الانفجار الذي حدث في مستودع للوقود في عكار شمال لبنان والذي اودى بحياة 22 قتيلا وما يقرب من 80 جريحا للان ما هو الا دليل قاطع على الاستهتار من قبل تجار الحروب اللذين يستغلون حاجة الناس هذا استغلال الجشع الذي لا يعرف الحدود. من الواضح أن عملية التخزين لم تراعي على الاطلاق شروط الامان فلا يمكن التصديق بأن الانفجار حدث نتيجة تدافع الناس للحصول على االوقود. وهذه الكمية كانت قد خزنت بالخفاء لاغراض خبيثة بالتاكيد. وقد بدا الجيش اللبناني للتعامل مع هذه الظاهرة والكشف عن المهربين.
هنالك ثلاثة ملاحظات على هذا السلوك المشين والمدان والذي ينم عن إنعدام اي شعور وطني أو إنساني تجاه ما يعانيه الشعب اللبناني من ظروق إقتصادية وإجتماعية صعبة.
أولا: من يقوم بتخزين هذه الكميات من الوقود هنا وهناك في الوقت التي أوقفت بعض المستشفيات عملها في لبنان نتيجة نقص الوقود مما يعرض حياة العديد من المواطنين الى خطر داهم ومحقق وخاصة ذوي الامراض المزمنة مثل غسيل الكلا أو توقف أجهزة تزويد المصابين بكوفيد 19 بالاوكسجين لابقائهم على الحياة, لتحقيق مكاسب مادية من وراء ذلك تبعا للقانون العرض والطلب يجب إعتباره مجرم وقاتل وهكذا يجب ان ينظر اليه من ناحية قانونية وإنزال أكبر عقوبة ممكنة عليه.
ثانيا: وتبعا لمجريات ومقاربات في دول أخرى مثلما حصل في تشيلي على سبيل المثال عندما قامت القوى المضادة لحكم الليندي اليساري والذي جاء بإنتخابات حرة ونزيهة في بداية سبعينات القرن الماضي قام التجار الاثرياء يتخزين البضائع وعدم إنزالها في الاسواق وخلق نقص حاد مفتعل في المواد الغذائية في الاسواق لخلق نوع من التذمر الشعبي. وقد نجحت الثورة المضادة التي خطط لها بتعاون الاوليغاركية وطغمة الاثرياء والجيش والمخابرات المركزية الامريكية في اسقاط حكومة الليندي اليسارية آنذاك.
ولقد حاولت القوى المناهضة للراحل شافيز ومادورو فعل الشيء ذاته حيث كانت الحافلات المحملة بالمواد الغذائية تتخلص من حمولتها بالقاءها خارج فنزويلا أو في المناطق البعيدة والخالية خارج العاصمة. ووقفت بعض المصانع عن الانتاج أيضا لخلق نقص حاد بالمواد الغذائية وتحريك الشارع لزعزعة الوضع الداخلي الاجتماعي والاقتصادي ولكنها هنا فشلت.
وبالمقاربة اللبنانية نجد الى حد كبير إتباع نفس الاسلوب تخزين المحروقات وعدم توزيعها وطوابير من السيارات تسد الطرق وتتجمع عند محطات الوقود علا وعسى وطوابير عند المخابز للحصول على ما أمكن من الخبز وطابير على الصيدليات وخلق نوع من الفوضى وعدم الاستقرار على غرار ما حصل في تشيلي عام 1973 . والغرض هنا هو تصعيد النقمة الشعبية ومحاولة توجيهها ضد المقاومة في لبنان أو على الاقل الابقاء على حالة عدم الاستقرار في لبنان كوسيلة لتركيعه من قبل راس الشر والارهاب العالمي الولايات المتحدة. المخططات أصبحت مكشوفة وما تخزين المحروقات والادوية والمواد الغذائية الا أحد الوسائل الرخيصة التي تحاول من خلالها بعض القوى اللبنانية تحقيق ما فشلت فيه سابقا.
الى جانب هاتين الملاحظتين نحن لا نستبعد ان يكون الانفجار ليس حادثا عرضيا بل دبر وربما على عجل لتوجيه رسالة الى الجيش اللبناني بالكف عن مداهمة أماكن تخزين المحروقات بشكل غير شرعي أو قانوني بغرض الاستغلال وخلق نقص حاد في الاسواق أو بيعها في السوق السوداء. فالجيش إنتشر على جميع محطات التزود بالبنزين والسولار وغيرها وأجبر المحطات على توزيعها على المواطنين ومن يمسك متلبسا بإقفال محطته ولدى المحطة مخزون من المحروقات سيقوم الجيش بتوزيعها على المواطنين بدون مقابل. وطبعا هذا لا يعجب المفياويات ومشغليهم.ط
يجب ان نقرأ التاريخ وما يدور في العالم ونجري هذه المقاربات التي قد تبدو للبعض غريبة ولكنها تنم عن حقائق يجدر التنيه لها. وكما قال غوار في احد مسرحياته حتى نفهم ما يدور في اندونيسيا يجب ان نفهم ما يدور في الارجنتين او شيء من هذا القبيل.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني