بقلم: فوزي حساينية – كاتب جزائري |
– من ضمن التخصصات التي تم فتحها سنة 2019 في مجال التكوين المهني على مستوى المعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني للتسيير- قدورجبابلة- بولاية قالمة، هـــو تخصص ” تقني سامي في البنوك ” والمطلوب من الشباب الراغب في الالتحاق بهذا التخصص أن يحصل على موافقة مكتوبة من أحد البنوك الموجودة على مستوى الولاية ليتزامن التكوين النظري على مستوى المعهد مع التربص العملي التطبيقي على مستوى البنك، ومدة التكوين هي ثلاث سنوات…
– إذن الفرصة كانت متاحة أمام العديد من الشباب للحصول على شهادة تقني سامي في البنوك، وهو أمر يخدم المستقبل المهني للشباب ويصُّبُ في خدمة الاقتصاد المحلي والوطني بصورة عامة، ويتفق مع سياسة الدولة في تكوين الشباب، ومن المفروض أن مسؤولي البنوك المذكورة يبذلون جهدهم في مساعدة الشباب على الالتحاق بهذا التكوين من خلال اعطائهم الموافقة على التربص بالبنوك..كل بنك مثلا يوافق على استقبال عشرة أو ثمانية متربصين..وسيكون لدى ولاية قالمة بعد ثلاث سنوات خمسين شابا وشابة على الأقل يحملون شهادة تقني سامي في البنوك..
– لكن مديري البنوك الموجودة على مستوى ولاية قالمة كانت لهم مواقف مخيبة لتطلعات الشباب ، إذ أنهم لم يرفضوا استقبال الشباب فقط بل أعلنوا رفضا مطلقا لاستقبال أي شاب يطلب التربص ، بل إن أحد مديري البنوك بولاية قالمة أعلن صراحة: ” أنه لا يعترف بسياسية التكوين هذه ويعتبرها مجرد عبث ” ! أما مدير بنك آخر فقد أمر المكلف بالأمن بأن: ” يخبر طالبي التربص بأن يحصلوا على الموافقة من المديرية الجهوية بعنابة أو المركزية بالجزائر العاصمة ” ولك أن تتصور شابا يذهب إلى المديرية الجهوية أو المركزية ، من سيعبأ به ؟ من سيستقبله ؟ مدير آخر لم يكلف نفسه حتى عناء النظر في هذه الطلبات، لأنها بالنسبة له ” مضيعة للوقت ..” والغريب أنه حتى البنك الخاص الوحيد الموجود على مستوى الولاية سلك هو الآخر نفس المسلك في رفضه المطلق لاستقبال أي متربص !
وهكذا ومن بين أكثر من مائة شاب كانوا يبحثون على الحصول على موافقة هذا البنك أو ذاك ، لم يتمكن سوى أربعة أو سبعة من الشباب من الحصول على الموافقة المطلوبة، أما البقية فقد عادوا بالخيبة والغُصَّةِ، وقد يكون بعضهم اكتشف لأول مرة معنى البيروقراطية بمعناها السلبي المُريع الصادم.
والسؤال الآن : لماذا يتصرف مديري البنوك بولاية قالمة بمثل هذه القسوة، وبمثل هذه العقلية البيروقراطية التي لا تؤمن بأن من واجبها أن تعمل على تقديم المساعدة للشباب في مجال التكوين؟ من المذهل أن نعلم أن العديد من مديري البنوك يرفضون الموافقة على استقبال المتربصين ، لأن الشباب الذين يتربصون بالبنوك مع متابعة دراستهم على مستوى المعهد الوطني سيحصلون بنسبة كبيرة في نهاية تكوينهم على مناصب عمل بالبنوك التي يتربصون بها، ويبدو أن ذلك من الأمور غير المرحب بها من قبل مديري البنوك..
وفي النتيجة أن عشرات من الشباب بولاية قالمة، وولايات أخرى، قد حُرموا من حقهم في متابعة التكوين الذي كانوا يرغبون فيه في مجال البنوك ، وذلك بسبب العقلية الأنانية البيروقراطية التي لا تزال تحكم ذهنية بعض المسيرين للمؤسسات البنكية، وكذلك بسبب سلبية مديرية التكوين المهني على مستوى الولاية والتي كان عليها أن تتدخل بما لها من صلاحيات وأن لا تترك الشباب وحدهم في مواجهة الأغوال البيروقراطيين الذين يشرفون على البنوك .ولا يصح الدفع هنا بأن قطاع التكوين المهني لا سلطة له على البنوك، فهذا معروف، ولكن فن التسيير كان يتطلب من المعنيين توظيف آليات التنسيق والتفاوض والتحسيس، وبكلمة أخرى، الخروج عن دائرة التسيير الروتيني الذي يعجز عادة عن الحل الفني للمشاكل المستجدة، ونتمنى أن ماحدث سنة 2019 لايتكرر هذه السنة، نتمنى وهذا أضعف الإيمان..