أولا لا بد لنا من تهنئة الشعب البرازيلي وكافة شعوب أمريكا اللاتينية على النصر الذي حققه أحد أبنائها من الكادحين وأصول عمالية بالنجاح في الانتخابات الرئاسية التي خاضها ضد ممثل الطغمة المالية البرازيلية الاوليغاركية والمدعوم من قبل الولايات المتحدة وأجهزة مخابراتها. ولا شك ان رياح التغيير في البنى السياسية المناهضة للسياسات العدوانية للولايات المتحدة في هذه القارة آخذ في التجذر كما أشارت الانتخابات الرئاسية في العديد من بلدان هذه القارة التي كانت الولايات المتحدة تتعامل معها على انها حديقتها الخلفية. ويجب ان لا ننسى التاريخ الأسود الدموي للأنظمة الديكتاتورية التي جيء بها بدعم من المخابرات المركزية الامريكية منذ خمسينات القرن الماضي.
لم تنتظر المخابرات المركزية الامريكية وعملائها من الاوليغاركية البرازيلية وأنصار الرئيس الذي خسر الانتخابات وقتا لكي تبدأ بالتحرك لوضع العراقيل أمام الانتقال السلمي للسلطة. واللافت للأنظار هو اغلاق الطرق بالشاحنات ولن نستبعد ان تقوم بشل الحركة بين المدن والتوقف عن نقل البضائع والذي قد يؤدي الى افتعال شحة البضائع الأساسية من الاسواق والتصعيد في أعمال العنف وربما الوصول الى إضرابات وشل النشاط الاقتصادي للبلد بحيث نصل الى الدرجة التي يمكن معها شراء بعض الضباط من الجيش للقيام بعملية انقلاب على السلطة الشرعية المنتخبة والمناهضة للسياسات الامريكية ونهب ثروات البلاد من قبل الشركات الكبرى بالتواطؤ مع الطغمة المالية البرازيلية.
هذا السيناريو ليس مستبعدا ولقد تم تطبيقه في تشيلي عام 1973 ضد حكومة الليندي المنتخبة بانتخابات نزيهة شهدت بنزاهتها كل الأوساط الغربية. ولكن هذا لم يمنع المخابرات المركزية الامريكية من تدبير انقلاب عسكري تحت ذريعة فرض الامن في البلاد بعد ان اضراب عمال الشاحنات اللذين قاموا بقطع الطرقات وقامت شركات الاغذية برمي انتاجها خارج الحدود بدلا من تزويد الاسواق المحلية بها وجيء بالسفاح الجنرال بينوشيه ليتولى رئاسة البلاد ويرتكب المجازر ضد مؤيدي الليندي والقصة تطول.
نعم أمريكا اللاتينية عام 2022 هي غير أمريكا اللاتينية عام 1973 وكذلك المناخ الدولي. ولكن يجب التذكير بالمحاولات التي لم تنقطع لغاية الان لقلب نظام الحكم في فنزويلا المجاورة منذ أكثر ربما من عقدين من الزمن في زمن شافيز وفي زمن مادورو. فقد فرضت عقوبات على هذا البلد وحوصرت اقتصاديا وهوجمت في المحافل الدولية وتم مصادرة الأصول للدولة المتواجدة في أمريكا وتم احتجاز مخزونها من الذهب ( في الواقع الاستيلاء) المتواجد في البنك المركزي البريطاني وتم تحريك وتأليب الشارع بنمط الثورات الملونة التي تمت في جورجيا 2008 واوكرانيا 2014. واحتضنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عميل المخابرات المركزية الامريكية غوايدو من المعارضة واعتبرته الرئيس “الشرعي” وتعاملت معه على هذا الأساس وقامت بشراء بعض الضباط من فنزويلا وأنشئت قاعدة لتدريب المرتزقة في الدول المجاورة وخاصة كولومبيا والبرازيل للتدخل عسكريا في محاولة لإسقاط الحكومة. بمعنى ان هذه المحاولات الامريكية لاسترجاع سطوتها على دول أمريكا اللاتينية التي تمتعت بها وبشكل مطلق منذ خمسينات القرن الماضي والى ربما تسعينات القرن الماضي لم تنقطع وقد نجحت في بعض المواقع مثلما حدث في بوليفيا على سبيل المثال قبل عدة سنوات التي اضطر رئيسها المنتخب موراليس لترك البلاد على أثر ثورة ملونة مفتعلة بترتيب من المخابرات المركزية الامريكية وعملائها في الداخل وتمكن من العودة الى البلاد بعد عدة سنوات عندما فاز الحزب الذي كان يترأسه في الانتخابات مرة أخرى.
الليندي كان يمثل الطبقة الكادحة والعمال والفقراء والمهمشين في تشيلي وشكل خطرا على الاوليغاركية التشيلية والمصالح الامريكية بعد ان تم سن القوانين والتشريعات لصالح الفقراء والعمال ومصلحة البلاد ولوقف عملية نهب ثرواتها ولذلك تم الانقلاب على حكومته وتصفيته بعد ان قاتل لأخر رمق ورفض الاستسلام للطغاة. وهنالك تخوف مشروع الان الى ان يتكرر هذا السيناريو في البرازيل وكل الامل ان لا يتحقق هذا التخوف بفضل كادحي وفقراء وعمال ومثقفي البرازيل والطبقات المسحوقة من شعبها وبالتضامن الاممي مع شعبها ورئيسها المنتخب.
كاتب واكاديمي فلسطيني