ليس هنالك أدنى شك في أن التوجه الاستعماري والعنصرية يشكلان ركيزتين اساسيتين ضمن المشاكل الداخلية للولايات المتحدة ومخطىء من يعتقد أن هذا التوجه مقتصرا على السياسة الداخلية فقط لان هذا التوجه له تجليات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وهذا نابع من الاعتقاد التي بنيت عليها الفلسفة الاستعمارية الذي آمن بها ومهد لها العديد من الكتاب والفلاسفة في حقبة الاستعمار الكولونيالي مفادها أنه من الضروري السيطرة على كل من يخلتفون عنا من الاعراق في الخارج وراينا إمتدادات هذه الفلسفة وتجلياتها في الداخل الامريكي. بمعنى ان هذه السياسة يجب ان لا تقتصر على الخارج بل والى الداخل أيضا.
وإذا ما عدنا الى الوراء في التاريخ الامريكي لأدركنا أن هذه النظرة كانت سائدة لدى كل الموجات الاستيطانية الغربية بالنسبة للسكان الاصليين لامريكا من الهنود الحمر. وهذه السياسة العنصرية والايمان بالتفوق العرقي للبيض على غرار الفكر النازي الذي آمن بتفوق العرق الاري على غيره من الاجناس والاعراق كان المحرك للقضاء على الملايين من الهنود الحمر وحمل الكثيريين منهم الى معسكرات والاستيلاء على اراضيهم وتشتيت مجتمعاتهم وتدمير بناهم الاجتماعية ومحاولة محو تاريخهم وهويتهم. طبعا كل هذا غير متناسين الجانب الاقتصادي لحملات الابادة التي قام بها المستوطنين والمستعمرين البيض لامريكا. ومن يحكم أمريكا الان هم أحفاد وسلالة هؤلاء المستوطنين البيض على وجه التحديد وهذا يتضح تماما من أسماء العائلات المختلفة التي ينتمي اليها هؤلاء. لا يغرنك ان أوباما الذي اتى من أبوين من أصول أفريقية تم إنتخابه كرئيس للولايات المتحدة فهذا وغيره من الملونين أو ذوي الاصول الافريقية الذين استطاعوا الوصول الى مراكز عليا في الولايات المتحدة هم من قال عنهم المفكر الفرنسي المبدع فانون في كتابه الشهير “معذبوا الارض” هم من ذوي البشرة السوداء ولكنهم بيض من الداخل بمعنى انهم قد يختلفون في الشكل ولكن في الجوهر هم لا يختلفون عن المستعمر في ثقافته وقيمه لا بل وأبعد من ذلك يستخدمهم المستعمر ضد ابناء جلدتهم أو إقناعهم بانهم يمكنهم الوصول وأن عدم وصولهم يعود لانهم كسالا وأغبياء وليس لانهم يتعرضون للممارسات العنصرية والاضطهاد وعمليات التهميش وعدم إيجاد الفرص الحقيقية لهم وسياسة التمييز في الوظائف والتعليم والعناية الصحية …الخ
لا يزال هنالك العديد من الامريكيين البيض على قيد الحياة والذين يتذكرون قوانين الفصل العنصري التي حرمت الامريكيين من اصول افريقية الذي جيء بأجدادهم عبر رحلات متعاقبة من أفريقيا وبيعهم في اسواق العبودية للعمل في الاراضي الزراعية وخدمة الاسياد البيض. والعنصرية ما زالت متغلغلة في الثفافة الامريكية وضمن المؤسسات وهذه العنصرية تقبع بعمق تحت طبقة سطحية من التسامح والمساواة الخادعة وهذا ما تفرزه الاحداث المتتالية بين الحين والاخر في الولايات المتحدة.
والامر لا يقتصر على الاشخاص البيض الذين لا يزالون عنصريين ضد من هم من ذوي البشرة السوداء والاقليات الاخرى داخل الولايات المتحدة وهم نتاج ثقافة امريكية مرضية, بل أن الامر يتعدى ذلك ويرتبط ايضا بالعنصرية الاساسية التي لا تزال تسم وتقع في قلب السياسة الخارجية الامريكية وليس ضد الافارقة السود فقط بل عمليا ضد الافارقة والاسيويين والمكسيكيين وغيرهم من سكان أمريكا اللاتين ية. ألم يقم ترامب ببناء جدار الفصل العنصري على الحدود مع المكسيك وسلط الكلاب المتوحشة ورجال الامن الامريكيين ضد من تسول له نفسه لعبور الحدود للعمل داخل أمريكا؟
الولايات المتحدة ومن خلال وسائل إعلامها الرسمية وأعداد من سياسييها تعمل على تشجيع شعبها على كراهية شعوب أخرى في الخارج للمساعدة في تبرير إنتهاجها سياساتها العدوانية وشن الحروب بغرض الهيمنة والسيطرة على دول العالم ونهب ثرواتها وأستغلال اراضيها ومقدراتها ألم تظهر المقولة والتساؤل “لماذا يكرهوننا” من قبل عدد من رؤوساء الولايات المتحدة أو “لماذا يكرهون تقاليدنا وطريقة معيشتنا” لتغذية روح الكراهية للشعب الامريكي للغير أو الشعار الذي طرحه بوش الابن “من ليس معنا فهو ضدنا”. وفي هذا السياق أيضا تتردد وعلى لسان رؤوسائها من ديمقراطيين أو جمهوريين على ان أمريكا هي دولة “استثنائية” وأنها الدولة التي يلتجأ اليها الدول الفقيرة والنامية للمساعدة والدفاع عنها وعن امن مواطنيها هذه المعزوفة المقيتة التي رددها حتى اوباما الذي ظنه البعض انه مختلف عن الاخرين لانه من ذوي البشرة السوداء وليس البيضاء. الافارقة والعرب والروس والصينيون وغيرهم كلهم يعانون من التعصب والكراهية ويعاقبون وتثار ضدهم كافة اشكال العنصرية وممارساتها ضمن سياسة خارجية تفوح منها رائحة الاستكبار لتبرير السياسة العدوانية تجاه هذه الشعوب.
وجدير بالذكر ان الامر لا يقتصر على الولايات المتحدة فقط فالحركات الاحتجاجية التي ظهرت وعمت كل عواصم الدول الغربية أظهرت ان العنصرية ما زالت جزء لا يتجزأ من الثقافة الغربية بشكل عام وفي تلك الدول التي مارست الاستعمار بكل أشكاله سواء في أفريقيا أو الشرق الاوسط وعلى امتداد الكون, وأن فلسفة الرجل الابيض تجاه هذه الشعوب ما زال قائما وهي الفلسفة القائمة على انه كان من حقهم لا بل من واجبهم استعمار هذه الدول وفرض “الحضارة” و “القيم” الغربية على شعوبها الذين وصفوا بالهمجية وأنهم ليسوا من البشر وإن كان مظهرهم ينم على ذلك. ألم يصرح احد الاطباء الفرنسييون في بداية جائجة الكورونا ان فرنسا تعتزم تجربة لقاح على الافارقة في الدول الافريقية؟ أية قيم أخلاقية أو مهنية هذه التي تنضح بالعنصرية وإعتبار الغير دون البشر وبالتالي يحق للابيض استخدامهم كفئران التي عادة ما تستخدم في مثل هذه الحالات أولا وقبل الانتقال الى التجربة على الانسان بناء على البروتكول الطبي المتبع؟
وخارج الولايات المتحدة رأينا ذلك في استراليا على سبيل المثال وتعامل المستوطنين البيض مع السكان الاصليين من الابورجينيز وكذلك اسبانيا والبرتغال مع سكان أمريكا اللاتينية الاصليين وكذلك بريطانيا ايام حكم الامبراطورية البريطانية وتعاملها خاصة مع السكان في الهند وإرتكابها المجازر بحق شعبها. وكانت الشركات البريطانية تساهم في نقل ممن اختطفوا من الدول الافريقية في سفنها الى أمريكا تحت منظومة تجارة العبيد وحتى للان ما زالت تتصرف الحكومات البريطانية وكأنها تمتلك المستعمرة القديمة هونج كونج كلما ارادت السلطات الصينية ان تتخذ اي إجراءات لتؤكد ان هونج كونج اصبحت ضمن سيطرة الدولة الصينية, وكذلك راينا الارث الاستعماري لاسبانيا يعود بالنسبة لموقفها من فنزويلا الذي لم يختلف عن السياسة العدوانية للولايات المتحدة. وكذلك الحال بالنسبة الى فرنسا والدول الافريقية التي كانت تستعمرها ونشير الى تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية على سبيل المثال وتأثر عشرات الالاف من سكان الجزائر نتيجة هذه التجارب. وبالمثل تجربة القنبلة الهيدروجينة التي اجرتها امريكا في جزر الماريشال واستخدام سكانها بدلا من الفئران لمتابعة تأثير الاشعاعات الصادرة عن تفجير هذه القنبلة. وكل هذا يشير الى ان عقلية المستعمر وعنصريته ما زالت متأصلة في ثقافة الدول الاستعمارية بالرغم من إختفاء المظاهر الاستعمارية وتحرر البلاد.
ما نود ان نستخلصه هنا هو هذا الرابط والامتدادات والتلاقي للسياسة العنصرية التي تنتهجها هذه الدول بسياساتها الداخلية والخارجية وهذه العلاقة العضوية والجدلية فيما بينها. ومن هنا فإن واجب الحركات التي عمت معظم العواصم والمدن الكبرى الغربية ان تحارب وتعترض على السياسات الخارجية للدول الغربية التي لا تقل عنصرية عن تلك التي تمارسها داخل بلدانها وأن تدرك هذه العلاقة العضوية بينها وهذا ما لا تريده هذه الانظمة وطبقتها الحاكمة التي ما زالت تكيل الامور بمكيالين وإزدواجية واضحة وفاضحة. فبعض السياسيين يؤيدون الحركات الاحتجاجية داخل بلدانهم ولكنهم يؤيدون اتباع سياسات عنصرية لبلادهم تجاه دول أخرى وحتى وإن كانت هذه السياسات تؤدي الى مقتل الالاف من الاطفال وكبار السن وذوي الامراض المزمنة وحرمانهم من العيش ضمن منظومة عقوبات جائرة ووحشية ومنتهكة لكل الاعراف والقوانين الدولية.