي وحقوق الانسان في إيران، لبعدها كل البعد عن الحيادية والواقعية.
تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر مؤخرا، اتهم إيران بتطبيق معدلات عالية لعقوبة الإعدام، وبفرض قيود على حرية التعبير، بينما يتعامى التقرير على جهود النظام الاسلامي في ايران في مجال استقلالية القضاء وعدالة المحاكم الايرانية التي تصدر أحكامها بالإعدام في قضايا الاتجار بالمخدرات وعصابات تهريبه من افغانستان وباكستان، وينال فيها المتورطون في قضايا الارهاب نفس العقوبة، وكان على أمريكا أن تكف عن مساندة هؤلاء الارهابيين ودعمهم، حتى لا يقف ارهابي واحد معتقل بالجرم المشهود، فينال جزاء ما اقترفت أيديه، أمام المحاكم الاسلامية الايرانية.
واستهداف النظام الاسلامي في ايران المتكرر، من أمريكا وحلفاؤها، كان من أجل تشويه صورته الحقيقية، ووضعه في قفص إدانتها المزيّف، باعتباره نظاما معاديا لها، يراها بفكره الاسلامي شيطانا إنسيّا أكبر، يجب القضاء عليه، ومن هنا لا تتردد أمريكا في فعل اي شيء، يمكن أن يخلّصها منه، خصوصا بعد أن توسّعت دائرة الفكر الاسلامي، المعادي لأمريكا ولقيطها الكيان الصهيوني، وأصبحت تشمل شرائح واسعة من شعوب المنطقة الاسلامية.
لم يختلف تقرير أمريكا هذه السنة عن سابقيه، عما اسماه حقوق الانسان في ايران، فقد جاء مشحونا بالكذب وتزوير الحقائق، وقد رفضت وزارة الخارجية الإيرانية الإتهامات الواردة فيه لها بانتهاك حقوق الإنسان، واصفة إيّاها بالمنحازة، ومدفوعة بالعامل السياسي المعادي لإيران، الذي تنتهجه أمريكا.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي: (إن ما ذكره التقرير السنوي الأمريكي لحقوق الإنسان عن إيران هي صورة مشوهة وغير حقيقية للوضع الراهن في البلاد).
وتابع قائلا: (الولايات المتحدة ليست فقط منتهكة كبيرة لحقوق الإنسان، ولكنها أيضا تلعب دورا في دعم منتهكين آخرين لحقوق الإنسان، ومنهم إسرائيل وبعض الأنظمة الرجعية في المنطقة .. محذّرا الولايات المتحدة من التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى).
بمنطق الهيمنة والقوة، لا تملك منظمات حقوق الانسان الحكومية وغير الحكومة الدولية والمحلّية، التأثير على الموقف الامريكي تجاه ايران، ودول أخرى معادية لأمريكا، ف(الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان FIDH، والمفوضية السامية لحقوق الانسان OHCHR، ومنظمة العفو الدولية AMNESTY، وغيرها من المنظمات والرابطات، لا تزال تنحني لتقارير أمريكا العدوانية، وتعتمدها مع أنها فاقدة لمصداقية نقل الحقيقة.
إن بلدا يعتمد عقيدة وشريعة أحاديث أئمته عليهم السلام، دليلا الى نهج الكرامة الانسانية، حقيق بأن يحتذى يف نهجه، لا أن يشهّر به، فرسالة الحقوق التي وردت عن الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام(2)، يجدر بها ان تتألّف منها بنود حقوق الانسان، بصورة كاملة وشاملة، وعهد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، الذي أعطاه الى صاحبه مالك الأشتر رضوان الله عليه(3)، يكفي بدوره أن يكون مرجعا لمنظومة عالمية، فعليّة لحقوق الانسان، تستمد منه قوانينها وآدابها، لكن ماذا أقول فيمن أعمتهم بهارج الغرب، فنسوا حظا مما ذكروا به؟ ليت قومي يعلمون.
الاحتيال الامريكي تجاوز الادعاء بحماية حقوق الانسان في العالم، رغم هدمه لها داخليا، الى الاحتيال الاقتصادي، والاحتيال في سرقة ادمغة شعوب العالم من نوابغ أبنائه، ولعل أكبر شباك تحيّله في ادعائه، بأنه بلغ قمة الحضارة والمدنية، وما هي سوى بهارج فارغة من القيم الانسانية، مليئة بالإجرام والعدوان، ستأتي عليها آثار أفعالها الاجرامية يوما ما .
المصادر
1 – مارتن لوثر كينغ: زعيمً أمريكيًّ من أصول إفريقية، وناشط سياسي إنساني، من المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد السّود، في عام 1964 م حصل على جائزة نوبل للسلام، وكان أصغر من يحوز عليها، اغتيل في الرابع من نيسان/أبريل عام 1968.
2 – رسالة الحقوق الصحيفة السجادية للامام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام
3 – نهج البلاغة ج3 ص82
الوسومحقوق الانسان محمد بن عمر
شاهد أيضاً
تونس: على مفوضية حقوق الانسان تحري الدقة والموضوعية، والايقافات كانت على جرائم وليس تضييقا على الحريات
اعربت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عن رفض تونس القاطع للبيان الصادربتاريخ 23 جوان …