الجمعة , 22 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

التطبيع المغربي..الحرام بنكهة إسلامية!!…بقلم د. وليد القططي

التطبيع إبادة جماعية، كان عنوان مقال كتبه الدكتور سعد الدين العثماني، في مجلة الفرقان، قبل أربعة وعشرين عاماً، مضمونه نقض التطبيع مع اسرائيل، اعتبر فيه التطبيع “أفضل أداة تفتّق عنها المكر الصهيوني”، بهدف “إقامة إسرائيل الكبرى الحلم المعروف للصهيونية”، ويقوم على باطل بحيث “يُطالب المظلوم المطارد بمصالحة الظالم وإعطائه مزيداً من الامتيازات”، وانتقد في المقال التطبيع العربي الذي يتم بينما يواصل العدو احتلاله لفلسطين وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني. لم يتغير موقف سعد الدين العثماني من التطبيع بعد أن أصبح رئيساً للحكومة المغربية بصفته الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي عرّف نفسه “حزب سياسي وطني يسعى انطلاقاً من المرجعية الإسلامية…”، فأصدر بياناً باسم الحزب يُدين التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني قبل أربعة شهور، مُعتبراً التطبيع “دعماً للعدوان على الشعب الفلسطيني وشرعنة لاغتصاب الأراضي الفلسطينية”. والجديد في الموضوع أنَّ العثماني لم يكن يعلم- على ما يبدو- أنَّ ملك البلاد والحاكم الفعلي لها- محمد السادس- الذي ورث عن والده الملك حب اليهود، واُشرِبَ في قلبه عجل الصهيونية، يُدبّر مع الأمريكان والاسرائيليين مشهداً مُناقضاً للمقال والبيان، تصل فيه عُقدة مسلسل التطبيع إلى ذروة إثارتها، عندما يلبس العثماني في المشهد عمامة التطبيع.

مشهد توقيع الدكتور سعد الدين العثماني على اتفاقية التطبيع في الرباط، مع ممثلي “اسرائيل” والإدارة الأمريكية، كان قد سبقه إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حقيقة الصفقة التي يبيع فيها الغالي بالرخيص، فالجزء الأول من الصفقة “تستأنف المملكة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل” فضلاً عن تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين بما يخدم الاستقرار في المنطقة”، والجزء الثاني من الصفقة هو الصحراء الموجود معظمها تحت السيادة المغربية فعلاً، بإعلان ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية، ورفض إقامة دولة صحراوية مستقلة فيها، فظهر الإعلان والاتفاق وكأنهما مقايضة التطبيع مع “اسرائيل” بالاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، وهذا المشهد التطبيعي ينسجم مع توّجهات النظام الملكي المغربي في إقامة علاقات طبيعية مع “اسرائيل“، التي لم تنقطع يوماً سراً وعلانية، ويتوافق مع الهرولة العربية الموّجهة أمريكياً باتجاه حجز مقاعدهم في الصفوف الخلفية للحلف الصهيو أمريكي ضد محور المقاومة، ولكن الشيء الغريب في المشهد هو توقيع رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني ممثلاً عن المغرب، ووجه الغرابة فيه هو كونه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي التوّجه، والمنتمي لتيار الإخوان المسلمين.

مضمون الغرابة هو التناقض بين ما كان يكتبه سعد الدين العثماني عن التطبيع وما فعله في مشهد التطبيع من توقيع، والتناقض بين المبادئ الفكرية والمواقف السياسية الرافضة قطعياً للتطبيع، والتناقض بين الخطاب السياسي الراسخ للحركة الإسلامية أو ما يُعرف بالإسلام السياسي فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية كونها القضية الأولى والمركزية للأمة الإسلامية، ومشاركتها عبر أحد فروعها بالتوقيع والتبرير بتمرير التطبيع، ومُخالفة مشهد التطبيع لكل أدبيات وأفكار الإسلام الحركي الثابتة التي تعتبر (إسرائيل) كياناً غير شرعي مُقام على أرض إسلامية مُغتصبة، لا يمكن الاعتراف بها والتعايش والتطبيع معها، وأنَّ الجهاد لتحرير فلسطين من الثوابت الإسلامية التي لا تخضع للمناورة والمقايضة والحسابات السياسية الصغيرة أو الكبيرة، ولذلك وجد حزب العدالة والتنمية صعوبة كبيرة في تمرير توقيع أمينه العام على اتفاقية التوقيع، فقام باستدعاء كل مفردات اللغة السياسية لتبرير التوقيع، والهروب من تبعات المشاركة في تمرير التطبيع، كأحد أخطر استحقاقات وجوده في السلطة، وأحد أسوأ متطلبات محافظته على رئاسة الحكومة.

بيان حزب العدالة والتنمية الإسلامي المدافع عن مشاركة أمينه العام في التطبيع ممثلاً عن المغرب، لم يتضمن فتوى دينية لشرعنة التطبيع كما يحدث أحياناً، ولم يستند إلى سابقة تاريخية من العهد الإسلامي الأول كما يحدث أحياناً أُخرى، ولكنه ارتكز على مبررات سياسية تندرج تحت إطار فقه المصالح المُرسلة في أحكام السياسة الشرعية، التي تستند إلى رؤية (أمير المؤمنين) للمصلحة، فرأى الملك – أمير المؤمنين – في التطبيع مصلحة يتم من خلالها ” تعزيز سيادة المغرب على الصحراء”، بعد الاعتراف الأمريكي بسيادتها عليها، فرأى في ذلك ثمناً مناسباً للتضحية بفلسطين، ورأى حزب العدالة والتنمية تأييد قرار الملك مصلحة في الحفاظ على وحدة واستقرار البلاد من خلال ” دعم رئيس الحكومة المغربية والأمين العام للحزب سعد الدين العثماني في إطار مسؤولياته السياسية والحكومية، وما يقتضيه ذلك من دعم وإسناد للعاهل المغربي “محمد السادس”. وإضافة لبيان الحزب شارك في حفلة التبرير الأمين العام السابق له عبد الإله بنكيران مُعتبراً التوقيع على التطبيع مصلحة عُليا للمغرب، وأنَّ البديل هو الخروج من السلطة، وأنه ” من غير المناسب أن يقف الحزب الذي يترأس الحكومة ضد قرارات الدولة”. ” والدولة هنا تعني الملك، والتطبيع هو السبيل لرضا الملك والبقاء في السلطة، ولتمرير مشهد التطبيع لا بد من استدعاء خطاب التبرير.

خطاب التبرير له أكثر من وجه على المستوى السياسي الفكري أو الديني الفقهي، ولكن أساسه التبرير النفسي، لإضفاء الشرعية والمصداقية والأخلاقية للمواقف الجديدة، المتناقضة مع المبادئ والثوابت بتوظيف ميكانزم التبرير لإيجاد سبب منطقي لمواقف غير منطقية، ومبررات مقبولة لأفعال غير مقبولة، وهذا التبرير النفسي كثيراً ما يلجأ إليه السياسيون لتبرير مواقفهم وأفعالهم أو لمواقف وأفعال رؤسائهم، وقد كان لجوء فقهاء الدين إلى ذلك أكثر فأنتجوا تراثاً فقهياً تبريرياً أخضعوا فيه النص الديني للواقع السياسي في عصورهم، لا سيما لينسجم مع مصالح الحكام قديماً وحديثاً، ولذلك امتلأت كتب التراث بفقه يشرعن الاستبداد لدرء (الفساد)، وأباح الاستسلام باسم (السلام)، وأفتى بجواز التطبيع ثمناً للأوهام.

خطاب التبرير الديني والفكري والسياسي لتمرير التطبيع مع الكيان الصهيوني هو سقوط مدوّي لمصداقية المشاركين فيه مهما كانت هوياتهم الدينية والفكرية والسياسية، لا سيما إن كان التطبيع يتعلق بالحركة الإسلامية، وهو خطيئة كبرى لا يُمكن تبريرها أو تمريرها وتستدعي العديد من علامات الاستفهام والتعجّب يمكن طرح بعضها مثل: هل الحرص على البقاء في السلطة هدفاً بحد ذاته يستحق التضحية بمصداقية الحركة الإسلامية؟!، وهل تحقيق مصلحة وطنية وهمية يستحق التضحية بقضية الأمة الأولى (فلسطين)؟!، وهل الحصول على سراب الشرعية الدولية ثمنه المشاركة في خطيئة التطبيع؟!، وهل بدعة فصل السياسي عن الدعوي وجه آخر للمبدأ العلماني المرفوض إسلامياً ( فصل السياسة عن الدين)؟!، وهل تحوّلت (الضرورة) التي سوّغت التطبيع هي الضرورة المعتمِدة على مصلحة الحزب أو الحركة بدلاً من المصلحة الشرعية المعتمِدة على مصلحة الأمة والشعب؟!، وهل الفتوى الدينية وما بُنيَ عليها من مبادئ فكرية ومواقف سياسية تتغير بتغير الزمان والمكان أم بتغير المناصب والحكام؟!، وهل تحوّلت السياسة الشرعية بدون ضوابط دينية إلى انتهازية سياسية وانحطاط أخلاقي وإفلاس فكري؟!، وهل فقه المصلحة جعل إسلاميي المغرب يلعبون لعبة تقاسم الأدوار، فيكون قرار التطبيع للملك، وتوقيع التطبيع للعثماني، وتبرير التوقيع للحزب، ورفض التطبيع للدعوة، ليكون التطبيع المغربي مُتميزاً عن التطبيع العربي بإبداعٍ جديد، يُقدَمُ فيه الحرام بنكهة إسلامية.

 

شاهد أيضاً

كتب  د. وليد القططي: الصهيونية والداعشية..وجهان لعملة واحدة

التطرّف لا دين له، حقيقة أكّدها التاريخ والواقع، وهو موجود في كل الديانات والمذاهب والأيديولوجيات …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024