التظاهرات التي خرجت في العراق مؤخرا تبدو مطلبية وتتناغم مع الحاجات المعيشية والخدماتية التي يفتقدها العراق بشكل واضح مع تفاقم الاوضاع الحياتية واستشراء البطالة وضعف الدخل القومي للمواطن , لكنها في واقعها هي نتاج الغزو الامريكي للعراق ومخطط بول بريمر للحكم واقدامه على انشاء نظام محاصصة للحكم مملوء بالقنابل والمتفجرات مما اوجد نظاما تلفيقيا هجينا في العراق انعكس بصورة سلبية على حياة المواطنين حيث اوجد طبقة مستفيدة وفاسدة في قمة الحكم بالمقابل وضع بقية شرائح المجتمع العراقي تحت خط الفقر, مما اجج الحالة الشعبية ضد الدولة واوجد فجوة نفسية وعقدية بين طبقات الشعب والادارة الحاكمة في العراق .
صحيح ان التظاهرات حق مشروع ومكفول قانونيا وان الوضع الحياتي والخدماتي في العراق بات لايطاق وان الفساد ينخر في كل مفاصل البلاد , الا ان التظاهرات الاخيرة تميزت بالعنفية والدموية واحراق الممتلكات الحكومية والاهلية , كما انها رفعت شعارات سياسية تفتقر الى مطالب الطبقات الفقيرة والمتضررة اجتماعيا , كما رفع بعض المتظاهرين اعلام النظام البعثي السابق , فيما تم احراق علم ايران دون احراق بقية اعلام الدول الاخرى كامريكا واسرائيل وبريطانيا , اضافة الى ان بعض المشاهد تكشف بان الذين اطلقوا النار والمقذوفات المتفجرة ضد الشرطة ورجال الامن كانوا من بين المتظاهرين .
اما التوقيت فهو يرتبط اولا باقتراب زيارة الاربعين بحيث وجدنا ان بعض المتظاهرين رفعوا شعار عدم المشاركة في الاربعينية , كما انهم رفضوا التعاطي مع خطب ممثلي المرجعية في النجف الاشرف بل ان بعضهم رفع شعار لا للعمائم ولا للمرجعيات الدينية ,ويرتبط ثانيا باقسى هزيمة شهدتها السعودية في عدوانها على اليمن , من ناحية ضرب عصب الاقتصاد السعودي المتمثل بارامكو او باسر وقتل الالاف من قواتهم في معارك (نصر من الله ), حيث تسعى الرياض الى حرف الأنظار عن ذلك، عبر فتح حرائق في المنطقة كان العراق ضحيتها ,وهذا ماكشفته بعض المصادر من وجود اتصالات بين ثامر السبهان وبعض الشخصيات الفاعلة في التظاهرات وتخصيص الاف الدولارات لدعم خلايا التنسيقيات العنكبوتية في العراق ,ويرتبط ثالثا بصفقة القرن التي اريد ان يكون العراق احد المشاركين فيها ,وتحت عنوان «العراق على قائمة خيارات صفقة القرن؟»، نشرت صحيفة الأخبارالالكترونية تقريراً أشارت فيه إلى «سلسلة تحركات تنبئ بنية الولايات المتحدة إعادة إحياء مشروع الصحوات، بدعوى مخاطر انبعاث تنظيم داعش». وهي تحركات أثارت الريبة من أن يكون ثمة دور موضوع أميركياً للمحافظات الغربية في إطار «صفقة القرن»، التي تريد واشنطن فرضها على الفلسطينيين والعرب وذلك من اجل اسكان الفلسطينيين في المناطق الغربية من العراق .ويرتبط رابعا بموقف السيد عادل عبدالمهدي الذي اعترف بان التحقيقات التي اجرتها الحكومة بخصوص استهداف مقار الحشد الشعبي بطائرات مسيرة كشفت ضلوع كيان الاحتلال الاسرائيلي بهذه الاعمال مما اغضب واشنطن التي لاتقبل بتوجيه اي انتقاد للكيان الصهيوني ,كما ان ذلك يعطي الحراك السياسي باخراج القوات الاجنبية من العراق مصداقية بعد التعاون الامريكي مع الاعتداءات الصهيونية على العراق , كما ان موقع “ديبكا” الاستخباراتي الإسرائيلي، نشر مؤخرا تقريراً يتحدث عن “العدو الشبح” الذي يهدد مشروع اسرائيل الكبرى وقال انه العراق , واخيرا هناك عدة مواقف للسيد عادل عبدالمهدي تثير حساسية واشنطن بشكل مفرط خاصة سياسته الموسومة بتنويع الخيارات العراقية بمعنى أن أيّ حراك من شأنه عتق بغداد من القيود الأميركية والدفع بها نحو المعسكر الشرقي او محور المقاومة ، يعني أن واشنطن غير مرتاحة إلى هذه الحكومة وتشير بعض التقارير الى أن السببين اللذيْن دفعا واشنطن إلى الإسراع في تحريك ورقة الشارع، هما:
أولاً، زيارة عبد المهدي إلى الصين منتصف شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، وتوقيعه اتفاقيات مع بكين لبناء وتطوير البنى التحتية العراقية، وفتح أوسع أبواب الاستثمار أمام الإدارة الصينية للعمل في العراق.
ثانياً، توقيع بغداد اتفاقيات مع شركة «سيمنس» الألمانية لتطوير قطاع الطاقة الكهربائي، على حساب شركة «جنرال إلكتريك» الأميركية، والتوجّه إلى موسكو لشراء منظومات دفاع جوي ومنها «أس 400» عقب استهداف مقار الحشد الشعبي . فتوجّه بغداد شرقاً يعزّز، من وجهة نظر الولايات المتحدة، النفوذ الإيراني في العراق، الذي كسر مطلع الأسبوع الجاري أكبر المحظورات الأميركية بافتتاحه معبر القائم – البوكمال الحدودي مع سوريا، ما يعني تعبيد طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت الذي تراه أميركا وإسرائيل والسعودية ممرّاً لتمرير الأسلحة إلى مختلف فصائل المقاومة، وتحديداً حزب الله , وهذا الامر تحديدا دفع السفير الأميركي ماثيو تولر الى تحذّير عبد المهدي من عواقب وخيمة لزيارته للصين والعمل خارج المظلة الامريكية , ووفق المعلومات المتاحة ، فإن الحكومة العراقية ومنذ 3 أشهر كانت تمتلك معلومات دقيقة عن مخطط انقلابي بقيادة عدد من الضباط العسكريين يقضي بإعلان حكومة إنقاذ برعاية مباشرة من السفارة الأميركية، توازياً مع تحرك شعبي مدعوم من قِبل جيشها الإلكتروني عبر مئات الصفحات والحسابات الإلكترونية الوهمية غير أن خطوة استباقية اتخذتها الحكومة بإقالة بعض هؤلاء الضباط خلطت الأوراق، وأربكت المسار المرسوم أميركياً في إطلاق الأزمة الراهنة وإدارتها، كما ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حذر الرئيس العراقي برهم صالح من مخطط انقلابي امريكي في العراق وقد اوصل برهم هذه المعلومة الى عادل عبدالمهدي بحضور فالح الفياض رئيس الامن الوطني العراقي مما يعني بان الاحداث هي ضمن مخطط مشؤوم يستهدف وحدة العراق حيث وجدنا ان التظاهرات صممت للمناطق الشيعية دون اي حراك في المناطق الكردية او السنية كما انها تستهدف اربعينية الامام الحسين(ع) واخيرا تهدف هذه التظاهرات العشوائية الى ارباك اقتصاد العراق الذي بدأ يتنفس الصعداء في الاونة الاخيرة ناهيك من ان التحرك الاخير كشف خلايا نائمة تسعى الى تنفيذ اجندات خارجية في العراق واجهاض الخطوات البناءة التي تسعى الحكومة الى توظيفها لتطوير البلاد مما يذكرنا بالاحداث التي واجهت الزعيم نوري المالكي عندما حاول استنهاض الوضع العراقي والخروج من المتاهات الاقليمية والاملاءات الخارجية .