البيرو وبعد نجاح المرشح اليساري بيدرو كاستيلو وتنصيبه في 28 من شهر يوليو الماضي لم تنتظر طويلا في البدء بخطوات لاعادة صياغة سياساتها الخارجية وإعادة تموضعها السياسي في أمريكا اللاتينية الى جانب الدول المناهضة للامبريالية العالمي وعلى رأسها الامبريالية الامريكية التي عبثت بدول امريكا اللاتينية لعقود من الزمن ممتدة من خمسينات القرن الماضي ودعمت الديكتاتوريات العسكرية المجرمة وقامت بتغيير الانظمة عبر إنقلابات عسكرية دموية ومع رياح التغيير في القارة الامريكية بدأت بدعم الانظمة النيوليبرالية لتأبيد نهب ثروات دول القارة الامريكية من قبل الشركات الكبرى الى جاني محاولة تأبيد تبعيتها للاستراتيجية الكونية الامريكية.
البيرو اعلنت إنسحابها من “مجموعة ليما” وهي مجموعة أنشات عام 2017 من 13 دولة من دول امريكا اللاتينية التي حكمتها آنذاك حكومات يمينية متطرفة ساهمت في تأسيسها كندا. ولقد شكلت هذه المجموعة لتحقيق هدف ومهمة وحيدة وهي العمل على إسقاط النظام في فنزويلا بعد مجىء مادورو الذي كسب الانتخابات الرئاسية عندئذ. ولم تعترف هذه الدول بشرعية الانتخابات ولا برئاسة مادورو وبتحريض من قبل الولايات المتحدة وكندا وغيرها من الدول الغربية. وقامت الدول المنضوية تحت هذه المظلة والاداة الى تقديم كل الدعم الدبلوماسي والسياسي الى زعيم المعارضة غوايدو المدعوم من المخابرات المركزية الامريكية ودعمت تجميد الاصول الفنزويلية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفعلت المستحيل لاسقاط الحكومة الفنزويلية. وانخرطت بعض دولها في المساهمة والتحضير لانقلاب عسكري في فنزويلا حيث قامت كل من كولومبيا والبرازيل بتقديم اراضيها وأجهزة مخابراتها وبالتنسيق مع سي اى ايه والمعارضة الفنزويلية لدخول بعض فلول من الجيش الفنزويلي وبعض الضباط المنشقين الى المناطق الحدودية للبلدين لإحداث الفوضى وزعزعة الاستقرار على امل تثوير الشارع الفنزويلي. ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع.
وبخروج البيرو من هذه المجموعة الفاشلة سياسيا وأخلاقيا لانها تعمل بالضد من مصالح شعوب امريكا اللاتينية فهي تنضم الى الدول التي انسحبت من هذه المنظمة وهي المكسيك والارجنتين وبوليفيا الى جانب جزر الكاريبي التي اعلنت مؤخرا عن نيتها في الانسحاب.
وتأتي هذه الخطوات ضمن رياح التغيير السياسي التي تعصف بالقارة اللاتينية لصالح قوى وطنية ذات مسحة يسارية تمثل الفقراء والمسحوقين والمهمشين من سكان البلاد الاصليين والتي بدأت بإتخاذ إجراءات إقتصادية لصالح هذه الفئات والتضييق على الشركات الكبرى والاخطبوط المالي والاوليغاركية المحلية.
ولكن جميع هذه الدول وحكوماتها تدرك جيدا ان الامبريالية الامريكية على وجه التحديد لن تتراجع عن مخططاتها العدوانية وستضاعف جهودها وبالتعاون مع العملاء المحليين في مقاومة رياح التغيير التي تعصف بأمريكا اللاتينية ودولها والتي كانت وما زالت ربما الولايات المتحدة تعتبرها وتتعامل معها كحديقتها الخلفية وجزء من “امنها القومي” كما يدعون.
* كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني